النظام الحاكم في إيران والذي يمسك مفاصل السلطة من خلال أجهزته ومؤسساته إضافة إلى أدواته المسلحة وميليشياته المنتشرة في العديد من الدول العربية والتي تمارس نشاطاتها العسكرية داخل البلدان العاملة فيها بأوامر مباشرة من طهران. هذا النظام يبدو وكأنه يقف بمواجهة المجتمع الدولي برمته وحتى بمواجهة شرائح واسعة من الشعب الإيراني والسبب في الغالب الأعم ربما يعود لإصرار النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تقديم نفسه بخطاب سياسي يحمل في مضمونه منطقين متناقضين، منطق الدولة ومنطق الثورة.
فهو يوحي للعالم أنه يبني دولة حضارية وقائمة على أسس حديثة وعصرية لتواكب التطورات العلمية والتقنية والتكنولوجية لكنه في الواقع يسعى لبناء دولة بمنطق الثورة التي يعمل على تصديرها إلى أي بقعة في العالم تطالها اذرعته المتشعبة وخصوصا في دول الجوار وفي المحيط العربي.
فعلى ما يقارب الأربعة عقود أي منذ إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية أواخر سبعينات القرن الماضي وإعلان الجمهورية الإسلامية بعد تقويض ركائز النظام الشاهنشاهي ورحيل آخر ملوك أسرة آل بهلوي وإيران تعمل على تصدير ثورتها التي قادها الإمام الخميني ( قدس ) إلى محيطها الجغرافي. ومن ثم استخدمت كافة الوسائل ومختلف الأساليب لتعميمها في معظم الدول العربية من خلال إنشاء خلايا وميليشيات وتنظيمات وأحزاب مسلحة في تلك الدول لتحريكها وفقا لمشروعها التوسعي وتبعا لمصالحها. وبالتالي فإنها وفي علاقاتها الدولية رفعت شعار الثورة في سياق خطاب سياسي مع الحفاظ على الجانب المتعلق بتحقيق المنافع والمكاسب الخاصة بها.
إقرا أيضا: حل الأزمة بين الرئاستين مؤجل
وفي المشهد الإيراني يبدو واضحا عجز القادة الإيرانيين في التمييز بين منطقي الثورة والدولة للانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة التي تستطيع أن تفرض سيطرتها على المؤسسات والأجهزة والإدارات الشرعية العاملة. وكذلك فإن المؤسسة الدينية الحاكمة بقيت قاصرة حتى اليوم عن وضع أسس مشروع وطني يجمع كافة المواطنين على اختلاف انتماءاتهم السياسية وتلاوينهم الطائفية والدينية وأصولهم العرقية والقومية لترسيخ الهوية الوطنية وتعميق الإنتماء للوطن.
والأحداث الأخيرة من إحتجاجات وإعتصامات ومظاهرات عمت معظم المدن الإيرانية وخصوصا الكبرى منها إضافة إلى العاصمة كشفت عن أن الشعب الإيراني بغالبيته وخصوصا الأجيال الجديدة التي ولدت قبل الثورة أو التي تزامنت ولادتها معها أو حتى التي ولدت بعدها بعقد أو عقدين وحشد كبير من المثقفين وعناصر النخبة في المجتمع كلها تسعى إلى التغيير.
إقرا أيضا: ما هكذا يعامل فقراء إيران!
وإذا كان ظاهر هذه الأحداث يرتكز على المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وتوفير الحدود الدنيا من الحياة الحرة الكريمة إلا أنه في الباطن يختزن صرخة مكبوتة لإجراء محاكمة تاريخية للقيادات الدينية التي اختزلت الثورة في مؤسستها وصادرت أموال الشعب وثروة البلاد واستولت عليها ووظفتها لخدمة شعارات واهية وفارغة من أي مضمون جرت الويلات على المنطقة برمتها. وكانت سببا في توتير علاقات إيران مع الكثير من دول العالم خاصة تلك التي تشترك معها في التاريخ والجغرافيا.
وأيا تكن النتائج التي قد تؤول إليها الأحداث الأخيرة وبغض النظر عن المحاولات الحثيثة لتحويل الأنظار عن التصعيد في الجبهة الداخلية الإيرانية بذريعة التدخل الخارجي فإن إيران اليوم تحصد ما زرعته من فوضى في الدول العربية وتجني سلبيات تدخلها في شؤونها الداخلية سياسيا وعسكريا وأمنيا.
وهذه بعض من شرارات النار التي أشعلتها في المنطقة ترتد إليها.