أوضح وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل في حديث الى مجلة "الاقتصاد والأعمال"، أن "لبنان سيبدأ جني ثمار دخوله نادي الدول المنتجة للنفط والغاز، بمجرد بدء مرحلة الاستكشاف والتنقيب". وقال: "إن الشركات الفائزة ستضخ رساميل كبيرة في الاقتصاد الوطني خلال هذه المرحلة، ما يسهم في تحريك مختلف القطاعات، فهذه الشركات التي تحتاج الى عدد كبير من المنتجات والخدمات ستقوم بتوقيع عشرات أو مئات العقود من الباطن في مختلف المجالات، ولكن هناك بعض الخدمات والانشطة ستبرز الحاجة اليها أكثر من غيرها والتي لحظتها هيئة ادارة قطاع البترول وتتمثل في الخدمات الفنية والهندسية والاستشارية والمقاولات وتشمل بالإضافة إلى الأعمال في البحر، مرافق البنية الأساسية، مستودعات ومعدات التخزين، أماكن سكن العمال والمستخدمين، وكذلك خدمات الجيولوجيا والجيوفيزياء، الخدمات المالية والمصرفية، الخدمات القانونية والاستشارية، والخدمات الامنية والإدارية، إضافة إلى الخدمات الصحية والبيئية".
وأشار الى أن "توقيع تلك العقود سيتم عبر عروض تنافسية شفافة ومعلنة عند أي عملية شراء لا تتجاوز 50 ألف دولار، وعبر إجراء مناقصات عمومية لكل عملية تفوق قيمتها 50 ألف دولار"، لافتا إلى أن "القانون اللبناني والمراسيم التطبيقية لا تسمح للشركات الفائزة بمنح معاملة تفضيلية للشركات المرتبطة بها أو التي تتعامل معها عادة، بل على العكس فإنه ينص على منح الشركات اللبنانية معاملة تفضيلية بنسبة 5 في المئة على البضائع اللبنانية المراد شراؤها و10 في المئة على الخدمات، إضافة إلى إلزام الشركات بالاستعانة بمستخدمين لبنانيين بنسبة 80 في المئة من مجمل حاجتها، ذلك في حال توفرت المهارات التي تحتاجها في سوق العمل اللبنانية، وكذلك إلزامها بتمويل برامج التدريب للموظفين اللبنانيين، وكل ذلك تحت إشراف هيئة إدارة قطاع البترول".
وردا على سؤال عن إمكانية وجود عقبات قد تؤدي إلى إعادة تأجيل استغلال الثروة النفطية، أكد أبي خليل أن "لبنان ينطلق ولا عودة إلى الوراء او حتى المراوحة، فقد أقر مجلس الوزراء اتفاقيتي الاستكشاف والانتاج في الرقعتين 4 و 9 اللتين تم التوصل إليهما مع كونسورتيوم مكون من ثلاث شركات هي: توتال الفرنسية كشركة مشغلة وإيني الإيطالية ونوفاتك الروسية كشركتين غير مشغلتين، وتم تفويض وزير الطاقة والمياه بتوقيع الاتفاقيتين النهائيتين مع الكونسورتيوم الذي سيتم خلال الشهر الحالي". ولفت الى ان "الالتزام بحرفية نموذج الاتفاقية المنشور بالجريدة الرسمية منذ 21 يناير 2017 من دون أي تغيير جذري، يشكل سابقة في هذا المجال، حيث ان التفاوض في بعض البلدان بين الدولة والشركات استمر لمدة السنة ونصف السنة".
وعن تقييمه لنتيجة دورة التراخيص وعدم حصول مزايدة عمليا بسبب وجود عرض وحيد، قال: "ان وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول وضعتا منذ البداية هدفين رئيسيين لدورة التراخيص الأولى: الأول تحقيق اكتشاف تجاري في المياه البحرية اللبنانية، والثاني الحفاظ على حقوقنا ومواردنا الطبيعية على امتداد مياهنا البحرية. ويمكنني التأكيد ان نجاح لبنان في تلزيم رقعتين لكونسورتيوم يضم ثلاثا من أكبر الشركات العالمية وبشروط جيدة جدا، يعتبر انجازا كبيرا بكل المقاييس وكذلك بالمقارنة مع دورات التراخيص في البلدان المجاورة، وحققنا هذا النجاح رغم الكثير من الظروف الصعبة، تمثلت أساسا في الخلافات السياسية الداخلية في لبنان التي أدت إلى تأجيل متكرر لأكثر من أربع سنوات لإقرار المراسيم اللازمة، ما أضاع وقتا ثمينا وفرصة ذهبية، وتغيرت خلال هذه المدة أوضاع الأسواق فانخفضت أسعار النفط وانخفضت معها ميزانيات الاستكشاف لدى الشركات الكبرى الى أكثر من 50 في المئة. كما تراجعت حماسة وعزيمة بعض الشركات المتأهلة، وقام بعضها بتحويل الميزانيات والموارد البشرية التي كانت مخصصة لدورة التراخيص في لبنان الى بلدان أخرى".
