لم تعد تطوّرات أزمة مرسوم الأقدمية تؤشّر إلى رغبة لدى القوى السياسية في الوصول إلى حلول. منذ أن وقّع الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري مرسوم الأقدمية لدورة عام 1994، ونقاط التباعد بين عون وبرّي تزداد كمّاً ونوعاً. وجاءت مطالعة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل أمس، وتبنّيها وجهة نظر رئيس الجمهورية، لتزيد الأمور سوءاً، خصوصاً مع وصف برّي لهذا الرأي بأنه «استشارة بناءً على الطلب، مع الأسف»، مطلقاً موقفه هذا من طهران.
التصعيد، أمس، يناقض ما أبلغه الحريري لبرّي، في الأيام الماضية، عن أن الأزمة ستنحسر وأن «الأمور متجهة نحو الحلحلة»، بعدما وصل الخطاب إلى سقوف مرتفعة، حول صلاحيات رئيس الجمهورية ووزير المال، والكلام عن نيّة العونيين رفض انتخاب برّي رئيساً للمجلس النيابي المقبل، ومنع حركة أمل من الحصول على وزارة المال، فضلاً عن الكلام عن تعديلات دستورية، لا سيّما المادة 56 من الدستور. وإذا كان البعض يرى في السجال الحاصل مصلحة انتخابية للتيار الوطني الحر في شدّ عصب المسيحيين، فإن ما قد يترتّب على تفاقم الأزمة يفوق قدرة الأطراف الحاليين على اجتراح حلول، في ظلّ غياب راعٍ إقليمي ودولي، والمنطقة برمّتها في طور إعادة التشكّل من جديد.
رأي هيئة الاستشارات أتى مخالفاً لغالبية الدستوريين ذوي الشهرة والخبرة؛ فبعد مواقف الرئيس حسين الحسيني، والوزراء السابقين إبراهيم نجّار وألبير مخيبر وإدمون رزق والنائب السابق صلاح حنين، الى موقف رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب روبير غانم والرئيس نجيب ميقاتي، الذين أكّدوا ضرورة توقيع وزير المال على مرسوم الأقدميات، أتى رأي هيئة الاستشارات ليدعم تفسيرات وزير العدل سليم جريصاتي، الذي اعتبر بعد اجتماع تكتّل التغيير والاصلاح أن «النقاش الدستوري والقانوني انتهى في البلد، بعد صدور رأي هيئة التشريع والاستشارات... وعلى الجميع الامتثال».
ولمّح جريصاتي إلى صلاحيات رئاسة الجمهورية، مؤكّداً أن «الرئيس العماد ميشال عون لا يغالي بممارسة صلاحياته الرئاسية، ونحن لن نقبل بأن ينتقص أحد من صلاحيات الرئيس في هذا العهد، فالرئيس رئيسنا جميعاً، وهو حامي الدستور والقانون».
كلام جريصاتي استدعى ردّاً عاجلاً من وزير المال علي حسن خليل الذي أكّد أن «البحث عن حجج لتغطية تجاوز الدستور لا تنفع وتزيد إرباك أصحابها وتخلق إشكالات جديدة». وشرح خليل أن مجلس القضايا في مجلس الشورى أصدر قراراً بتاريخ 19/11/1992 ويحمل الرقم 4/92-93، وفيه أن «وزير المالية يجب أن يوقّع على كل المراسيم التي يترتب عليها بصورة مباشرة، وحتى بصورة غير مباشرة، نتائج مالية أو أعباءً على الخزينة». ودعا جريصاتي، «المرجع المستشار»، الى أن «يقرأ القرار حتى لا يكرر الخطأ بالخطأ».
تعديل قانون الانتخاب غير وارد
وفيما تتصاعد حدّة الاشتباك حول مرسوم الأقدمية، ويضاف إليه رفض برّي إدخال تعديلات على قانون الانتخاب بعد أن طرح الوزير جبران باسيل في اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة تنفيذ القانون قبل أيام إدخال تعديلات عليه، أتى البند رقم 24 على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء المقرّرة غداً، وفيه يطلب باسيل تعديل قانون الانتخاب لتمديد مهلة تسجيل المغتربين حتى 15 شباط المقبل، ليضيف عاملاً جديداً على خطّ التوّتر، إذ أكّدت مصادر وزارية بارزة في حركة أمل لـ«الأخبار» أن «تعديل أي مادة في قانون الانتخاب أمر غير قابل للنقاش، لأنه سيفتح الباب أمام تعديلات أخرى بما يهدّد بتطيير الانتخابات النيابية». ورغم أن خلافاً كبيراً اندلع حول تمديد مهلة تسجيل المغتربين في اللجنة الوزارية، إلّا أن الحريري عاد وأدرج الأمر على جدول أعمال مجلس الوزراء.
بري: لإلغاء أوسلو وسحب السفارات من واشنطن
الى ذلك، أكّد برّي في كلمة أمام مؤتمر البرلمانات الإسلامية في طهران، أمس، أن «إسرائيل تنوي بناء جدار على الحدود الجنوبية اللبنانية الفلسطينية، في أراض متنازع عليها، وهي ضمن الحدود اللبنانية، يعتبرها لبنان حدوده». وأعلن أن «قوات اليونيفيل أخذت علماً بالبدء بالبناء آخر الشهر الحالي، بالرغم من الرفض اللبناني»، معتبراً أن «كل هذا ضغط مؤكد لتمرير صفقة العصر أو عقاب لعدم تمريرها». وكرّر برّي دعوته التي أطلقها في «مؤتمر دعم الشعب الفلسطيني» (انعقد في طهران في شباط 2017)، إلى الدول الإسلامية لـ«إغلاق سفاراتنا في واشنطن، إذ إن سفاراتنا أساساً لا تفعل شيئاً سوى تلقّي الإملاءات التي تناسب السياسات والمصالح الاميركية». كذلك دعا المجتمعين إلى «وقف كل المفاوضات المتصلة بما يوصف بعملية السلام، وإصدار إعلان واضح بالاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها الأبدية القدس، ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني وإلغاء اتفاق أوسلو...».