اتهم المرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، حكومات المنطقة التي تتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل ضد المسلمين، بارتكاب “خيانة بحق المسلمين”، ووجه اتهامه صراحة إلى المملكة العربية السعودية، في خطاب يبدو متناقضا تماما مع ما جاء قبل يوم واحد على لسان الرئيس حسن الإيراني حسن روحاني حين قال إن “الشرق الأوسط بحاجة إلى تعاون كل دول المنطقة من أجل حل مشكلاته”، في تلميح قرئ على أنه إشارات إلى “التواصل” مع الرياض ومناشدة بشكل غير مباشر للقضاء سوّيا على الخلافات بينهما.
وفي الظاهر، يبدو الحديثان متناقضين ومتضاربين بما يدفع إلى تأطيرهما ضمن الأزمة الداخلية للنظام الإيراني والتوتر بين خامنئي وروحاني، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يناقض فيها المرشد الأعلى كلام الرئيس، لكن عند وضع التصريحين اللذين صدرا بمناسبة انعقاد مؤتمر اتحاد برلمانات الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، ضمن سياقات أشمل وقراءة أعمق يتبين أنهما يسيران وفق خط واحد، ويتبيّن ذلك من خلال:
- مناسبة التصريحان، هي مؤتمر اتحاد برلمانات الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي في طهران، وأغلب الدول المشاركة تعتبر السعودية من أهم حلفائها وتشاركها القلق من مخططات إيران في المنطقة. وحديث روحاني في بداية خطابه عن “التواصل حتى مع الدول التي لدينا معها خلافات سياسية”، محاولة لتبييض صورة إيران والظهور بمظهر البلد “المتعاون” الذي لا يعتبر أي دولة مجاورة “منافسا”.
- ما جاء بعد الديباجة من حديث عن دعم إيران المطلق لقطر في استفزاز صريح لدول المقاطعة وتأكيد على أن طهران ترى مصلحة في إذكاء الأزمة الخليجية ولا تتردد عندما تجد الفرصة لتوسيع الخلافات ردا على تحركات السعودية والقوى الإقليمية الموالية لها في مشروع التصدي لخطط إيران.
- نقطة مشتركة جمعت حديث روحاني وحديث خامئني، وتكاد تتكرر فيهما نفس العبارات وهي الحديث الممجوج عن العداء لأميركا وإسرائيل؛ حيث قال خامئني “حكومات المنطقة التي تتعاون مع الولايات المتحدة والنظام الصهيوني ضد المسلمين ترتكب خيانة بكل تأكيد وهو ما تفعله السعودية”. وسبقه روحاني بقوله “هناك دول سلكت الطريق الخطأ”، مضيفا أنها تشارك في انقسام العالم الإسلامي تحت تأثير الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
لأن تصدير الأزمات سياسة إيرانية بامتياز، فإن التصريحات تأتي أيضا كمحاولة لاستحضار شعارات العداء لأميركا وإسرائيل المتآكلة علّها تؤثر في حالة الغليان الشعبي التي تعيش على وقعها إيران
ومن هنا، لا يمكن أن تكون تصريحات المرشد الأعلى والرئيس الإيراني متناقضة بل هي تكمّل بعضها بعضا، وجاءت كمحاولة للتأثير على البرلمانيين من ممثلي الدول الإسلامية الذين اجتمعوا في طهران وتحميل مسؤولية ما يجري في المنطقة من توتر وحرب للسعودية وحلفائها من الحكومات “الحليفة لأميركا”.
ولأن تصدير الأزمات سياسة إيرانية بامتياز، فإن التصريحات تأتي أيضا كمحاولة لاستحضار شعارات العداء لأميركا وإسرائيل المتآكلة علّها تؤثر في حالة الغليان الشعبي التي تعيش على وقعها إيران منذ نهاية العام الماضي والتي تطورت إلى مظاهرات كسّرت حاجز الخوف وعلا صوتها منددا بالنظام وسياسته التي تقتل الإيرانيين جوعا لتصرف الملايين على حزب الله وميليشيات العراق واليمن ضمن سياسة لن تضر إلا الإيرانيين وتزيد من عزلتهم ولا تخدم غير مخططات “قومية لأقلية حاكمة من رجال الدين المتشددين الذين يكنّون عداء تاريخيا للسعودية والدول السنية، وحرس ثوري استقوى في فترة العقوبات الدولية وكون إمبراطورية ضخمة تتغذى على اسمرار انغلاق الداخل واستدامة الأزمات في الخارج”.
