الاشتباك بين التيار الوطني الحرّ وحركة أمل، عنوانه هذه المرّة: البند 24. فعلى جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، التي ستُعقد اليوم في السرايا الحكومية، بندٌ يحمل الرقم 24 ويتعلّق بطلب وزير الخارجية جبران باسيل تعديل قانون الانتخاب لتمديد مهلة تسجيل المغتربين حتى 15 شباط المقبل. بعض القوى السياسية في الحكومة تقف ضدّ تعديل قانون الانتخابات، إلا أنّ الاعتراض «الأشرس» صدر عن حركة أمل.
فقد قال وزير المال علي حسن خليل، في حديث لقناة الـMTV، إنّ «أيّ تعديل على قانون الانتخاب سيفتح الباب على تعديلات أخرى وبالتالي تطيير أو تأجيل الانتخابات، وهذا ما لن نسمح به»، مؤكداً أنّه «سيكون لي موقف في جلسة مجلس الوزراء، وأكيد سنصوّت ووزراء 8 آذار ضدّ التعديل». وحتى لو نال التعديل أكثرية داخل الحكومة، فـ«لن يمرّ»، كما قال حسن خليل.
التهويل بوجود «نيّات» لدى باسيل لتأجيل الانتخابات مرّة ثالثة، يهدف أساساً إلى قطع المجال أمام تمرير التعديلات التي يريد إدخالها. بحسب مصادر وزارية رفيعة المستوى، الانتخابات ستُجرى في موعدها، ولا شيء يمكنه منعها سوى حدث من عيار حرب إسرائيلية. وهكذا حدث مستبعد. وترى المصادر أن لا أحد من القوى السياسية الرئيسية (التيار الوطني الحر، وتيار المستقبل، وحزب الله، وحركة أمل) يريد تأجيل الانتخابات. عهد الرئيس ميشال عون على المحك في هذا المجال، فيما الرئيس سعد الحريري مرتاح لمستوى التضامن الشعبي معه ويراهن على عدم إهداره بتأجيل الانتخابات. أما حزب الله وحركة أمل، فيرغبان في ترجمة نتائج النسبية في المجلس المقبل.
انطلاقاً من هنا، ترى المصادر أنّ غاية رئيس التيار الوطني الحرّ المُضمرة من وراء التصعيد في ملفّ الانتخابات واختراع خلاف مع معظم الأطراف السياسية، «خلق عنوان سياسي يمكّنه من افتتاح حملته الانتخابية، وهو: حقّ المغتربين في الاقتراع، واتهام الآخرين بحرمانه إدخال الإصلاحات على القانون». وهناك سببٌ آخر، هو أنّ باسيل «طلب من البعثات اللبنانية في الخارج الاستمرار في استقبال طلبات التسجيل للانتخابات النيابية، حتى ما بعد انتهاء المُهل. إلا أنّ وزارة الداخلية لم تتسلّم أي ملفّ بعد إقفال باب التسجيل».
من جهتها، تقول مصادر في التيار الوطني الحرّ إنّ وزير الخارجية طلب تمديد مهلة اقتراع المغتربين خلال اجتماع اللجنة الوزارية لبحث قانون الانتخاب في 20 تشرين الثاني الماضي، «وقد وافق الأعضاء في حينه، إلا أنّ اشتعال الأزمة بين الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، دفع إلى تبديل المواقف». تُدرك المصادر أنّ التصعيد في هذا المجال «لا يُساعد في تهدئة جبهة التيار ــ أمل، ولكن باسيل لا يبحث عن اختلاق مشكلة جديدة، أو البحث عن عنوان للمعركة الانتخابية. جُلّ ما يريده هو فتح المجال أمام المغتربين للتسجيل». التصعيد الانتخابي والإصرار على تمرير التعديل، يُقابله توقع عوني بأن «لا يتحقّق مطلبنا، لأنّ برّي لن يسمح بعقد جلسة نيابية لإقرار التعديل». لماذا إذاً إدراجه على جدول الأعمال؟ ولماذا قَبِل الحريري بذلك وهو الذي يبحث عن تصحيح للعلاقة بينه وبين برّي؟ تردّ المصادر بأنّ «رئيس الحكومة لا يريد أن يتحمل هو وزر رفض اقتراح باسيل، بسبب العلاقة معنا».
