ناقش، يوم أمس 19-1-2018، محمَّد حسين الرفاعي الدكتوراه في "علم اجتماع المعرفة والإبستيمولوجيا" في الجامعة اللبنانية- المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والإجتماعية- بيروت. وقد أجازت لجنة المناقشة أطروحته بدرجة الامتياز، بتقدير مشرف، وتقدير مشرف أعلى تقدير تمنحه الجامعة اللبنانية للدكتوراه. وكان هذا قرار لجنة المناقشة بالاجماع، مع توصية اللجنة للجامعة اللبنانية بنشر الاطروحة لأهميتها، وجديَّتها.
تقع الأطروحة في ثلاثة مجلدات، في 1200 صفحة. ونظراً لأهميتها أوصى الاساتذة بقبول حجمها كما هو، وتم ذلك بشك استثنائي، لأن الحد الأعلى للصفحات في الدكتوراه في الجامعة اللبنانية يجب ألا يتجاوز 300 صفحة.
إفتتحت الجلسة برئاسة البرفسور د. فؤاد خليل الذي قدَّم الباحث وطلب منه تقديم أطروحته. بعد تقديمه لمسألة الثنائية بوصفها مسألةً نظرية- ومنهجية لم تُطرحْ بعد كمسألة للبحث العلمي، وبعد تقديمه لمفهوم الآيديولوجيا كما تم بناؤه في الأطروحة، ورد في تقديم محمَّدحسين الرفاعي الآتي:
"... وبعدُ... كانت المهمة السُّوسيولوجيَّة التي على عاتق هذه الأطروحة قد تمثَّلت في الأزمة العِلميَّة. إنَّ الأطروحة هذي، إنَّما هي بذاتها، أزمةٌ علميَّةٌ، أو لا تكون. كان الإبستيمولوجيست توماس كوون قد قال، ذاتَ مرَّةٍ، في مؤلَّفِهِ الأكثر شهرةً، "بِنيَة الثورات العِلميَّة"،: "إنَّ الأزمة العِلميَّة، التي تؤدي إلى ثورة علميَّة، إنَّما هي تتميز بإنقسام المتَّحد الإجتماعي Scientific Community of the Science للعلم إلى قسمين: قسم أوَّل من الباحثين، من كبار السن، يبقى يدافع عن البرادايم / أو البراديغم القديم، العلم العادي، وقسم آخر من الباحثين، من الشباب الباحث، يختار التَّساؤل عن كيفيَّة حل المشكلات الجديدة بنظريات ومناهج جديدة تتعارض والقديمة منها. إنَّه الصراع العلميّ بين جيل العلم العادي، وجيل العلم الناهض للتوِّ".
تحدث بعد ذلك د. فؤاد خليل، أستاذ علم الاجتماع، وعلم اجتماع المعرفة، في الجامعة اللبنانية، فقال:
"إننا أمام عمل متميز، ومختلف جداً... في عادتي كنت أضع عدداً من المفاهيم المفتاحية وأقدم مداخلتي شفهياً؛ إنما نتيجة لأهمية الأطروحة وإستثنائيتها، قمت بكتابة مداخلة مكثفة... لابد من الإشارة أن هذه الأطروحة تختلف، من حيث طبيعتها، عن المأثور الآكاديمي السائد، إنْ كان من حيث تقديم حقل الفهم، ومن حيث بناء المنهج... إن هذه الأطروحة تتوفر على شروط التميز والجدة، سواء من حيث الشكل، أو من حيث المضمون، وبخاصة أنها تقارب إشكاليات الفكر العربي المعاصر، مقاربة جديدة، تتميز بالحفر العميق في مرتكزات هذا الفكر، من حيث هي تقوم على الأدلجة وممارسة الثنائية". كما قدم البروفسور فؤاد خليل نقداً في القول النقدي على الأطروحة تمثل في ضرورة الإقتراب، ضمن التساؤل السوسيولوجي، إلى الواقع المجتمعي.