سياسة لم تعد تصدق
من بين النقاط التي تنبني عليها سياسة نظام الجمهورية الإسلامية، هناك نقطتان رئيسيتان: الأولى مبدأ التقية وإظهار ما لا يبطن، أما النقطة الثانية، فأشار إليها المؤرخ الإيراني الأرمني يراوند آبراهاميان في قوله إن “الإيراني يرى أن الوصول إلى الثروة لا يتحقق إلا من خلال تدمير جاره”، تضاف إلى ذلك أوهام الفرس التاريخية التي أخذت طابعا قوميا سياسيا.
وتتضح صورة هذه السياسة بمراجعة التحركات الإيرانية منذ أن كان الخميني يقود من باريس عملية التحضير لقيام الجمهورية الإسلامية على أنقاض حكم الشاه رضا بهلوي إلى تطورات العلاقة لعقد توقيع الاتفاق النووي. تولى الخميني الحكم مع رواج شعارات العداء للإمبريالية ممثلة في الولايات المتحدة الأميركية أساسا، ونقمة شعبية عربية ومسلمة متصاعدة جراء تطورات الوضع في فلسطين.
وفي الداخل، استخدم الخميني شعار “الشيطان الأكبر” آلية لحشد قاعدة شعبية مؤيدة له بعد صراعه مع القوى السياسية الأخرى التي شاركته في الإطاحة بنظام الشاه ودخلت معه بعد ذلك في صراع دموي واسع، مستغلا في هذا السياق استياء قطاع من الإيرانيين من تراكمات السياسة الأميركية بداية من مشاركتها في إسقاط حكومة مصدق وإعادة الشاه عام 1953.
وفي الخارج، نجحت سياسة إظهار العداء لأميركا وإسرائيل، وبعد ذلك إظهار الدعم لـ”المقاومة” ممثلة في حزب الله، الذي أنشأته إيران ليكون أول ذراع يغرسها في قلب المنطقة مستغلا الوضع الهش في لبنان ذي الموقع الاستراتيجي والخصوصية الطائفية. وحتى بعد أن تأثرت صورة الخميني بعد الحرب العراقية الإيرانية، بقي هناك عدد كبير من نخب المنطقة وشعوبها منساق وراء مزاعم “الشيطان الأكبر” و”الموت لإسرائيل” دون النظر للنصف الآخر من الصورة.
طغت المشاعر الشعبية وغطت على الكثير من الحقائق في زمن لم تكن فيه المعلومة متوفرة مثل الآن، وكان من السهل التأثير في الناس من خلال الشعارات العاطفية والحديث عن القومية والوحدة. وسائل التواصل والإعلام لم تكن على قدر من الانفتاح والانتشار مثل اليوم، كما أن السلطة كانت للدولة دون منازع.
طهران تسعى إلى تحسين العلاقات مع واشنطن
لذلك، كان التوتر بين إيران والولايات المتحدة يطفو على السطح، فيما تجري في الكواليس مفاوضات وصفقات خفية بين النظام الإيراني والإدارات الأميركية المتعاقبة تعكس تفاهما مستمرا على عدم الصدام المباشر ووضع حدود وسقف للآليات التي يمكن استخدامها في التعبير عن الخلافات المزعومة بين الطرفين، بل إن إيران استنجدت بإسرائيل خلال حربها مع العراق.
ووفقا لدراسة أجراها معهد تل أبيب لدراسات الأمن القومي، فقد زوّدت إسرائيل إيران بأسلحة بلغ مجموعها 500 مليون دولار في السنوات الثلاث الأولى من الحرب (1980-1988).
