تسعى إيران إلى بعث تنظيم القاعدة من رحم تنظيم داعش، الذي أوشك على التحلل تحت ضربات التحالف الدولي والقوات العسكرية والأمنية في سوريا والعراق، عبر تنسيق بين طهران وقادة عسكريين من القاعدة سافروا إلى دمشق من أجل تجميع صفوف مقاتلي داعش، وتأسيس تنظيم “قاعدة جديد” يشبه في ثقافته فيلق القدس وحزب الله.
وأشار الكاتبان أدريان ليفي وكاثي سكوت-كلارك، في تقرير نشرته صحيفة الصانداي تايمز، الأحد، إلى مبادرة تقوم بها الأجهزة الإيرانية لإعادة تأهيل تنظيم القاعدة وإرساله إلى سوريا.
وتخشى قيادة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش من أن تستغل إيران الهزائم التي مني بها تنظيم أبوبكر البغدادي في العراق وسوريا لتعيد إحياء تنظيم القاعدة، عبر استغلال الروابط “التاريخية” التي تربط القاعدة مع طهران منذ هزيمة التنظيم في أفغانستان.
وتحت عنوان “طهران في حلف مع الشيطان لإعادة بناء القاعدة”، يقول الكاتبان في الصانداي تايمز إن السخاء الإيراني لعب دورا كبيرا في إعادة إحياء التنظيم.
وتقول المعلومات، وفق أرقام المباحث الفيدرالية الأميركية “أف بي آي”، إن قوام تنظيم القاعدة لم يكن يتعدى 400 رجل فقط وقت تنفيذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وأنه تشتت أثناء حرب أفغانستان ليتلاشى بعد ذلك. وكشفت الصحيفة البريطانية أن التنظيم أعاد بناء نفسه إلى درجة أنه بات قادرا على استقطاب عشرات الآلاف من المقاتلين الجدد.
وتتداول التقارير الأمنية الغربية معلومات مثيرة حول طبيعة المهمات الموكولة من قبل الأجهزة الإيرانية للتنظيم، لا سيما في سوريا، إلى جانب سعي طهران لتوفير مستلزمات اجتذاب القاعدة لفلول داعش بغية تشكيل أداة جهادية بديلة تخضع للأجندة الإيرانية في السنوات المقبلة.
ولعب قائد فيلق القدس قاسم سليماني الدور الأبرز لإدارة العلاقة مع القاعدة. وكشف التقرير أن سليماني وفّر ملاذا لعائلة أسامة بن لادن وقادة القاعدة للتنظيم بعد فرارهم من أفغانستان عام 2001، وأنه بنى لهم مجمعا سكنيا خاصا في قلب معسكر تدريب تابع للحرس الثوري في طهران.
ومكنت تسهيلات سليماني القاعدة من إعادة تنظيم نفسه والقيام بتدريبات وإنشاء شبكات للتمويل بمساعدة إيران، كما مكنت التنظيم من تنسيق سلسلة من الهجمات الإرهابية بواسطة فرعه في العراق ضد الشيعة، وهو فرع التنظيم الذي شكل نواة لتأسيس داعش لاحقا.
ويؤكد متخصصون في شؤون الجماعات الجهادية أن أمر العلاقة بين إيران والجماعات الجهادية السنية والشيعية ليس بجديد، وهو من أبجديات العقيدة التي تتأسس عليها الديناميات الحقيقية لنظام الولي الفقيه.
ويضيف هؤلاء أن علاقة طهران السياسية والعسكرية مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي كما مع جماعة الإخوان المسلمين، ليست موسمية كما يتخيل البعض، بل إن اللب الداخلي للخمينية التي ما زالت تتمدد كمفهوم للسياسة والحكم في إيران متأثر بالمدرسة القطبية (نسبة لسيد قطب) داخل الإخوان، والتي أسست للمفهوم الجهادي الذي أقام تنظيمات شيعية موالية لطهران مثل حزب الله في لبنان وبقية الميليشيات في العراق وسوريا وأفغانستان واليمن. وأكدوا أن ديمومة العلاقة مع تنظيم القاعدة هي أصل من أصول البقاء في طهران على الرغم من بروز خطاب تضليلي مضاد.
وكشفت الصانداي تايمز أن التعاون حاليا بين إيران والقاعدة يحصل خصوصا في سوريا لرفد استراتيجية إيران في ذلك البلد، وأن قاسم سليماني يستخدم القاعدة في مناوراته للعب على جميع أطراف الصراع الجاري هناك، مما يتيح لإيران البقاء في الصدارة.
ويعمل سليماني اليوم على إعادة صياغة أساليب القاعدة وتقليص الثقافة البربرية في طرق عملها سعيا لإنتاج “قاعدة جديدة” تشبه في عقليتها أساليب عمل فيلق القدس في إيران، وحزب الله الشيعي المدعوم إيرانيا في لبنان، كنموذجين يعكسان كيف ستكون القاعدة في المستقبل وفقا للمفهوم الإيراني.
ومن بين الأدلة على ذلك مذكرات غير منشورة ومقابلات مع أعضاء كبار في القاعدة وعائلة بن لادن، تظهر كيف تدبر سليماني أمر العلاقة مع التنظيم الجهادي السني الذي تصفه الأوساط الإيرانية الرسمية بأنه إرهابي تكفيري.
وتقول المصادر إن قادة القاعدة العسكريين أقاموا في طهران حتى عام 2015، عندما أرسل سليماني خمسة منهم إلى دمشق محملين بمهمة الاتصال بمقاتلين وقادة من داعش، من أجل تشجيعهم على الانشقاق.
وتصف تقارير استخباراتية أميركية محمد المصري كواحد من قادة القاعدة المرتبطين بطهران، والذين ينشطون في سوريا لتوحيد التنظيم مع فلول داعش. وقالت التقارير إن المصري هو “المخطط العملياتي الأكثر خبرة وقدرة من بين غير المعتقلين في الولايات المتحدة أو في أي دولة حليفة”.
وتضيف المعلومات أن التنسيق بين قادة القاعدة وداعش يتم من خلال القائد العسكري لداعش سيف العدل، وهو عقيد سابق في الجيش المصري دخل في خلاف كبير مع زعيم التنظيم أيمن الظواهري.
وكان الظواهري يريد توحيد القاعدة وداعش في القتال ضد النظام السوري، لكن سيف العدل أصدر أوامر لمقاتليه بالانتظار “إلى حين أن يفجر داعش نفسه”.