طغت العاصفة الأمنية في صيدا أمس على عاصفة الطقس التي أغرقت طرقاتها مجدداً. قبيل الظهر، دوى انفجار في مرأب مبنى سكني في منطقة البستان الكبير عند مدخل المدينة الشمالي. الانفجار استهدف سيارة من نوع «بي أم» يملكها الفلسطيني محمد عمر حمدان (34 عاماً) الذي يقيم في المبنى ذاته. وفق مصدر أمني، فإن الانفجار «نجم عن عبوة ناسفة ألصقت تحت مقعد السائق، فجّرت عن بُعد، إثر قيام حمدان بفتح باب السيارة وإدارة محركها من دون أن يجلس فيها».

أصيب الأخير بجروح طفيفة في قدمه، الأمر الذي رده الخبراء الى أنه «فتح الباب ولم يصعد الى السيارة، بل تحرك خطوات نحو صندوقها. لكن يبدو أن من كان يراقبه فجّر العبوة بعدما فتح الباب». وفيما نقل حمدان إلى المستشفى للعلاج، طوق الجيش موقع التفجير، وكشف الخبير العسكري على السيارة، وتبين له بحسب بيان قيادة الجيش أن العبوة الناسفة زنتها 500 غرام بداخلها كمية من الكرات الحديدية. ويُجري الجيش تدقيقاً في الشائعات التي تحدّثت عن وجود طائرة إسرائيلية من دون طيار في أجواء مدينة صيدا وقت وقوع التفجير. كذلك يتركّز التحقيق لمعرفة مسار السيارة التي لم يكن حمدان يستخدمها بصورة يومية، بل كان يتحرّك في سيارات مستأجرة، باستثناء يوم الأحد. وحصلت استخبارات الجيش على أشرطة تسجيل كاميرات المراقبة في محيط ساحة الجريمة، سعياً إلى تحديد أشخاص متورطين في مراقبة حمدان وزرع العبوة الناسفة أسفل سيارته.


المعلومات الأولى التي انتشرت إثر الحادث، عرّفت عن حمدان، أستاذ الكيمياء في مدارس الإيمان الإسلامية، بأنه «أبو حمزة» مرافق القيادي في حركة حماس أسامة حمدان. التعريفات، التي تضاربت لاحقاً، أجمعت على أنه «كادر تنظيمي في حماس»، لكنها اختلفت حول الوحدة التي يعمل فيها. بشكل سريع، حسم الجيش هوية المستهدف، مشيراً صراحة إلى لقبه «أبو حمزة»، الذي هو كنيته الداخلية ضمن الحركة. في الوقت ذاته، تناوب مسؤولون في الحركة على نفي وجود كادر بهذا اللقب بينهم. بين التأكيد والنفي، تسربت شائعات عدة تحدثت عن أدوار سرية يقوم بها ضمن المقاومة بين الساحة اللبنانية وخارجها. في وقت لاحق، أكدت حماس في بيان رسمي انتماء حمدان لها واتهمت العدو الإسرائيلي بمحاولة اغتياله. ممثلها في لبنان، علي بركة، قال إن إسرائيل «تريد نقل المعركة من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى لبنان»، معتبراً أن التفجير «استهداف لسيادة لبنان وللوجود الفلسطيني فيه».
المواقف اللبنانية والفلسطينية أجمعت على اتهام العدو الإسرائيلي بالتفجير، مستذكرة استهداف القياديين في حركة الجهاد الإسلامي الأخوين نضال ومحمد المجذوب بالطريقة ذاتها في أيار 2006 على مقربة من موقع تفجير أمس. التوقيت «السياسي» لتفجير يوم أمس لافت للغاية. استهداف العدو لكوادر المقاومة في لبنان وفلسطين ليس جديداً. ثمة برنامج عمل لا يتوقف في هذا المجال. لكن يصعب فصل التوقيت، في حال ثبوت ضلوع العدو مباشرة في الجريمة، عن عودة المياه إلى مجاريها بين حماس وباقي مكوّنات محور المقاومة في المنطقة، وسعي إسرائيل إلى «تقطيع الصلات» العسكرية والتقنية والأمنية بين أركان المحور.
حكومة العدو سارعت إلى نفي ضلوعها في التفجير. وزير الاستخبارات يسرائيل كاتس قال، متبجّحاً، إنه مقتنع بأنه «لو كانت اسرائيل متورطة في القضية لما خرج المستهدف منها بجروح طفيفة». كلام لا يقدّم ولا يؤخر، وخاصة أن في سجل استخبارات العدو عشرات محاولات الاغتيال الفاشلة لمقاومين، في لبنان وفلسطين وغيرها من الدول، بصرف النظر عن طريقة الاستهداف، سواء عبر تفجير عبوة او إطلاق النار أو التسميم أو إطلاق الصواريخ من الطائرات.


داخلياً، أجمعت ردود الفعل على إدانة الجريمة. النائبة بهية الحريري رأت أن التفجير «يهدف إلى النيل مما حققته المدينة ومنطقتها ومخيماتها باتجاه تثبيت الاستقرار فيها، ما يتطلب منا جميعاً أعلى درجات الوحدة والتضامن». أما رئيس ​الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة​ ​الشيخ ماهر حمود،​ فأشار الى أن ​إسرائيل​ هي المتهم الأول في محاولة الاغتيال التي حصلت في صيدا، هذا مع العلم بأنها ليست المرة الأولى التي تهتز فيها عاصمة الجنوب على وقع استهداف قيادي فلسطيني. قبل عامين، سقط مسؤول أمن حركة فتح في صيدا فتحي زيدان جراء عبوة ناسفة فجرت بسيارته عن بعد، عند دوار الأميركان قبالة ثكنة الجيش. التحقيقات التي تولتها الأجهزة الأمنية اللبنانية والفلسطينية لم تكشف عن الطرف الذي استهدفه. وقبل عام تماماً، تعرض المسؤول الأمني في سفارة فلسطين في بيروت إسماعيل شروف لإطلاق نار داخل مبنى سكني بالقرب من سرايا صيدا، ليتبين لاحقاً أن الدوافع شخصية. أما في حالة حمدان، ورغم أن الأجهزة الأمنية تدقق في احتمال وجود دوافع شخصية خلف العملية، فإن جميع المعنيين يرجّحون أن العدو الإسرائيلي هو المشتبه فيه الأول، لأسباب شتى، أبرزها هوية المستهدف، وطريقة التنفيذ.