ولعل أقرب وصف للعلاقة بين إيران وأميركا ما جاء على لسان المترجمة الإيرانية بنفشه كينوش، في مقال نشرته صحيفة الغارديان تحدثت فيه عما رأته وسمعته خلال عملها كمترجمة مع أربعة رؤساء إيرانيين، قالت فيه “عندما ننظر إلى موقف طهران من الولايات المتحدة، فإننا نجده أشبه بموقف الحبيب الذي يشتاق للعودة إلى حبيبه القديم. ففي الوقت الذي تعلن فيه طهران عن ازدرائها من واشنطن، إلا أننا نجدها تتوق مرة أخرى لأن تصبح شريكتها. وكما هو الحال في الكثير من الأحيان، هناك خط رفيع جدا يفصل بين الكراهية والحب”.
وعلى سبيل المثال أدت أزمة الرهائن في عام 1979، عندما اقتحم الطلاب المتشددون السفارة الأميركية وقاموا باحتجاز الدبلوماسيين في إيران لمدة 444 يوما، إلى انهيار العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين. ولكن وعلى الرغم من ذلك بدأ الجانبان في عقد المحادثات خلف الأبواب المغلقة من أجل حل تلك الأزمة.
وحاول نظام الجمهورية الإسلامية بعد الإطاحة بالشاه فتح قنوات تواصل مع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر وعقد الجانبان محادثات خلف الأبواب المغلقة رغم الخلاف العلني بين الطرفين الذي وصل إلى ذروته مع اندلاع أزمة الرهائن (4 نوفمبر 1979-20 يناير 1981) التي كانت سببا رئيسيا في عدم فوز كارتر بفترة رئاسية ثانية، رغم إنجازه البارز في فترته الأولى المتمثل في رعاية المفاوضات المصرية- الإسرائيلية التي انتهت بتوقيع معاهدة السلام في مارس 1979.
وأشارت كتابات عديدة إلى أن الخميني رفض طلبا تقدم به بعض المقربين منه بتحويل السفارة الأميركية إلى مقر للحرس الثوري، باعتبار أن “الخلاف مع الولايات المتحدة لن يستمر ألف سنة”، في إشارة إلى أنه يعتبر أن قطع العلاقات مع واشنطن قرار مؤقت للتعاطي مع تطورات ظرفية لن تدوم إلى ما لا نهاية.
ولم يكن احتلال السفارة الأميركية في طهران موضع توافق داخل النظام الإيراني، إذ أنه جاء كرد فعل من جانب بعض الأجنحة المتشددة التي سعت إلى عرقلة الجهود التي بذلها رئيس الوزراء آنذاك مهدي بازركان للانفتاح على واشنطن والتوصل إلى توافق بين إدارة كارتر والنظام الجديد في طهران.
وتوجت جهود بازركان بتنظيم لقاء مع زبيجينيو بريجينسكي مستشار كارتر للأمن القومي خلال مشاركتهما في احتفالات الجزائر بعيدها الوطني في أول نوفمبر 1979، وقبيل ثلاثة أيام فقط من احتلال السفارة، حيث كان هناك انفتاح أميركي على دعم النظام الجديد وتقديم دعم عسكري له.
وبدا أن ثمة اهتماما بالغا من جانب بازركان بالنتائج التي يمكن البناء عليها من خلال هذا اللقاء الذي ضم إلى جانبه كلا من إبراهيم يزدي وزير الخارجية ومصطفى شمران وزير الدفاع.
ورغم التوتر الذي تصاعد عقب احتلال السفارة، إلا أن ذلك لم يمنع الطرفين من استمرار الحوار، بل إن ثمة مؤشرات عديدة تكشف أن إيران وفريق المرشح الرئاسي آنذاك رونالد ريغان حاولا استثمارها لتحقيق أهداف خاصة بكل منهما، أهمها تقليص حدة التوتر وتعزيز فرص ريغان في الفوز بالانتخابات.
