عمليات استباقية تستأصل داعش في لبنان… كشف الخلايا النائمة والإمساك بالأمن
*
“لبنان آمن بعد العملية الأمنية النادرة التي نفذتها شعبة المعلومات، والتي تمكنت من خلالها استدراج قياديين في داعش وتجنيب البلد أخطاراً إرهابية كبيرة. عملية ساهم بها تجنيد أبو بكر العراقي أحد قياديي التنظيم في شهر تموز من العام الماضي بعد القبض عليه، ما أحبط تنفيذ مخططات إرهابية كادت تضرب لبنان…”. هذا فحوى ما أعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي كشف الستارة عن إنجاز استثنائي تعاونت في تحقيقه كل الأجهزة الأمنية “بعد دراسة الخريطة الجديدة التي يمكن أن يعتمدها داعش”.
اختراق”التنظيم”
فجّر المشنوق قنبلة هزّت تنظيم داعش، بعد حديثه عن تجنيد “عميل” من صلب التنظيم على مدى خمسة أشهر لدى قوى الأمن من دون معرفة قيادة التنظيم بأنه موقوف لدى شبعة المعلومات، وقال ان “العملية سارت بشكل مثالي للغاية. تواصل العراقي مع عدد من كوادر داعش في العراق وسوريا وتم الاتفاق مع بعضهم للقدوم إلى لبنان”، لافتاً إلى أن “هزيمة داعش في العراق وسوريا ومقتل الكادر المكلف في الملف اللبناني مؤخراً، كان لها أثر كبير على العملية، تمثل بانقطاع الاتصالات فجأة بين الموقوف العراقي والكوادر، وبناء عليه تم وضع خطة بديلة”.
“لبنان الآمن”
توقيت اعلان المشنوق عن نجاح عملية “لبنان الآمن” قد يكون له علاقة وفق ما قاله الباحث العسكري والاسلامي سمير الحسن لـ”النهار” “باستنفار تقنية القوة سراً”. وعما يعنيه تجنيد “عميل” من صلب التنظيم، أجاب الحسن: “يشير إلى حرفية الأجهزة الأمنية اللبنانية التي تتفرد بمتابعة هذا النوع من الخلايا، بعد خبرتها الطويلة في اختراق هذا النوع من التنظيمات”. وفي ما يتعلق بالقائد الارهابي ابو جعفر العراقي علّق: “داعش يعتمد على الأسماء الحركية، واكثر من شخص يحمل اللقب ذاته، لم يعط المشنوق معلومات عنه حرصاً على عمل الجهاز المهني والذي يقتضي عدم التوسع في التفاصيل”. أما المؤرخ والباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والجماعات المتطرفة، والمختص بملف تنظيم داعش هشام الهاشمي لـ”النهار” فقال، إنه “في دراستي، الوثائق العراقية عن داعش لم تصادفني كنية أبو جعفر العراقي كقائد لداعش في لبنان”.
انتشار بعد الانكسار
دخل داعش إلى لبنان بحسب الهاشمي “كفرع للتنظيم في نهاية عام 2015، وعادة ما يكون هكذا فرع لأعمال لوجستية وإعلامية ولغسيل واستثمار الأموال التي قد تصاحبها أعمال إرهابية انتقامية، أو لخلط الأوراق طائفياً وسياسياً. ولا أظن أن داعش يريد أن يفعّل عملياته الارهابية في لبنان على غرار ما يفعله بالعراق”. وقال “يوجد قيادة كخلايا ناشطة في لبنان تمثل النواة الصلبة لفرع داعش في لبنان وهم قطعا ليسوا فقط خلايا نائمة”. في حين اعتبر الحسن ان “داعش صعد بعد سيطرته على الموصل في عام 2014. وقبل أن ينتقل من العراق إلى سوريا كانت أغلب المجموعات تنتمي إلى تنظيم القاعدة، لكن بعد انشقاق ابو بكر البغدادي عن القاعدة بايعته مجموعات. وقد ظهر في لبنان في مرحلة صعوده وقوته التي كانت في عامي 2014 و2015، لكن الآن دخل مرحلة الأفول. وبات يتعذر عليه ترميم حتى جسمه العسكري، وذلك منذ أن بدأت معركة الموصل مع البادية بالتزامن مع تحقيق الجيشين السوري والعراقي انتصارات على هذا التنظيم”، مشدداً على أن “تمركز قادة للتنظيم في لبنان يعود إلى انكساراته العسكرية في سوريا والعراق، والهدف منه تحويل البلد إلى مسرح عمليات، لكن تمكُّن الأجهزة اللبنانية من التعرف على هؤلاء يعني أن العمل الاستباقي كان فعالاً ومجدياً”.
