منذ ايام وانا افكر في نفس الامر، ما الموضوع الذي سأتناوله في هذا المقال، ولمَ سأختاره من بين الاف الافكار التى تدور في رأسي والتى يجب عليّ كشابّة او ربما كمواطنة التحدّث عنها؟
كيف يمكنني من خلال مقال صغير ان اؤثر في قارئ/ة ما عاد يجتذبه/ا في السّطور سوى اخبار صاخبة مثيرة، وربما فضائح او مصائب او اي من المظاهر التى اصبح تسويقها علماً وفنّاً تديره كبرى الشّركات والمؤسّسات المنتشرة عالميّاً؟
ولكن لمَ افكر هكذا انا الشّابة اللبنانية سارة البيطار ذات الثلاثين عاماً، اعمل في جمعية لبنانية تهدف إلى تحسين مستوى القراءة لدى الاطفال، كما انني متطوّعة في عدة جمعيات محليّة تخدم مجتمعي المحليّ الذي انتمي اليه في مدينة عريقة هي صيدا. انا سارة البيطار والدة لطفلين، متزوجة منذ عشر سنوات، وقد اكملت تعليمي بعد انجاب طفلي الاول، متحدّية كلّ الظروف الماليّة والاجتماعيّة التى كانت حملاً اضافيا لأمّ يانعة ليس لديها في جعبتها سوى احلام ورديّة تساعدها في متابعة حياة اجتماعية شبه مفروضة، ومرسومة التفاصيل من الغير..
من قال انني هنا سأستعرض حياة فتاة واجهت صعوبات وتحديات لتصل الى شيء عظيم؟
لم اصل الى الآن إلى شيء عظيم اصلاً!!
لكنني سأتكلّم عن نفسي ببساطة لأنني كمعظم البشر لا اجيد شيئاً في الحياة كإجادتي الحديث عن نفسي، ربما كجزءٍ من النرجسيّة المقبولة، وربما لأنني امثل جزءاً يسيراً من المجتمع اللبناني يهمّني الاضاءة على قضاياه، اكثر مما يهمّني ايّ شيء آخر، ليس لأنه يستحق ذلك اكثر، ولكن لنفس البساطة الاولى لأنني عشت مع نفسي وعايشت المئات من قضايا بنات جيلي اللواتي يشبهنني في الكثير من النواحي الاجتماعيّة والاقتصاديّة والفكريّة والنفسيّة.
لنبدأ نهاراً عاديّاً.استيقظ يوميّاً في السّادسة والنصف، وانام غالباً على سرير طفليّ بينما أروي لهما قصّة قبل النّوم بعد نهار مليء حتّى اللحظات الاخيرة بجدولٍ لا ينتهي من المهام التى من المفترض ان اتقاسمها مع شخصٍ ما لتصبح الحياة شبه طبيعيّة في بلد ليس فيه من مظاهر الحياة الطبيعيّة سوى بعض الصّور التى تمرّ صدفة لتذكّرنا بأنّ لدينا مناظرجميلة.
لا اشعر بأنني مواطنة مقهورة، لا اشعر بأنني غاضبة من الوضع السياسي المثير للغثيان، لا اشعر بأنني مسروقة، مستغباة، منتهكة الحقوق، مسلوبة الارادة...
مواطنيّتي ورغماً عن انوفهم ما زالت اقوى من اي وقت مضى. ولكنّني لم اعد ارغب بأن اتناول حبة زهرية قبل النوم لأنني مللت من ذلك ولا ألقي اللوم هنا على ايّ جهة.
نحن نسوة هذا الجيل اللواتي وُجدنا في عصر انتقاليّ متفاوت ما بين منطقة وأخرى في بلد
"كل مين إيدو إلو"، نرى اننا لم نعد نرغب بأن نشعر بالخذلان. لذا لم نعد نرغب بأن نشعر اصلاً!!!...
خذلان من المجتمع والعائلة التى ربّت الصبيّ على انه البطل والفتاة على انها السندريلا التى يجب ان تنتظر الامير لينقذها، وتعيش بعد ذلك في قصره تهتم بفساتينها وحليها، واذا ما حالفها الحظ كانت زوجة او ابنة لملك او امير او بيك لبناني سيرحل من دون وريث فتظهر عندها كممثّلة مهمّة للديمقراطية واشراك المرأة في السّياسة والحكم.
