عن علاقة الاراحة الاجتماعية والحريات السياسية بالتظاهرات الاحتجاجية الشعبية في إيران الاسلامية، يقول اللبنانيون القريبون من طهران أنفسهم، أن هناك مبالغة في تضخيم الاثنين. فالإراحة الاجتماعية أي “الرحرحة” موجودة ليس فقط في طهران حيث يستبدل عدد لا بأس به من الفتيات والنساء “الزي الشرعي” بـ”بنطالونات” و”جينزات” ضيّقة و”بجاكيتات” قصيرة وبغطاء رأس يكشف نصف الشعر، ولا يتعرض لهنّ أحد. حتى في مشهد المدينة المقدسة حيث كانت النساء لا تغادرن منازلهن الا وهن مرتديات العباءة صار هذا الاستبدال سارياً. هناك أوامر عند “الحرس الثوري” بمنع أي فرد منه بالتعرّض الى امرأة وإن نزعت حجابها أو غطاء رأسها وضربته به. وهذه المظاهر الجديدة أو المستجدة لا تغيب عن مدن معروفة بكونها مركزاً لمرجعيات دينية في العالم الاسلامي كلّه. أما الحرية السياسية، يتابع هؤلاء، فموجودة وإن ليس مئة بالمئة من خلال الحركة الاعلامية المنتشرة بكل وسائلها والحركة الثقافية الناشطة. فضلاً عن أن “نظام الحزبيْن” الذي يعتبره غربيون من أركان الديموقراطية موجود بحكم الممارسة منذ مدة طويلة، وإن كأمرٍ واقع ورغم افتقاره حتى الآن الى الاعتراف الرسمي به وليس الواقعي فقط. فهناك “حزب” المحافظين المتشدّدين و”حزب” الاصلاحيين. والاثنان إسلاميان. ولا وجود واقعي أو رسمي لأي حزب خارج إطار النظام الاسلامي. ورغم انتقاص ذلك من الديموقراطية فإنه سمح عملياً للإيرانيين غير الاسلاميين وحتى المعادين للنظام الاسلامي بالتماهي مع الاصلاحيين والمعتدلين، وبالتصويت لمرشحيهم في الانتخابات الرئاسية والنيابية، وبالاشتراك في تظاهراتهم الشعبية وإن استغلها بعضهم عفوياً أو عن قصد لحرفها عن أجوائها الأساسية، من أجل تشويه سمعة الحكام والنظام وربما تحريض الناس على الشغب والفتنة والتمرّد.
ماذا عن الفساد الكبير الذي يحكى عنه في إيران الاسلامية؟ وهل وصل الى “الحرس الثوري” و”البسيج” والجيش والمجتمعات العلمائية؟ وهل صحيح ما يُقال ويشاع عن ممارسة المؤسسات الأمنية والعسكرية، إضافة الى عملها، عملاً آخر هو المسؤولية عن قطاعات ومؤسسات اقتصادية كثيرة وكبيرة بل ضخمة؟ وإذا صحّ ذلك ألا يمكن اعتباره فساداً؟ وألا يجوز الاعتقاد بأن مكافحة الفساد ستكون معطّلة لأن المؤسسات المذكورة هي التي يفترض أن تحمي الدولة والنظام بكل مؤسساته؟ وألا يشبه وضع إيران من هذه الناحية وضع مصر التي صارت مؤسستها العسكرية المؤسسة الاقتصادية الأكبر بل الأضخم في البلاد؟ عن ذلك كله يجيب اللبنانيون القريبون من طهران أنفسهم، فيقولون لا شك أن الفساد موجود في إيران وكبير، لكن لا يمكن تشبيه إيران بمصر من حيث سيطرة مؤسستها الأمنية – العسكرية على معظم القطاعات الاقتصادية في البلاد. صحيح أن لدى “الحرس” شركة طيران ومؤسسات أخرى، لكنه لم يصل الى درجة الإمساك باقتصاد البلاد وحده أو مع المؤسسات العسكرية الأخرى.
في أي حال، يتابع هؤلاء، أدركت الدولة الايرانية في خلال التظاهرات التي انطلقت في مشهد دور الفساد وفي مؤسساتها وضعف إنتاجها وبطء عملها والفقر وانتفاء المعالجة، وتأكدت أن غالبية المتظاهرين متديّنون وإن تمسّكت بأن الضغط الأميركي – الدولي كان ولا يزال المسبّب الرئيسي لمظالم الشعب ولا سيما اقتصادياً. وتصرّفت انطلاقاً من ذلك فاستدعت المتضررين كلهم من إفلاس شركة “شانديز” التجارية (180 ألفاً) ودفعت لهم مستحقاتهم أو تعويضاتهم أو مساهماتهم. وهي تعمل الآن لحل مشكلة “بنك تسابيان” الذي أفلس موقعاً الخسارة بمودعيه الكثيرين وربما بعدد من حملة أسهمه. وأدركت الدولة أيضاً أن لا بد من معالجة الفساد ومعاقبة مرتكبيه بكل قسوة. واذا لم تفعل ذلك فإنها لن تردعهم عن الاستمرار.
طبعاً يشير اللبنانيون القريبون من طهران أنفسهم الى أن الرئيس السابق نجاد مسؤول الى حد ما عن الوضع السلبي الراهن، إذ رأى استحالة نجاحه في تنفيذ المشروعات التي تحسّن حياة مواطنيه لأنها تحتاج الى سنوات كثيرة، فحاول “فش خلق” الناس وخصوصاً خارج المدن بتوزيع مخصصات مالية عليهم في صورة شبه منتظمة. ويلفتون أخيراً الى أن النظام يواجه مشكلة الآن هي خلافة المرشد والولي الفقيه خامنئي بعدما صار شبه متعذّر اختيار رئيسي خلفاً له جرّاء خسارته الانتخابات الرئاسية أمام روحاني. إذ يشتد التنافس حالياً حول الموقع الأول هذا، وقد يكون الرئيس روحاني واحداً من المتنافسين. طبعاً يعتقد البعض في طهران أن تعيين رئيسي لا يزال ممكناً رغم خسارته الرئاسية. لكن الكثيرين داخل نظامها يرون صعوبة كبيرة في ذلك.