ينطلق الاسبوع الحالي برتابة سياسية لم يكسرها أي تطور بعد على مستوى معالجة أزمة «مرسوم الاقدميات»، التي بَدا أنها مستمرة نتيجة تمسّك جميع أطرافها بمواقفهم. ويأتي سفر رئيس مجلس النواب نبيه بري الى طهران اليوم، والذي سبقته عودة رئيس الحكومة سعد الحريري ليلاً من زيارته الخاصة لباريس، ليؤشّر الى أن لا شيء ايجابياً متوقعاً هذا الاسبوع، أللهم الّا اذا انطوَت مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال استقباله السنوي لأعضاء السلكين الديبلوماسي والقنصلي غداً وبعد غد، على ما يَشي بإيجابيات ما في هذا الاتجاه. لكن كل المعطيات الماثلة، وربما المنتظرة، لا تشير الى انّ الازمة دخلت أفق المعالجة الجدّية، بل انّ البعض يتخوّف من أن تتناسل أزمات اضافية، خصوصاً انّ بعض الافرقاء يتعاطونها من زاوية الإستفادة الانتخابية على أبواب موسم الإنتخابات النيابية.

هذا المشهد اللبناني ولّد استياء ديبلوماسياً من الازمة السائدة بين الرؤساء الثلاثة، وامتعاضاً من طريقة مقاربتهم الملفات الخلافية. وفي هذا الاطار اكد مصدر مطّلع على الاجواء الديبلوماسية لـ«الجمهورية» انّ سفراء الدول الغربية توقفوا في كل تقاريرهم عند تدنّي مستوى الحياة السياسية في لبنان، ومحاولة هذا الفريق او ذاك من الافرقاء السياسيين خلق أزمة من أي موضوع يُطرح».

واضاف المصدر: «حتى انّ بعض سفراء الدول الكبرى، طلبوا من دولهم، أنه مثلما تربط مساعداتها للبنان بإجراء الإنتخابات النيابية، عليها ان تربط دعمها للبنان بوجوب ان يتعاطى السياسيون فيه بجدية مع شؤون الدولة». ولفت الى «انّ السفراء الذين جالوا على الرؤساء الثلاثة الاسبوع الماضي للإطلاع منهم على آخر الاجواء والتطورات، خرجوا من لقاءاتهم في ضياع إضافي».

وقال مرجع سياسي لـ«الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية «ليس في وارد المساومة على الدستور ولا في وارد ان يصنع مثالثة، لأنه اساساً عندما كان يطالب بتصويب «اتفاق الطائف» كانت القيامة تقوم عليه.

امّا اليوم فهم يعدّلون هذا الإتفاق من دون إعلان، ويخلقون سابقة تَمسّ بجوهر الميثاقية الدستورية. لذلك، فإنّ رئيس الجمهورية ليس سلبياً تجاه الاتصالات، لكنه لن يتنازل عن أمر لا يعود له وإنما لطبيعة الحياة الدستورية والميثاقية في البلاد».

في غضون ذلك، لم يسجل أي جديد على مستوى أزمة «مرسوم الأقدمية» ومرسوم الترقيات، كذلك فإنّ الإتصال المنتظر بين عون والحريري لم يتمّ بعد، منذ ان تسلّم رئيس الحكومة مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري من النائب وليد جنبلاط عبر موفده النائب وائل ابو فاعور.

لكنّ مصادر «بيت الوسط» قالت لـ»الجمهورية» انّ عودة الحريري الى بيروت امس «ستساهم في نقل هذه المبادرة الى قصر بعبدا في وقت قريب بهدف مزيد من المشاورات التي يقودها الحريري منذ مدة، ما لم تكن المواقف المتصلّبة قد وَأدتها منذ اللحظة الأولى لإطلاقها».

وفيما لم يحدد بعد موعد زيارة الحريري لبعبدا، لفتت المصادر نفسها الى انّ لقاء بين عون والحريري قد يعقد في اليومين المقبلين في حال طرأ ما يشجّع على نقل مبادرة بري الى رئيس الجمهورية، وإلا سيؤجّل الى الخلوة الثنائية بين الحريري وعون قبَيل جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل في قصر بعبدا.

إطلالتان لعون والحريري

ويلتقي عون قبل ظهر غد أعضاء السلك الديبلوماسي المعتمدين في لبنان في اللقاء السنوي التقليدي لتبادل التهاني بالسنة الجديدة، والذي يتميّز بتبادل الكلمات بين عميد السلك الديبلوماسي ورئيس الجمهورية.

وعلمت «الجمهورية» انّ خطاب عون أمام السلك الديبلوماسي سيكون بمثابة «إطلالة شاملة» يُلقي عبرها الضوء على الملفات الداخلية والإقليمية والدولية وموقف لبنان منها. وسيتناول الخطاب في عناوينه الاساسية مختلف القضايا اللبنانية الداخلية الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، وسيؤكد تصميم لبنان على المضي في استعدادته للانتخابات النيابية المقررة في 6 أيار المقبل، ولن يكون هناك من يعطّلها.

