وزير الثقافة الدكتور غطّاس خوري يقوم بوصفه قريباً من رئيس الحكومة سعد الحريري بمحاولة لإزالة الخلاف الذي نشب بينه وبين رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع في أثناء الأزمة – المحنة التي تعرّض لها الأوّل في المملكة العربيّة السعوديّة قبل أسابيع والتي تجاهلها الثاني معتبراً أن ما حصل خلالها، وهو استقالة الحكومة اللبنانيّة، تمّ بقرار طوعيّ من رئيسها. وهو من أجل ذلك يزور “معراب” كما يلتقي الوزير “القوّاتي” ملحم رياشي.
وفي الوقت نفسه عاود رياشي ونائب “التيّار الوطني الحر” ابراهيم كنعان اللقاءات الهادفة إلى إزالة توتّر علاقة حزبيهما بعدما هدَّد جديّاً بالقضاء على “تفاهم معراب” بينهما، وبعودة الانقسام المسيحي الحاد قبل الانتخابات النيابيّة المقبلة. كما عاود كنعان الاجتماع بجعجع.
هل تنجح محاولتا المصالحة المذكورتين؟
تُفيد جهات على اتّصال بمعراب أن سيّدها ليس متشائماً. وهو يتوقّع عودة العلاقة الجيّدة مع “المستقبل” وزعيمه، وعمليّاً عودة وحدة الموقف السياسي داخليّاً وإقليميّاً بينهما. ويعني ذلك عودة الروح إلى “14 آذار” وإلى سياستها الرافضة دولة “حزب الله” داخل دولة لبنان، وتحوّله جيشاً بل قوّة عسكريّة وإقليميّة كبيرة تتدخّل في دول أخرى تنفيذاً لأجندة إيديولوجيّة وسياسيّة توسُّعيّة إيرانيّة. كما يعني العودة إلى التقويم المشترك لأطراف الداخل بل إلى أبرز ما فيه، وهو أن رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون حليف لـ”حزب الله” ويُنفِّذ سياسته، وأن التحالف معه بوصفه “مُستقلّا” عنه غير واقعي. وهو يعني عمليّاً تحالفاً لـ”المستقبل” مع “الحزب”. إلى ذلك يعني إنجاح عودة الروح إلى علاقة السعوديّة بالحريري و”تيّاره” وبـ”14 آذار” مجتمعة، وعودة التبنّي السياسي السعودي لهم جميعاً كما الدعم الذي الذي يحتاج إليه الجميع في الانتخابات النيابيّة المقبلة. لكن جهات أخرى واسعة الإطّلاع لا تُشاطر “معراب” تفاؤلها في استعادة الحريري وتيّاره من الرئيس عون و”حزب الله”. فالحديث الذي أدلى به أخيراً لصحيفة “الوول ستريت جورنال” تبنّى وفي وضوح سياسة عون الداعمة بقوّة لـ”الحزب” وقواعدها الأساسيّة، وهي أن سلاحه مشكلة إقليميّة تحلّ عندما تستتب الأوضاع في المنطقة، وأنه قوّة سياسيّة لبنانيّة مُهمّة لا يمكن تجاهلها وأنه سيشارك في الحكومة الجديدة بعد الانتخابات. ومن شأن ذلك إبقاء الانقسام “القوّاتي – المستقبلي”، والانعكاس سلباً على مساعي إحياء “تفاهم معراب”، ودفع السعوديّة إلى اتّخاذ قرار ليس بالاستغناء عن لبنان بل بمعاقبته من داخل ومن خارج. أمّا عودة الحيويّة وربّما الحياة إلى تفاهم “معراب”، فإن المُطّلعين على بعض تفاصيلها لا يبدون واثقين حتّى الآن من نجاحها، إذ أن ما يُفرّق “التيّار الوطني الحر” و”القوّات اللبنانيّة” عميق وكثير، يبدأ بالتنافس الانتخابي ويمر بالتناقض السياسي داخليّاً وإقليميّاً، ولا يُنتهي بالطموحات الرئاسيّة المُتعاظمة عند الدكتور جعجع والوزير جبران باسيل. لكن الفريقين لا يُمانعان في استمرار السعي إلى العودة المُشار إليها، انطلاقاً من أن ذلك يهدّئ روع المسيحيّين الذين كوَتْهُم خلافات الفريقين في الماضي البعيد والقريب، وانطلاقاً أيضاً من اقتناع ضُمني بأن التلاقي النهائي أو التوافق صعب لتناقُض المنطلقات السياسيّة المحليّة والإقليميّة فضلاً عن المصالح.
في النهاية يعتقد مُتابعو الأوضاع اللبنانيّة بتشعّباتها الإقليميّة أن الضبابيّة سياسياً وانتخابيّاً لا تزال سمة المرحلة الراهنة رغم اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي. فالتحالفات صعبة أولاً بسبب قانون الانتخاب حتى بين أبناء “الموقف” الواحد والسياسة الواحدة داخلاً وخارجاً، وثانياً بسبب غياب سياسة تنفيذيّة واضحة ومُفصّلة عند السعوديّة تُساعدها على إقناع حلفائها القدامى والجُدُد بالاتحاد ثم التعاون معها، واكتفاء الامارات العربيّة المتُحدة بدور الوسيط والمهُدّئ رغم امتلاكها الكثير من الأفكار الجيّدة. وهي صعبة أيضاً بسبب شحّ المال الذي هو عصب الانتخابات ووقودها وارتباط توفّره عند جهات “14 آذار” رغم انقسامها بعودة وحدتها وسياستها “الأصليّة” وانسجامها مع السياسة السعوديّة. أما فريق 8 آذار وزعيمه “حزب الله” و”حلفائه” من قدامى وربّما من جُدُد فمعاناتهم الماليّة ستكون أقل وبكثير لأن الراعي الإيراني موجود وكريم رغم مصاعبه. لكن المؤسف هو ارتباط انتخابات نيابيّة في دولة تقول انها مُستقلّة ومواقف شعوبها بالمال وما فيه من شراء وبيع. والمُشين أكثر هو “أجنبيّة” المال عربيّاً كان أم إسلاميّاً. عيب.