الأول تعرفونه وتعرفون أصله وفصله، وعُمق طائفيته وتعصبه وجهله وشراهته للمال العام والوجاهة والزعامة، وإصراره على قتل آخر حفيد ليزيد.
كما تعرفون تفانيه، بلا حدود، في خدمة وليه الفقيه. وتعلمون كم ركبه الغرور حتى تخيل نفسه وحيد زمانه الذي لم يخلق، بعد، من يُنزله عن كرسي الرئاسة المذهب، حتى بلغ به الوهم حدا أوعز فيه للمصفقين والمطبلين المستفيدين من جهله وتخلفه وغروره أن يطلقوا عليه لقب “مختار العصر”، تشبيها له بالمختار بن أبي عبيد الثقفي (622 – 686 م)، الذي طالب بدم الإمام الحسين وقتل كثيرا ممن شاركوا في قتله في الكوفة.
والمهم أنكم تعرفون جيدا كيف التقطه، من آخر الصفوف، سفير الولايات المتحدة آنذاك، زلماي خليل زادة، بعد أن أزهقت تفاهة إبراهيم الجعفري روح الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، (وكان الحاكم الفعلي لعراق الإسلام الإيراني الديمقراطي الجديد) فأمر باقتلاعه من رئاسة الحكومة، فلم يجد غير هذا المخلوق الغلط أمامه.
وتعرفون أكثر ما فعله بالعراق والعراقيين هذا المكشر دائما، والغاضب دائما، والمختصم دائما، والمستهين دائما بالجميع، والمتمرس، دائما، في توزيع تهم الخيانة والإرهاب والبعثية والصدامية على كل العراقيين، ما عدا أقاربه وأحبائه ومعاونيه ومستشاريه.
فقد أثبت، بسلوكه المزاجي الانفعالي غير المتزن وغير المستقيم، طيلة ثماني سنوات في الحكم، أنه أصغر كثيرا من الكرسي الذي جعله يتسلط على شعب عريق، كالشعب العراقي، متنوع المذاهب والطوائف والأديان والقوميات، وغني بالآلاف، وربما بالملايين، من أصحاب المواهب والكفاءات والخبرات، وحملة شهادات العلوم والفنون والآداب والاقتصاد والسياسة.
ورغم كل الذي جرى وصار في عهده غير المأمون في السنوات الثماني الغابرة، ورغم سقوطه المدوي، ها هو ما زال يشاكس وينافق ويشاغب، بالحلال والحرام، ويشعل الحرائق هنا وهناك، على أمل أن يركب على ظهورنا مرة ثالثة.
ولأن كيله طفح وصار عيبا وعبئا ثقيلا على الطائفة والمرجعية، وعلى الولي الفقيه، وعلى أميركا، صدرت الأوامر بتنحيته، وتتويج أحد رفاقه في حزب الدعوة، ملكا على العراق مكانه.
ومن قبل أن يجلس حيدر العبادي على الكرسي المُذهب جمح الخيال بكثير من العراقيين ومن العرب والأجانب، فتوهموا بأن العراق على يديْ هذا القادم الجديد سينام ليلة واحدة فقط ليفيق في صباحها التالي وهو بلا طائفية، ولا محاصصة، ولا عمولات، ولا صفقات، ولا مفخخات، وبأن المواطن، أي مواطن، سينعم بالحرية والكرامة، ويساوى في فرص العمل، وأمام القانون، فلا يكون هناك فرق، لا حكوميا ولا شعبيا، بين عضو في حزب الدعوة أو أي ميليشيا أو حزب متحالف معه تحت عباءة الولي الفقيه، وبين مواطن بلا حزب ولا مرجعية، وأن نوري المالكي وولده وصهريه ووزراءه ومستشاريه لن يطلع عليهم نهـار حتى نرى البطل الوطني الشجاع حيدر العبادي يسوقهم، جميعا، إلى سـاحة القضاء العادل المستقل، لا للانتقام والثأر، ولكن من أجل حماية الغد من الفساد والمفسدين، ومن الظلـم والظالمين، ولإثبات أن الدولة الجديدة ليست امتدادا لدولة مختار العصر، ولا تشرب من لبنها، ولا تعيش على هوائها المسموم، وأن رئيس الوزراء الجديد لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يتستر على أحد، حتى لو كان من رفاقه في الحزب العتيد.
جمح الخيال بكثير من العراقيين ومن العرب والأجانب، فتوهموا بأن العراق على يدي حيدر العبادي سينام ليلة واحدة فقط ليفيق في صباحها التالي وهو بلا طائفية ولا محاصصة ولا عمولات ولا صفقات ولا مفخخات
حتى أوشكنا جميعا أن نصدق بأن هذا الحيدر العبادي سيفاجئنا بقرار خروجه العاجل من عباءة حزب الدعوة، وإعلان براءته من الطائفية، ليصبح رئيس وزراء جميع العراقيين، فيدخل التاريخ وهو حبيب الشعب وزعيمه الوطني الشريف.
ولكن شجرة الشوك لا تنتج التين والزيتون، والأفعى لا تقطر عسلا، أبدا. فهو، ومن أول أيامه في الرئاسة وحتى يوم أمس، ظل يثرم بصلا برؤوسنا، ويُمنّينا بالغد، وبالانتصار على الفساد والفاسدين، وعلى القائد الضرورة الذي سلمه خزينة الدولة فارغة، وأن عدم القضاء على الفساد والفاسدين سيُعيد تنظيم داعش من جديد، وأن السلاح لن يبقى إلا في يد الدولة.
وظل يدعو، دون كلل وملل، جميع الكتل السياسية إلى التعامل مع المواطنين بعدالة، وإلى عدم التفريق بينهم على أساس مذهب وعرق ودين.
ثم، وبعد سنوات من الوعود والتصريحات والتوضيحات يفجعنا هذا العيار بنكسة تشكيله ائتلاف “النصر” الذي وصفه بأنه “العابر للطائفية والتفرقة والتمييز، والذي سيعمل لكل العراقيين، وسيعزز وحدة البلاد وسيادتها الوطنية، ويصحح المسارات الخاطئة، ويحقق العدالة والمساواة بين العراقيين في الحقوق والواجبات”.
ثم يتبين أنه لا يستطيع أن ينتصر على الفساد ولا يحقق العدالة والمساواة إلا بالتحالف والتفاهم والتراحم والتلاحم مع كيان “الفتح” الذي يضم المنظمة الإنسانية الخيرية الرحيمة “بدر”، وقائدها الوطني الصادق الأمين “هادي العامري”، ومجلس همام حمودي، وثمانية من فصائل الحشد، وجماعة إبراهيم بحر العلوم، وكتلة الفضيلة، وتيار إبراهيم الجعفري، وحزب حسين الشهرستاني.
وحتى بعد أن انسحبت بدر ورفاقها المسلحون من ائتلاف “حيدوري” أعلن هادي العامري أن أسباب ذلك الانسحاب “فنية”، “وليست كما يشيع المتصيّدون في الماء العكر”. مؤكدا “للأمانة التاريخية أن علاقتنا مع رئيس الوزراء ستبقى أخوية صادقة، ونحن مستعدون للتحالف معه بعد الانتخابات”.
ألا ترون أيها القراء العراقيون الأشاوس؟ هل هناك لهذا الوطن الحزين وأهله الصابرين المحتسبين حظ أغبر من أن يصبح سلعة بائرة يتقاذفها ثلاثة من العيارين، الأول هو المختار، والثاني هو المحتار، والثالث نفاخ النار؟ تعازينا.