خذلان من المجتمع والعائلة التى جعلت معظم الاحلام التّى تراود اي انسان في قسم العيب، الممنوع والحرام، حتّى تلك الاحلام الصغيرة كالانتساب الى فرقة كشّافة مثلاً...
خذلان من المجتمع والعائلة والتى بإهمالها لما تريد الفتيات ولما يشعرن به، يلجأن بسذاجة من له حاجة تحتاج لإشباع بشدّة الى حضن اي رجل يُظهر بعض الودّ او الحبّ الذي غالباً يتم استنساخه عن بضعة مسلسلات او افلام عاطفية، او ربما اغان رومانسية لو جرى تقييمها الفعليّ وحذفها على اساس التقييم الموضوعي لأصبحت شاشاتنا واذاعاتنا ومحطّاتنا ومواقع تواصلنا وصفحاتها التى تزيد احياناً عن عدد المواطنين شبه خالية، الاّ ممّا ندر وكسر القاعدة التى تقول ان الجمهور يريد ذلك.
خذلان من رجال الدّين والدّولة الّذين لا يختلفون في اهدافهم ابداً. وانما للتّمويه، يحاولون الاختلاف، لم يعطوني الحق في تقرير مصيري كمواطنة الى الآن سوى مرة واحدة، لست متأكدة انها ستتكرّر عما قريب، رغم كل الوعود والتّأكيدات...
خذلان تلو الآخر حتى اصبح شعور التوتّر يخفّ تدريجياً ليحل مكانه اكتئاب جماعي، لن يغيّره سوى ثورة تبدأ من الداخل!
نعم، الثورة على الآخر مهمّة، ولكن هل حقاً نحن مختلفون/ات عنهم؟ هل حطمنا التبعيّة الموجودة بداخلنا؟ هل حقاً نحن مؤمنون/ات بأنفسنا كمواطنين/ات يمكنهم/ن التّغيير؟
نعم الثّورة على الآخر مهمّة، ولكن هل نحن حقاً مستعدون/ات للخروج من منطقة الامان (save zone) الخاصة بنا، لنرفع اصواتنا التى علمننا ومنذ الصغر بأن رفعها عورة، واننا مرعيّات من الآخر، وارجو ان لا تؤخذ جملتي انها ضدّ دين معيّن حيث انّ الدّين الآخر ينتمي الى نفس العادات التّى تربّي نفس النساء ومجلسنا البرلماني المتنّوع الاديان خير دليل على عدم اختلاف النتائج. الدّين شريعة واضحة. نحن من نختبئ وراء ظلاله كي نبرّر عجزنا وضعفنا وخوفنا من المواجهة والثّورة.
الى متى تعيش كل واحدة فينا حياتين مختلفتين، واحدة في داخل روحها، والاخرى ما يريده الآخرون لها ان تكون؟
في حديثي هنا وكما ذكرت أستعرض بعضاً من جوانب حياتي كأنثى لبنانيّة لانّها تمثّلني، ولكن حديثي يستهدف الجنسين لأن قضية أي انثى لا تنفصل عن الذكور فهي تعنيهم بنفس القدر.
اخيراً بحثت كثيراً عن مأثورة مناسبة تظهر ثقافتي هنا، لم اجد تلك التى تجعلني افتخر بأنها ختمت مقالتي التى اتمنى ان لا تكون الاخيرة . ارجو من القرّاء/القارئات وضع مأثوراتهم/ن الخاصّة، واحلامهم/ن الخاصّة ومعاناتهم/ن الخاصّة، ودمجها مع معاناتي لنولّد بها ثورة على كل هذا الواقع، ولنصنع لبنانَ يشبه جيلنا المنفتح الذي لا بدّ سيكسر قيود الخوف .
انا حلمي الشخصي ان اصبح كاتبة روائية، وحلمي الوطني ان يثور ابناء/بنات شعبي على هذه الطبقة بأجمعها، لنمارس مواطنيتنا بفخر واعتزاز، وليصبح تحقيق حلم كلّ منا وحلم ابنائه/بناته من بعده/ا قابلاً للتّحقيق حتّى لو لم ي/تكن تابعاً/ةً لحزب او عائلة فاسدة تدعمه/ا دون سواه/ا.