أضاف: "ان وجود عرض وحيد، لا ينتقص مطلقا من النجاح المحقق، فالعرض مقدم من أكبر الشركات العالمية التي تبدي حماسة كبيرة للاستثمار في لبنان، بسبب قناعتها بجدوى هذا الاستثمار لوجود موارد بترولية بكميات تجارية في مياهنا البحرية، وكذلك بسبب قناعتها بالمنظومة التشريعية والتنظيمية التي اعتمدناها، وهذه القناعة موجودة لدى بقية الشركات الكبرى التي تأهلت فعلا لدورة التراخيص الأولى ولكنها لم تقدم عروضها لأسباب تتعلق بظروف السوق وبأولويات الاستثمار لديها كما أشرنا".
وتابع: "إن وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول قامتا بمبادرة تحقق الغاية الجوهرية لعملية المزايدة، أي التأكد من حصول لبنان على أفضل الشروط تمثلت بمقارنة العرض المقدم من الكونسورتيوم مع 100 دولة نفطية أخرى لجهة حصة الدولة الدنيا والقصوى التي تتضمن الإتاوة وحصة الدولة من البترول المنتج والضرائب الخ.. وتبين لنا أن العرض المقدم في لبنان جاء أعلى بنحو ثماني نقاط من المعدل المتوسط للمئة دولة في الرقعة الرقم 4 وجاء عند المعدل بالنسبة الى الرقعة الرقم 9. ويجب الأخذ في الاعتبار هنا ان الاتفاق الذي توصلنا إليه كان جيدا جدا، خصوصا أن دورة التراخيص هي الأولى وليس لدينا أي اكتشاف تجاري حتى الآن خلافا لبعض الدول التي أجرينا مقارنة معها وهي دول منتجة كبيرة ولديها احتياطات ضخمة مثبتة، ما رفع المعدل وجعل المقارنة مع نتائج لبنان مجحفة نوعا ما".
وعن الحجم المتوقع للاحتياطات البترولية، قال وزير الطاقة: "لقد اعتمدنا منذ البداية سياسة شديدة التحفظ سواء في تقدير حجم الموارد البترولية المحتملة أو في الكشف عنها، ولكننا على ثقة بأن عمليات الحفر ستؤكد بالوقائع والأرقام ان لبنان بات دولة نفطية بكل معنى الكلمة، ونستند في ذلك إلى عمل دؤوب من قبل وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول ومنذ تولي الوزير جبران باسيل وزارة الطاقة، لإجراء المسوحات الزلزالية الثلاثية الأبعاد وتحليلها بدقة، والتي تثبت وجود نحو 60 مكمنا مقفلا من أربع جهات، وهذا النوع من المكامن الموزع كافة على البلوكات وعلى أعماق مختلفة، يعول عليه عادة وتكون نسب نجاح الاستكشاف فيها الأعلى نسبيا".
أضاف: "ان الاكتشاف الضخم الذي حققته شركة إيني في حقل "ظهر" المصري أضاء على حقيقة لم تكن معروفة، وهي وجود مكامن للنفط والغاز في الطبقات أو الهيكليات الكلسية، والتي كانت مستبعدة من عمليات الحفر والتنقيب في منطقة شرق المتوسط، باعتبار ان كل الاكتشافات حصلت في الطبقات الرملية، وقد قمنا استنادا إلى ذلك بإضافة بند في الاتفاقيتين المنوي توقعيهما يتعلق بضرورة الحفر في الهيكليات الكلسية إلى جانب الهيكليات الرملية".
وردا على سؤال عن "الكلام الكثير" الذي يثار عن "نوع من التساهل" في الشروط لصالح الشركات، وهو ما شجعها على التقدم بعروضها، قال: "إن السؤال نفسه يحمل إجابته، فالأمر مجرد كلام كثير وهو في جانب أساسي منه للاستهلاك المحلي لأنه يفتقر إلى الدقة بل إلى المعرفة بالصناعة النفطية. ان الاتفاقية التي تم التوصل إليها جاءت بشروط جيدة وعادلة، إذ تضمن الحد الأقصى الممكن من العائدات للدولة اللبنانية من جهة، وتشجع الشركات على الاستثمار من جهة أخرى، وذلك أخذا في الاعتبار أوضاع السوق والأسعار وميزانيات الاستكشاف لدى الشركات وكذلك الفرص المتاحة أمامها في دول كثيرة تمتلك احتياطات مثبتة وقريبة من اسواق الاستهلاك. وللدلالة على أهمية الانجاز الذي حققه لبنان، نشير على سبيل المثال إلى أن الأوضاع المشار إليها أجبرت العدو الاسرائيلي على تمديد موعد إقفال دورة التراخيص لأكثر من مرة، وقد تمت ترسية التلزيم على كونسورتيوم لا يضم أيا من الشركات العالمية الكبرى. ناهيك عن توجه إحدى الشركات الفائزة إلى الأسواق المالية العالمية للاستدانة بغية الشروع بعمليات التطوير".