وحدث ذلك فعلا، حيث كان لافتا أن الإفراج عن الرهائن الأميركيين، بعد 444 يوما، جاء في اليوم نفسه الذي وصل فيه ريغان إلى البيت الأبيض في 20 يناير 1981. وسبقت ذلك اجتماعات سرية عقدها مسؤولون إيرانيون مع ويليام كيسي مدير حملة ريغان ومستشاره، شارك فيها أيضا جورج بوش الأب عندما كان نائبا لريغان.
وكانت تلك الجائزة بداية لصفقات كثيرة بين الطرفين، دعمها حرص إدارة ريغان على عدم اتخاذ مواقف حادة تجاه السياسات الراديكالية لإيران في المنطقة، حتى مع تورّطها في أعمال إرهابية أسفرت عن وقوع ضحايا أميركيين، على غرار تفجير مقري السفارة الأميركية وقوات المارينز في بيروت في 18 و23 أكتوبر 1983.
إيران اعتادت على استيعاب الضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة عليها، والتي طالت فقط بعض الأشخاص أو الشركات التي تدعم برنامجيها الصاروخي والنووي
إيران غيت
وصلت تلك التفاهمات إلى ذروتها في منتصف الثمانينات مع الزيارة التي قام بها روبرت ماكفارلين مستشار ريغان للأمن القومي إلى طهران ولقائه مع رئيس البرلمان آنذاك هاشمي رفسنجاني في عام 1986. جاءت هذه الزيارة في إطار الصفقة التي توصل إليها الطرفان وتقضي بحصول إيران على أسلحة أميركية بوساطة إسرائيلية مقابل مساهمتها في إطلاق سراح بعض المختطفين الأميركيين في لبنان، على أن يخصص عائد تلك المشتريات في دعم حركات “كونترا” المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراغوا.
وتسبّب الكشف عن هذه الصفقة، التي أطلق عليها “إيران غيت” أو “إيران كونترا”، بعد أن وصل صداها إلى الإعلام، في ضجة كبيرة داخل الولايات المتحدة، باعتبار أنها كانت تنتهك القوانين الأميركية التي لم تكن تسمح بمثل هذا الدعم.
وجاءت حرب الخليج الثانية في بداية التسعينات من القرن الماضي لتمثل بداية مرحلة جديدة من الانفتاح الإيراني-الأميركي، بعد أن استغلتها حكومة هاشمي رفسنجاني في تحقيق المزيد من التقارب في المواقف مع الولايات المتحدة، في ظل الموقف المناهض الذي تبنته إزاء الغزو العراقي للكويت.
وتذكّر كينوش أن رفسنجاني قال حينها في مؤتمر صحافي لعدد من الخبراء الأمنيين الأجانب إن “إيران يمكن أن تقبل واقع وجود القوات العسكرية الأميركية في الخليج، على الرغم من إعلانهم معارضة ذلك أمام الرأي العام كثيرا”.
وتطور الأمر في منتصف التسعينات، وتحديدا خلال عهد إدارتي بيل كلينتون ومحمد خاتمي. وأظهر رفسنجاني رغبته في التقرّب من الإدارة الأميركية، عندما قال في ندوة عامة في نيويورك إنه “يريد التأكيد على أن كلا من الولايات المتحدة وإيران لهما جذور مشتركة في المعتقدات الدينية”.
وانعكس التقارب في قرارات أميركية عديدة مثل إدراج اسم منظمة مجاهدي خلق على قائمة التنظيمات الإرهابية في عام 1997 وتخفيف القيود التجارية المفروضة على إيران والسماح باستيراد بعض السلع مثل الكافيار والسجاد والفستق، فضلا عن تقديم اعتذار عن التدخل الأميركي في إسقاط حكومة مصدق.
وقابلت إيران هذه الإجراءات بخطوات مماثلة، أبرزها إدانة أحداث 11 سبتمبر 2001 وتوجيه رسالة تعزية إلى الشعب الأميركي ثم مساعدة الولايات المتحدة خلال حربيها في كل من أفغانستان والعراق، واللتين أسفرتا عن إسقاط أكبر خصمين إقليميين للأخيرة وهما حركة طالبان ونظام صدام حسين.