“الذئاب المنفردة”
“يحاول تنظيم داعش الانتقال من اسلوب التمكين الذي عمل به في سوريا والعراق، أي السيطرة على الجغرافيا، إلى حرب العصابات تحت مسمى كسر الشوكة والنيل من هيبة الدول. فالآن يحاول من خلال أسلوب الذئاب المنفردة، الانتقال من بلد إلى آخر للقيام بهكذا نوع من الأعمال” بحسب ما قاله الحسن، قبل أن يشرح “أن التنظيم نجح في الكثير من الدول نتيجة ضعف خصومه، انما في لبنان وطيلة السنوات الماضية، خاصة عندما كانت الحدود السورية- اللبنانية مفتوحة بالكامل لوجستيا امام تلك المجموعات، كانت الأجهزة الأمنية اللبنانية تسجل نجاحات في متابعتها واسئصالها، ما حال دون أن يكون لها دور فاعل، اذ كان يمكن أن يكون لها بيئات حاضنة قبل أن ينجح الجيش اللبناني في طرد المجموعات المسلحة من جبال السلسلة الشرقية وجرود عرسال”.
تاريخ دموي
لـ”داعش” تاريخ دموي في لبنان من خلال سلسلة تفجيرات تبناها على مدى سنوات، أسفرت عن وقوع عشرات القتلى والجرحى، منها التفجير الانتحاري في الشارع العريض في منطقة حارة حريك في كانون الاول من العام 2014 والذي اسفر عن سقوط 5 قتلى و75 جريحا، وفي حزيران من العام ذاته فجر انتحاريان حزاماً ناسفاً أثناء مداهمة قوة من الأمن العام فندق “دي روي” في منطقة الروشة، أحدهما مات والآخر اعتقل بعدما اصيب بجروح كما اصيب 11 شخصاً بين أمني ومدني. وفي شهر تشرين الثاني من العام 2015 وقع تفجير في منطقة برج البراجنة نفذه 3 انتحاريين (الثالث قُتل قبل أن يفجّر حزامه الناسف) أسفر عن 43 قتيلاً و239 جريحاً.
وفي عام 2016 اصدر الجيش اللبناني بياناً اعلن خلاله عن “إحباط عمليتين إرهابيتين على درجة عالية من الخطورة، كان “داعش” قد خطّط لتنفيذهما ويقضيان باستهداف مرفق سياحي كبير ومنطقة مكتظة بالسكان، حيث تمّ توقيف خمسة إرهابيين وعلى رأسهم المخطّط. وقد اعترف الموقوفون بتنفيذهم أعمالاً إرهابية ضدّ الجيش في أوقات سابقة”. وفي العام ذاته، ألقت مخابرات الجيش القبض على “العقل المدبر” للتنظيم في مخيم عين الحلوة عماد ياسين، فتبين أنه كان بصدد تنفيذ عمليات متزامنة ضد كازينو لبنان، وسط بيروت، مصرف لبنان، محطتَي توليد الكهرباء في الجية والزهراني، فضلاً عن التخطيط لتفجير ضخم يستهدف “سوق الإثنين” في مدينة النبطية، وغيرها من العمليات الإرهابية.
معركة عرسال وتطهير الجرود
في شهر آب من العام 2014 أقدم مسلحون من “جبهة النصرة” و”الدولة الاسلامية” على دخول عرسال، على خلفية توقيف قائد “لواء فجر الاسلام” عماد جمعة، واعلان معركة مفتوحة مع الجيش اللبناني انتهت بعد ثلاثة أيام بخطف أكثر من 30 عسكرياً (جيش وقوى أمن داخلي) إلى الجرود، افرج عن بعضهم بمبادرة “هيئة العلماء المسلمين” وأعدم 4 عسكريين بعد فشل المفاوضات. وفي 19 آب من العام الماضي أعلن الجيش اللبناني إطلاق عملية “فجر الجرود” بهدف طرد داعش من “جرود رأس بعلبك” و”القاع” وكشف مصير الاسرى العسكريين، وبعد 10 ايام اعلن الجيش اللبناني انتهاء العملية بتطهير الجرود من الارهابيين بعد عملية تفاوض جرت بين حزب الله وداعش أفضت إلى انسحاب أكثر من 600 مقاتل من عناصر التنظيم إلى البادية السورية مقابل تسليم جثامين شهداء الجيش وعدد من جثامين حزب الله والأسير أحمد معتوق.
اذا كان المشنوق قد قرر الإعلان عن عملية “لبنان الآمن” لتأكيد الاحتراف الأمني في لبنان ولطمأنة اللبنانيين والعرب” حيث شدد على أن “الوضع ممسوك بأعلى درجة احتراف وكشف هذه العملية لا يؤثر على طريقة عمل المعلومات”، فهل يخشى الحسن من تفجير قد يطال لبنان في القريب كرد من “داعش” على ما اعلنه المشنوق، عن ذلك أجاب: “الحرب على الارهاب قائمة منذ سنوات، وقد نجحت الدولة اللبنانية في تعطيل خلايا واسئصالها عبر العمليات الاستباقية وهي قادرة على أن تستمر على هذا المنوال”.