كما قدم البروفسور د. حبيب فياض، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، مداخلته على النحو الآتي:
"بداية لابد من الإشارة إلى أننا أمام أطروحة هي ليست مجرد أطروحة جامعية، نحن أمام هندسة معرفية، بكل صدق وأمانة. لأن هذه الأطروحة التي بين يدينا، رغم بعض العيوب التي قد تعتريها، ونحن نعلم أنه لا يوجد عمل كامل، إلا أن مستواها هو أعلي من كونها عبارة عن أطروحة جامعية يراد من خلالها الحصول على شهادة دكتوراه من الجامعة اللبنانية. بمعنى آخر، حتى أحدد ما أقصده، إن الطالب محمد عمل على ثنائية المنهج- والمعرفة، عاد بنا خطوةً إلى الوراء، على مستوى المنهج، وعمل على ما قبل المنهج، أو بمعنى آخر، بنى منهجاً لفهم المنهج، وفيما بعد، على مستوى المعرفة، تجاوز المعرفة بخطوةٍ إلى الأمام، حتى يعمل على معرفة المعرفة، وذلك يتبين من خلال مفاهيم إستخدمها كـ"فهم- الفهم"، "معنى- المعنى"،...إلخ... بحيث إننا، في هذه الأطروحة، في بدايتها، نحن قبل البداية، وفي نهايتها، نحن بعد النهاية... إن هذه الأطروحة هي هندسة معرفية في سوسيولوجيا المعرفة، وحينما أتكلم عن الهندسة المعرفية، فأنا أقصد هندسة كهندسة فرديناند دو سوسير، وعناصر البنية والعلاقات المنطقية بين العناصر في البنية الواحدة؛ فهذه الأطروحة هي بنية متكاملة...". وقد إنتقد البروفسور فياض لغة الباحث المعقدة، والمفاهيم التركيبية التي ركَّبها الباحث، وتمنى عليه أن يقترب إلى القارئ بكتابة تخرج عن النمطية.
كما إنتقد البروفسور د. حسين رحال، أستاذ علم الاجتماع، وعلم اجتماع المعرفة في الجامعة اللبنانية، الباحث، وبنية البحث، وحجم الأطروحة، وتكرار الكلمات في الأطروحة، بقوله: "كان من الممكن أن تختصر الأطروحة أكثر من ذلك، فبدلاً من طرح مفاهيم كثيرة، وبدلاً من العمل على الفكر العربي في كليته، كان من الأفضل أن يكون العمل على مفاهيم قليلة، وعلماء ومفكرين بعينهم... كما أنه كان من المفترض ألا تتكرر كلمات، وصيغ لغوية، أكثر من 300 و400 مرة في الأطروحة. الأطروحة تجاوزت بعض محطات البحث العلمي، وكان من الأفضل التقيد بها أكثر... كما أنني أتمنى على الباحث أن نرى شخصيته وأسلوبه في الكتابة بعيداً عن التأثر بأساتذة وعلماء بعينهم؛ وأن يتجاوزهم... إن العمل العلمي عملٌ جزئي وليس عملاً كليَّاً، فلو أخذ الباحث مسألة بحث بعينها، جزئية، كان البحث أكثر وضوحاً، وموضوعيَّةً".
وإشتملت كلمة الأستاذة المساعدة د. نايلة أبي نادر، أستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية، على الآتي:
"هذه الأطروحة هي إستثناء على أكثر من صعيد. في وسط السواد الذي يعم المشهد العربي بالإجمال، وُلدت هذه الأطروحة لتشهد على ثلاث نقاط، وهي: أولاً: مازال التساؤل العلمي مطروحاً في لغة الضاد، ثانياً: مازال القلق المعرفي متوقداً يعبر عن مكنوناته الفكرية، ثالثاً: مازال التفكير النقدي له منظِّروه ومريدوه، وهم يغامرون في رحلة البحث عن مكمن الخلل، وإعادة التفكير في الثوابت. ما يقدمه لنا محمدحسين الرفاعي، في هذه المجلدات الثلاثة، هو إستثناءٌ؛ إنه صرخة مدوية في وجه التراجع الآكاديمي والخمول، وطلب ما هو سهل وهيِّن المنال؛ في حين ينشغل قسم كبير من الشباب العربي اليوم، في كيفية إيجاد مجال يؤمن لهم الكسب السريع، نجد أحدهم يترهَّبُ في صومعة الفكر، وينذر ربيعاً من الأيام في خدمة البحث الرصين. إننا أمام إستثناء في المجال الآكاديمي أيضاً، إذ نادراً ما نعثر على طالب دكتوراه يحمل قضية مجتمعية، ويعالجها بهذا القدر من التمعن والإحتراف والجدية يوجهه في ذلك شغف قلَّ نظيره... وإذا أردنا أن نُعمل حسنا النقدي وأن نطلب أن نقلل صفحات هذه الأطروحة التي تجاوزت الألف صفحة، فإننا نرى أننا أمام دارس محترف لمفهوم الآيديولوجيا. نحن أمام طالب أعدَّ بإحتراف عدَّة بحثه، فجاءت النتيجة مفاجئة تحمل في طياتها إنذارات لقدوم شيء جديد، إلى المكتبة العربية... في الأطروحة أسئلة كثيرة، ونحن أمام حالة سميتها الكرم المعرفي، سخاء في التعامل مع المتلفي...". وإنتقدت أستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية، لغة الباحث وطلبت تبسيطها، والإقتراب أكثر إلى القراء العرب. كما وضعت ملاحظاتها على كيفية ترتيب المصادر والمراجع في الأطروحة.