من ناحية أخرى، يتثبت يوماً بعد آخر أنّ القوى السياسية لا تبحث عن حلول لأزمة مرسوم الأقدمية، وباتت مُسلّمة بأنّ فضّ الاشتباك بين عون وبرّي مؤجل إلى ما بعد الانتخابات النيابية، وانتخاب رئيس لمجلس النواب، وتشكيل حكومة جديدة. فقد رفع عون أمس السقف بوجه رئيس المجلس النيابي، عبر القول إنّه «وصلنا إلى حيث بدأ المساس بسلطتنا، وهذا أمر غير مقبول. نحن نحترم كلّ السلطات كما ينص عليها الدستور والقوانين، ولا نريد أن نُخاصم أحداً، بل على العكس، إنّنا نريد أن يبقى البلد مستقراً وآمنا». كلام عون جاء من عند الرهبنة الأنطونية، فاعتبر أنّ المؤسسات «من دون دستور وقوانين لا قيمة لها، لأنها تكون غير خاضعة لمراجع، بل للفوضى، وعلى الجميع أن يفهم ذلك». رئيس الجمهورية جدّد ثقته بالقضاء، لأنّه «ينطق بالحق. لكن أن يتم رفض دور مجلس القضايا في مجلس شورى الدولة والدستور، فهذا ليس أسلوبنا ولن نقبل به لأننا نبني وطناً».
وخلال استقباله أعضاء السلك القنصلي في لبنان، حاول عون «تهدئة» المواقف المتشنجة، فقال إنّ «من يتابع الإعلام اليوم يعتقد أنّ الأمور مشتعلة. لا إنها ليست كذلك أبداً. لقد قلنا منذ بداية المسألة إنّ سوء التفاهم حول تفسير القوانين يستلزم العودة إلى المؤسسات القضائية التي يبقى لها الكلمة الفصل. ولعل أبرز مثال نعطيه لشعبنا أنّه حين يحصل خلاف بين مسؤولين عليهما الاحتكام إلى القضاء». وأضاف عون أنّه «لا أعرف لماذا ارتدى الأمر طابعاً سلبياً، فنحن نُعطي أشرف مثل للشعب اللبناني يؤكد أنه أصبحت لمؤسساتنا القضائية حصانة»، آملاً «من الجميع أن يُدرك هذه الرسالة بكافة معانيها».
على صعيد آخر، استكمل برّي لقاءاته في إيران، فاجتمع أمس مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، ورئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، ومستشار المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، علي ولايتي. ورحب الأخير ببرّي، قائلاً: «نعتبركم في بلدكم... وقد كان لكم دور كبير في إرساء أسس المقاومة في لبنان. وقبل الثورة الإسلامية في إيران بدأ الإمام الصدر تأسيس حركة المحرومين، وكنت من رفاقه، ولعبت دوراً مميزاً في انطلاقة ومسار حركة أمل في مواجهة العدو الإسرائيلي، التي كان لها الدور المميز في التصدي لهذا العدو». وأشاد ولايتي بتعاون حركة أمل وحزب الله، «حيث بات لبنان موضع فخر في المنطقة ويتمتع بأكثر قدر من الهدوء والاستقرار». أما برّي، فأكد «عمق العلاقة الأخوية بين أمل وحزب الله التي باتت مثالاً يحتذى، وإن شاء الله سماحة الأخ حسن نصر الله وأنا جسدان في قلب واحد... نحن اليوم في أمسّ الحاجة للوحدة، ليس في لبنان فحسب، بل في كل العالم العربي والإسلامي، لأن المؤامرة كبيرة جداً لتمرير صفقة العصر وبتحقيق مشروع شيمون بيريز».