والى الملفات الداخلية سيخصّص عون جزءاً من خطابه للتشديد على دور لبنان في مواجهة الإرهاب، معتبراً انها «حرب مستمرة لم تنته بالقضاء على الارهابيين في جرود القاع ورأس بعلبك، وأنّ لبنان مصمّم على مواجهتهم في الداخل لمنعهم من إعادة تكوين شبكاتهم».

كذلك سيتحدث عون عن قضية القدس في ضوء ترددات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتداعياته على مسيرة السلام في المنطقة. وسيجدد دعوته الى مقاربة سياسية للقضايا المشتعلة على الساحات العربية وتعزيز دور جامعة الدول العربية في إطار التعاون المطلوب بين الدول العربية لحماية مصالحها القومية الكبرى.

من جهته، يطلّ الحريري قبل ظهر اليوم بكلمة على الملفات الإقتصادية والإجتماعية يلقيها في الإحتفال الذي دعت اليه غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان في مقرّها، تكريماً لرئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي السابق روجيه نسناس.

الإنتخابات

وعلى صعيد الانتخابات النيابية تتواصل التحضيرات السياسية والادارية والميدانية. وفي هذا الصدد قال مصدر سياسي مطّلع لـ»الجمهورية» انّ الانتخابات النيابية ستجري في موعدها ولن يمنع حصولها سوى حالتين: الاولى أن تحصل تطورات قاهرة خارجة عن ارادة الدولة اللبنانية.

والثانية إفتعال خلاف تقني حول قانون الانتخابات من باب الاصلاحات لتأجيلها مدة لا تتعدى ستة اشهر، من اجل ان يكون المجلس النيابي الجديد هو نفسه الذي ينتخب رئيس الجمهورية المقبل».

لكنّ بري أكد لـ«الجمهورية» «انّ الانتخابات النيباية ستُجرى في موعدها، وأنّ قانونها الذي يعتمد النظام النسبي لا يمكن تغييره او تعديله، فهو بات حرفاً لا يُقرأ بمعنى انّ تعديله ممنوع، ذلك انّ كثيرين يرغبون او يحلمون بتعديل هذا القانون، الأمر الذي يستحيل الدخول فيه، فما كُتب قد كُتب والتحضيرات جارية لخوض الانتخابات في موعدها».

الجرّاح

وفي المواقف، أعرب وزير الاتصالات جمال الجرّاح عن تفاؤله بإمكانية إيجاد حل قريب لأزمة مرسوم ضباط دورة 1994، وقال لـ«الجمهورية»:

«العمل جار على حل وسط يقضي بدمج مرسوم الأقدمية بمرسوم الترقيات ويوقّعه الى جانب رئيسي الجمهورية والحكومة، وزراء الداخلية والدفاع والمال، وهذا الحل يعمل عليه كلّ من الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط. لذلك، أعتقد أنّ الحل بات قريباً، بعدما بلغت قضية المرسوم مداها، واذا لم تحلّ الازمة قريباً فمعنى ذلك وجود أزمة اكبر بكثير».

وعن التعديلات التي يقترح البعض إدخالها على قانون الانتخاب، أيّدَ الجرّاح «تمديد تسجيل المغتربين بعدما بلغ عدد المسجلين تسعين الفاً فقط على رغم الضجة الكبيرة التي أثيرت حول مصير الانتخابات واللغط الدائر حول الملف الانتخابي.

فإذا مَدّدنا مهلة التسجيل شهراً اضافياً اعتقد انّ العدد سيرتفع الى مئتي الف وستحصل فعلاً مشاركة حقيقية وجدية للمغتربين في الحياة السياسية. امّا بالنسبة الى البطاقة الممغنطة و«الميغاسنترز» والتسجيل المسبق فاعتقد انها صارت مواضيع سياسية اكثر ممّا هي تقنية».

ولم يُبد الجرّاح ايّ خوف «من ان تفتح التعديلات على قانون الانتخاب الباب امام تطيير الانتخابات»، وقال: «مثلما اتفقت القوى السياسية على قانون الانتخاب في جلسة واحدة يمكن ان تتفق على التعديلات فتُقرّ في عشر دقائق». وعَزا رفض بري للتعديلات «الى المناخ المتأزّم في البلد، فلو تمّ الحديث عن التعديلات في مناخ هادىء لوجَد الجميع بعض القواسم المشتركة، لكنّ موضوع التعديل طرح في جو سياسي مأزوم».

الأهالي عند الراعي

مطلبيّاً، بلغت أزمة الأقساط في المدارس الخاصة ورواتب الاساتذة ذروتها. إذ حددت نقابة المعلمين الاضراب العام في 24 من الجاري، فيما باشَر «اتحاد لجان الاهل» سلسلة تحركات.

فبعدما نفّذ الاهالي مسيرة الى القصر الجمهوري السبت الماضي ووعدهم رئيس الجمهورية بعقد جلسة حكومية تربوية إستثنائية، زاروا أمس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي أبدى لهم «كل الدعم»، معتبراً انه «كما تُنفق الدولة على التعليم الرسمي من واجباتها أن تُنفق على التعليم الخاص، وإلّا ستبقى الخلافات»، مؤكداً «انّ الاسرة التربوية عائلة واحدة لا تنفصل».

إلى ذلك، تستعد اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية، برئاسة المطران حنّا رحمة، للقاء رئيس الحكومة غداً، على ما أكّد رحمة لـ«الجمهورية»