كما كانت مداخلة المشرف على الأطروحة، البروفسور د. شوكت إشتي، أستاذ علم الاجتماع، وعلم الاجتماع السياسي، وعلم اجتماع التربية، على النحو الآتي:
"في تقييم أي أطروحة دكتوراه لدينا مدخلان. فإما أن نعتبر الأطروحة هي موجودة، ونناقشها إنطلاقاً من ذلك، أو نناقش أطروحة هي ليست موجودة ومطلوب إيجادها. وبناء عليه لدينا مدخلان منهجيَّان لمناقشة الأطروحة. مدخل يناقش الأطروحة إنطلاقاً من مفاهيمها ومؤشراتها ومكوناتها،...إلخ، ومدخل آخر يميز بين الأطروحة، ونتيجة الأطروحة؛ هو يميز بين الأطروحة، وبين معنى وجود الأطروحة... إذا كانت الأطاريح تقيم بالإستناد إلى نفس المعايير والمؤشرات، فما الفرق بين الأطاريح؟ تصبح الأطاريح شيئاً واحداً، ولا يوجد تمييز بينها. فإن هذه الأطروحة بحاجة إلى قراءة متميزة تتناسب معها. إنطلاقاً من ذلك أقول، من موقعي كمشرف، وأنا لا أدافع عن طلابي. ولكن، بعد أن أمضيت كل سنوات التدريس في هذه الجامعة، وسأناقش الكثير من الأطاريح من بعد، أقول: سوف لن أناقش إنطلاقاً من السبيل المنهجي الأول، بل أنطلق، من بعد، من السبيل المنهجي الثاني... كلنا نناقش الأطاريح إستناداً إلى البحث العلمي، ومعنى البحث العلمي، ولا نناقش الأطروحة إنطلاقاً من معنى الأطروحة، وليس البحث العلمي. وهل إستطاعت أن تبلغ مستوى الأطروحة؟ في البحث العلمي الموضوع موجود، والمسألة موجودة، ولكن في هذه الأطروحة يتطلب الموضوع، وتتطلب المسألة إيجادها. هذا هو الفرق بين البحث العلمي، وهذه الأطروحة. لذلك أقول، من موقعي كمشرف: أنها أطروحة دكتوراه، لأنها إنتقلت من مسألة البحث إلى مسألة الدكتوراه... أخيراً أقول أن هذا النقاش في حجم الأطروحة، وهذا النقاش في شكل الأطروحة يجعلها أطروحة".
كما شكر، في آخر الجلسة، الطالب محمدحسين الرفاعي، اللجنة على ملاحظاتها، وأكد على ضرورة بناء لغة عربية جديدة داخل اللغة العربية من أجل أن تتناسب مع لغة العلم الحديثة، وضرورة الأخذ بالكليات داخل سوسيولوجيا المعرفة، وأشار، في موضع الرد، على التكرار في أطروحته، إلى إستخدام فيلسوف العلم، توماس كوون، 22 تعريفاً لمفهوم البراديغم.