أضاف: "على أي حال، إن الحصة الكاملة للدولة اللبنانية تعتبر من الافضل بالمقارنة مع دول المنطقة بل مع دول تصنف كدول نفطية، وهذا ليس كلاما بل نتيجة لدراسة مقارنة لهذه الحصة مع 100 بلد كما أشرت سابقا. كما اعتمدنا في مقاربة حصة الدولة على عامل الربحية (R FACTOR) من خلال دراسة تسعة سيناريوهات مختلفة لحجم الاحتياطات في المكامن وللأسعار، فحصة الدولة تتزايد تلقائيا مع ارتفاع كمية الانتاج والأسعار. واستنادا إلى السياسة المتحفظة التي اعتمدناها، حددنا الحد الأقصى لحجم الاحتياطات بعشرة تريليون قدم مكعب، ولكن اذا زادت الكمية، وهذا ما نتوقعه، فعائدات الدولة سترتفع تبعا للكميات المنتجة".
وعن الكلام حول الشفافية والتخوف من حصول توزيع للمغانم بين أصحاب النفوذ أو السياسيين، قال أبي خليل: "إن المنظومة التشريعية والتنظيمية التي وضعها لبنان على امتداد مسار الأنشطة البترولية هي من أفضل المنظومات في العالم، وأنا مسؤول عن كلامي أمام الرأي العام، فهذه المنظومة تمتاز بمعايير عالية من الحوكمة والشفافية وعلى مستويات منفصلة عدة، وكل قرار يتخذ بحسب أهميته على أحد هذه المستويات، وهي: هيئة إدارة قطاع البترول، وزارة الطاقة والمياه، مجلس الوزراء، ومستوى رابع يتعلق بالرقابة والتشريع وهو مجلس النواب، بالإضافة إلى هيئات المجتمع المدني والإعلام. وكافة القوانين والمراسيم التطبيقية ودفتر الشروط ونموذج اتفاقية الاستكشاف والانتاج، معلنة في الجريدة الرسمية ومنشورة على الموقع الإلكتروني لهيئة إدارة قطاع البترول، ويحدثونك عن نقص في الشفافية".
وتابع: "يضاف إلى ذلك، العمل الحالي على إنجاز مرسوم السجل البترولي الذي ستنشر فيه أسماء أصحاب الحقوق البترولية وأسماء المالكين المنتفعين في أي شركة تمتلك حقا بتروليا، سواء كانوا رجال أعمال أو سياسيين، وإذا كان أحد السياسيين مساهما في إحدى الشركات فسيكون ذلك معروفا لكافة اللبنانيين. كما ان لبنان أعلن نيته الانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، وذلك ما نسعى الى تحقيقه قريبا، كما تم التقدم باقتراح قانون من قبل النائب جوزف معلوف يتعلق بتعزيز الشفافية في قطاع البترول".
وعن أسباب تأجيل إنشاء شركة النفط الوطنية، قال: "هناك نقاط أساسية يجب توضيحها في ظل اللغط الكبير الموجود حول هذا الموضوع: أولا، نصت المادة 6 من قانون الموارد البترولية على أن يتم إنشاء الشركة بعد أول اكتشاف تجاري، وقمنا بإعلان استباقي عن هذا الأمر يوم أقفلنا دورة التراخيص الأولى لتوضيح أي غموض وتجنب أي إلتباس. ثانيا، إن تأسيس الشركة خلال هذه المرحلة لم يكن ليؤثر ايجابا على حصة الدولة، بل على العكس كان سيؤدي إلى انخفاضها وإلى جعل الدولة شريكة في المخاطر وسيكبدها مصاريف كبيرة، علما أن وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول ستشاركان في أعمال اللجنة النيابية المشكلة لدراسة اقتراح قانون إنشاء الشركة الوطنية".
وردا على سؤال بشأن مجالات التعاون مع دول المنطقة أي مصر وقبرص، قال: "هناك مجالات واسعة للتعاون مع مصر وقبرص، وقد التقيت بوزير البترول المصري طارق الملا أكثر من مرة وأيضا بوزير الطاقة القبرصي جورج لاكوتريبيس ونحن سنبقى على تواصل خلال مرحلة الاستكشاف من أجل تبادل المعلومات والخبرات خصوصا في ما يخص الحفر في الطبقات الكلسية في حقل "ظهر". كما يمكننا البدء بالتحضير لتطوير التعاون، فمصر مثلا لديها منشآت لتسييل الغاز يمكن أن نستخدمها في مراحل لاحقة، كما ان لبنان يرتبط بخط الغاز العربي الذي يمر عبر سورية والأردن وصولا إلى مصر يمكن أن نستخدمه، ونحن نشجع القطاع الخاص اللبناني على التعاون مع الشركات المصرية والقبرصية".