من قال إن على الأم التي حَمِلت جنينها تسعة أشهر عليها أن تسهر وحدها الليالي على مولودها عندما تضعه، ومن قال إن الأب الذي لم تمنحه الطبيعة كل القدرات على تأمين حاجات الطفل لا يحق له أن يتقاسم اللحظات العاطفية الاولى مع مولوده وزوجته ويشاركها مسؤولية الاعتناء بالضيف الجديد. بناء عليه، وكما للأم إجازة أمومة، سيصبح للأب في لبنان إجازة هو أيضا. 3 أيام مدفوعة الراتب تسللت الى مشروع قانون أحاله رئيس الجمهورية ميشال عون على مجلس النواب بعد موافقة مجلس الوزراء عليه.
إجازة الأبوة أو تلك العائلية استحقاق يُعطى للموظفين في أغلب البلدان، وإقرارها في لبنان يعتبر "خطوة مهمة نحو الأمام في حين لم يكن الرجل يحصل في الماضي على أي إجازة" برأي وزير العمل محمد كبارة الذي توقّع في حديث لـ"النهار" أن يسلك مشروع القانون طريقه سريعاً في مجلس النواب. لكن ما هو رأي علماء النفس والجمعيات النسائية بالقانون، وهل مدّة 3 أيام كافية باعتبار الأب شريكاً فعلياً في المسؤولية تجاه الزوجة والطفل؟
الأب الحاضن والحاضر... أين هو في مجتمعنا؟
بعض الجمعيات النسائية يرى أن فترة الاجازة التي لحظها القانون غير كافية إذ إنها لا تحقق المساواة في الواجبات بين الزوجين في الفترة التي تلي الوضع، وفي هذا السياق تقترح ليلى عواضة في منظمة كفى تحديد الدور المطلوب من الرجل أولاً، قائلة لـ"النهار"، "إذا أردنا منه أن يكون شريكاً فعلياً للمرأة فمدة إجازته يجب ألا تقل عن إجازة الأمومة بكثير وبالتالي 3 أيام لا تفي بالغرض". المشرعون في لبنان برأي عواضة "يهتمون بالعناوين البراقة لتلميع الصورة، ومدة الاجازة التي اقترحوها تدل على أنهم غير مقتنعين.
لعلم النفس رأيه أيضاً، وتعليقاً على قول ان 3 أيام فترة غير كافية، تقول الدكتورة ناهد المصدري لـ"النهار"، "بالنسبة لبلد مثل لبنان، بوضعه الاقتصادي والاجتماعي، تعتبر إنطلاقة جيدة ولا بأس بها". المصري ترى من غير الجائز مقارنة إجازة الأبوة في لبنان كما في بلدان أخرى، لأن لكل بلد ظروفه، فهناك بلدان تعطي إجازة أبوة بالأشهر وذلك لتحفيز الانجاب لكون النسبة لديهم متدنية، انما في بلدنا هذا غير ممكن.
"أهمية تواجد الرجل الى جانب زوجته وطفله لا يقاس بعدد الأيام بل بنوعية الدور الذي يلعبه"، بحسب المصري التي تؤكد أن "الرجل في مجتمعنا لا يستطيع الاضطلاع بهذا الدور لأكثر من 3 أيام الا في حال كان عاطفياً جداً لكونه رجلاً شرقياً وغير مجهز ثقافياً ونفسياً لمثل هذه الأمور فيتحول تالياً إلى عبء على المرأة".
خطوات عربية خجولة
أدت أبحاث علمية عدة إلى تأكيد أهمية وجود الأب إلى جانب الأم خلال فترة الحضانة الأولى، لكون ذلك يعزز الروابط الأسرية ويساهم في إدماجه في العملية التربوية، فيدخله إلى عالم الطفل ويقربه من زوجته. هكذا تشعر الأم أن لها سنداً وشريكاً.
أولى الدول المتلقفة لهذه الأهمية كانت الدول الاسكندينافية تبعتها باقي الدول الأوروبية، فالبرلمان الإسباني صوّت لمصلحة تمديد إجازة الأبوة المدفوعة من 13 يوماً إلى 16 أسبوعاً لتكون مماثلة لتلك التي تحصل عليها النساء، في الدانمارك يُعطى الوالدان إجازة أمومة وأبوة لمدة عامٍ كامل، في السويد يُمنح الأب والأم إجازة 480 يوماً، في نروج يتقاسم الزوجان 46 أسبوعاً مدفوعاً.
وكالعادة، المشاركة العربية تأتي دائما متأخرة وخجولة، ففي حين ما زالت معظم الدول العربية تدرس موضوع منح إجازة أبوة مدفوعة الأجر أو تتجاهل الموضوع، سمحت الإمارات بمنح الأب إجازة مدفوعة الراتب لمدة 3 أيام خلال الشهر الأول من ولادة الطفل، شرط أن تتم الولادة داخل الدولة، لحقتها الأردن، فمُنح موظفو القطاع العام 3 أيام أيضاً. في الجزائر والمغرب يحصل الأب على ثلاث أيّام عطلة، أما تونس فتعطي يوم عطلة لموظفي القطاع الخاص، ويومين لموظفي القطاع العام. وتبقى أطول إجازات الأبوة، من نصيب جزر القمر بعشرة أيام مدفوعة الأجر.
وفي الوقت الذي يحاول فيه لبنان المشاركة في هذه اللفتة الانسانية، فبعض اللبنانيين لم يسمعوا بإجازة الأبوة أصلاً ومن سمعوا بها تفاوتت آراؤهم حيالها. ابرهيم، أب لطفل يقول لـ"النهار": "لا شك في أن القانون خطوة الى الأمام في مجتمعنا لكن المدة يجب أن تكون 15 يوماً كحد أدنى"، رامي يشير الى "ضرورة أن يحصل الأب على إجازة تساوي نصف إجازة الأم". أما حياة، وهي أم لثلاثة أطفال، لا تعتبر أن ما قامت به الحكومة انجازاً، لكون 3 أيام "لن تفي بالغرض".
في أي حالة طبيعية يعتبر مشروع القانون هذا ناقصاً، أما في مجتمع ذكوري كمجتمعنا يعد خطوة متقدمة حتى ولو كانت خجولة ومنقوصة على أمل الانطلاق لما هو أفضل، وإن كنا ما زلنا نسمع أصداء من بعض النساء والرجال، الذين يعتبرون المرأة الراعي الأوحد للطفل، وأن الرجل وبخاصة الشرقي يصبح عبئاً في البيت لكونه غير مؤهل للعب دور فاعل في مساندتها بل إن وجوده في المنزل يعرقل المرأة، فتصبح مضطرة للاهتمام بالطفل والزوج معاً. ألم يحن الوقت بعد لكسر هذه الصورة النمطية والتطلع إلى حاجات الطفل النفسية كأولوية لا يمكن تجزئتها؟ والى حضور حقيقي للرجل في تقاسم الادوار مع المرأة لتخفيف العبء عن كاهلها؟