ورغم التوتر الذي شاب العلاقات بين إدارتي جورج بوش الابن ومحمود أحمدي نجاد، خلال الفترة من 2005 وحتى 2013، بسبب الخلاف حول أزمة البرنامج النووي الإيراني، ووضع الإدارة الأميركية إيران في قائمة “محور الشر” مع العراق وكوريا الشمالية، إلا أن ذلك لم يمنع الطرفين من الاستمرار في إجراء مباحثات سرّية وعلنية.
ونظمت لقاءات عديدة بين السفيرين الأميركي والإيراني في العراق حول التطورات السياسية والأمنية التي شهدتها الساحة العراقية، وبعدها صدر تقرير لجنة بيكر-هاميلتون في عام 2006، والذي أوصى إدارة بوش بإجراء حوار مباشر مع إيران حول العراق.
استعداء متبادل لخدمة سياسات داخلية وملفات إقليمية
الصفقة النووية
دخلت العلاقات الإيرانية-الأميركية مرحلة أكثر انفتاحا مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض في عام 2008، وذلك في ظل السياسة الجديدة التي تبنتها الإدارة الأميركية والتي قامت على إجراء مفاوضات سرية مع إيران وتوجيه رسائل تهنئة عديدة إلى القيادة والشعب في إيران بمناسبة أعياد النيروز.
ومهّدت هذه المفاوضات الطريق أمام إجراء المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 التي انتهت بالوصول إلى الاتفاق النووي في يوليو 2015. وبدأت الإدارة الأميركية في الدفاع عن الصفقة النووية أمام معارضيها في الداخل، لدرجة تسببت لها في أزمات عديدة.
ونشبت أبرز تلك الأزمات، في بداية عام 2016، عندما دفعت الإدارة الأميركية أموالا نقدية إلى إيران تصل إلى نحو 400 مليون دولار قيمة تعويضات لإيران عن صفقة وقعت خلال عهد الشاه ولم تنفذ، حيث تم الربط بين هذا الإجراء وبين إفراج إيران عن بعض السجناء الأميركيين، بشكل دفع خصوم الصفقة إلى اتهام الإدارة الأميركية بدفع “فدية” لطهران، وهو ما رفضته الإدارة التي فسّرت ذلك بأنه جزء من أموال مستحقة لإيران تبلغ نحو 1.7 مليار دولار.
ورغم التغير الظاهر في السياسة الأميركية بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2017، بسبب موقفه الرافض للاتفاق النووي وحرصه على مهاجمة أدوار إيران في المنطقة، إلا أنه واصل العمل على نهج أسلافه في سياسة الكيل بمكيالين في التعامل معها.
واعتادت إيران على استيعاب الضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة عليها، والتي طالت فقط بعض الأشخاص أو الشركات التي تدعم برنامجيها الصاروخي والنووي. فضلا عن أن إدارة ترامب لم تتخذ أي إجراءات لمنع إيران من تقديم المزيد من الدعم العسكري للميليشيات الإرهابية الموجودة في دول الأزمات، مع أنها منحت هذا الملف أولوية خاصة في الفترة الأخيرة.
ومع اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في نهاية ديسمبر 2017، انحصر الموقف الأميركي في تقديم دعم معنوي للمحتجين صبّ في صالح النظام، الذي استغله للترويج لادعاءاته القائمة على ارتباط الاحتجاجات بمخطط خارجي يهدف إلى تقويض دعائمه، رغم أن الدوافع الحقيقية للاحتجاجات تتركز على تردي الأوضاع الاقتصادية واستنزاف الأموال الإيرانية في دعم الإرهاب.
وكان كل ذلك يجري في الوقت الذي يستمر النظام الإيراني في رفع شعارات “الموت لأميركا” في الداخل، ضمن خطوات متقاطعة ومواقف متقاربة كلها تشير إلى أن التوتر الظاهر في العلاقات الإيرانية-الأميركية لا يمثل سوى غطاء لتفاهمات وصفقات مستمرة بين نظام الجمهورية الإسلامية و”الشيطان الأكبر”، لم يكن يوما شيطانا.