الفيديو قصير جدا، لا يتجاوز الدقيقة. اشعة الشمس تخترق غيمة في البعيد في شكل مؤثر، واشخاص بملامح آسيوية يرفعون قبالتها ايديهم عاليا، منشدين في قارب، فرحين بـ"ظهور المسيح في سماء نهر الاردن"، على ما كُتِب في التعريف. ولتأكيد الصدقية، أُرفِق بالدليل: صورة ثابتة لما يُفتَرض ان يكون الغيمة نفسها التي ظهرت في الفيديو وانبهر امامها هؤلاء المؤمنون، ووجه المسيح ظاهر فيها بوضوح.
خلال ساعات قليلة فقط، اصبح الفيديو حديث الناس، بحيث تمت مشاركته ومشاهدته آلاف المرات، وحاز مئات "المجد لك يا رب"، و"ارحمنا يا يسوع"، و"ليتمجد اسم الرب"... وغيرها من التسابيح التي كتبها عشرات تلقائيا لدى مشاهدة الفيديو، تماشيا مع "حدث الظهور" المزعوم. الـ"سكوب" الديني تحقق في اقل من دقيقة، غير ان مشاهدة كنسية هادئة له تشكك في ما يزعمه الفيديو، وتحذّر من تلاعب.
الاب بدر: نتأنى كثيرا
رأي مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام في الاردن الاب رفعت بدر صريح. "من التسرع القول بانه ظهور، لانه لم يُسجَّل مرة واحدة في التاريخ ظهور جماعي، بينما حصلت ظهورات للمسيح والعذراء مريم على اشخاص محدّدين"، على قوله لـ"النهار". بالنسبة اليه، "لا نستطيع وضع هذا الفيديو ضمن الظهورات، لانه من السابق لاوانه الحكم عليه، خصوصا ان الكنيسة الكاثوليكية تتأنى كثيرا في الحكم على اي ظواهر او معجزات مزعومة، نظرا الى كثرتها في زمننا المعاصر، والى امكان التلاعب المرئي والصوتي. لذلك الحذر شديد في التعامل مع هذه الامور، ويتم درسها بتأن كبير".
بدر شاهد الفيديو، و"انتقدته بطريقة او باخرى"، على قوله، لا سيما على صفحته في "الفايسبوك". "الفيديو تم تناقله في شكل سريع جدا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وهناك امكان ان يكون حصل تلاعب فيه بواسطة الفوتوشوب". امر آخر يلفته: هناك علم اسرائيلي ظاهر في الفيديو. "انه لاثارة المشاعر، ويبيّن هوية الجهة التي صدّرت الفيديو. ونحن تلقفناه بكل حماسة، للاسف. ولكن يجب التأني في الامر".
في محاولة لتبيان اهداف تسويق الفيديو في هذا الشكل، ليس مستبعدا ان "تكون غايته تشجيع السياحة في اسرائيل"، على قوله. ويتدارك: "هذا التشجيع لا يجوز ان يتم باستخدام هذه الطريقة، بل عبر تسويق سياحي اعلامي عالمي". مسألة جوهرية يضيفها. هذا الظهور المزعوم "شعبوي. والكل يشاهد، حتى على الانترنت. واعتقد ان هذه الظاهرة ستزول بسرعة البرق. اما الظهور الروحي المنفرد، فيهدف الى ايصال رسالة الهية، وغالبا ما تكون دعوة الى التوبة والصلاة".
الاب هلسا: فبركة وتلاعب
تحذير آخر يطلقه كاهن رعية الكرك (جنوب الاردن) للروم الارثوذكس الاب فادي هَلَسا على صفحته على "الفايسبوك"، بعد تلقيه بضع مئات من الرسائل في الساعات الاخيرة، لاستيضاحه الامر. "كتبت ردا شخصيا مدعَّما بالكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد"، على قوله لـ"النهار". "رأيي ان الفيديو مفبرك وغير صحيح لسبب بسيط جدا هو ان لا هدف لظهور مماثل. عندما كان المسيح على الارض، كان لوجوده هدف، حيثما كان. في يوم التجلي، على سبيل المثال، احبّ ان يثبت لتلاميذه الوهيته. وإقامته لعازر الميت من الموت هدفها ان يثبت للتلاميذ، قبل صلبه، انه إله الاحياء والاموات. مجمل رسالته على الارض هي محبة الله للبشرية ورغبته في خلاصها".
ما يزعمه الفيديو من "ظهور للمسيح" يدفع هلسا الى طرح العديد من التساؤلات: "هل هذا الظهور لتأكيد ايماننا؟ نحن متأكدون من ايماننا. هل يذكّرنا بعقيدة الثالثوث الاقدس؟ نحن حفظناها ونفهمها ونؤمن بها. هل يريد ان يثبت ان منطقة المغطس، في اتجاه فلسطين والاردن، مقدسة؟ نعم، انها مقدسة، ونؤمن بذلك. لو كان هذا الظهور حقيقيا، فما رسالة ربنا لنا؟"
اسئلة يثيرها، يفكر فيها، ويجيب عنها في الوقت نفسه، ليخلص "بالاستناد الى الكتاب المقدس"، الى ان "لا هدف لهذا الظهور المزعوم". ويتوقف عند الصورة الدليل المرفقة بالفيديو، والتي ظهر فيها وجه المسيح، ملاحظا فيها "آثار تلاعب بالفوتوشوب. وجه المسيح مركّب تركيبا (في الغيمة). وبالتالي الفيديو كاذب وشيطاني".
بالنسبة اليه، الهدف وراء تسويق الفيديو هو "وجود حرب شرسة على الكنيسة حاليا. والغاية تشكيك الناس، كي يتعرض الكهنة الذين يشككون في الفيديو لانتقادات، بما يؤدي الى انقسام". وماذا يعني ظهور العلم الاسرائيلي في الفيديو؟ يجيب: "افسر ذلك بان الفيديو اساسه اسرائيلي، وانه صادر من اسرائيل".
دعوة يوجهها الى المؤمنين لـ"تحكيم العقول قليلا". ويحذر من مغبة استغلالهم. "من يعتقد ان الناس اغبياء وجهال هو نفسه غبي وجاهل".