حدد أبو مازن سياسة جديدة قائمة على عدم القبول بأميركا كوسيط بعد تهويد الرئيس دونالد ترمب للقدس وعلى تفعيل دور المقاومة السلمية ضدّ المحتل الاسرائيلي والتي يعتبرها أكثر الأشكال النضالية المؤثرة والمنسجمة مع سياسة السلطة التي أفرغها المحتل من محتواها ومن مضمونها التفاوضي وأعاد بالأوضاع الى نقطة الصفر نأياً منه عن ما التزم به من اتفاقيات تمت ووقعت بإشراف دولي و أميركي تحديداً .
أمس سطعت سياسة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد مداولة في الوضع الفلسطيني في رام الله وكان على قدر من المسؤولية التي تتطلبها المرحلة والتي يستأنف فيها دور المقاومة الشعبية والتي فرضت على العدو سلوك طريق التسوية و التفاوض من موقع التنازل عن حقوق فلسطينية وكانت اتفاقيات أوسلو وما تلاها من مفاوضات تلبية مباشرة لحضور الانتفاضة الفلسطينية في معادلة القوة باعتبارها إرادة فلسطينية شاملة ولا تعكس صورة هوية من الهويات السياسية لتيارات المنظمة وهذا ماعزّز من حضورها الدولي . ومن نصرة الشعوب لها كونها العين التي قاومت المغرز " الاسرائيلي " وهذا ما فتح لها باباً جديداً من أبواب التضامن الفعلي مع منجز شعبي طليعته الشيوخ والنساء و الأطفال ودشن لها مرحلة من تاريخ نضالي فلسطيني انحنت أمام تضحياته أميركا المعادية والدول الغربية التي تنصر القضية الفلسطينية لكن لا على حساب الكيان الاسرائيلي .
إقرأ أيضا : عباس: إسرائيل أنهت أوسلو
أمام ما وصلت اليه القضية الفلسطينية و أمام اضمحلال مشروع السلطة الفلسطينية وسقوط معركة القدس أمام تحد أميركي للشعوب والدول كان لا بُدّ من من اتخاذ تدابير لاستعادة زمام المبادرة فكانت التحركات العربية والاسلامية والدولية المؤقتة تضامناً بلا استثمار من قبل الجهات المعنية وكانت العودة الميمونة للإنتفاضة الفلسطينية من بوابة القدس تتيح الاستثمار المطلوب للشهادات المؤيدة للحقوق الفلسطينية في القدس وفي السلطة وكان التدافع ما بين حماس وفتح لتحسين شروط المصالحة بين الحركتين يُسهم في دفع النضال الفلسطيني نحو العدو لا نحو الفلسطينيين ولكن تعثر خطى البعض من حماس وفتح أضعف من المرتجى وخيّب آمال كثيرة كانت تنظر الى ساحة فلسطينية واحدة وموحدة ضدّ العدو وضدّ الانقسام ولصالح المصالح الفلسطينية لا المصالح الفئوية لهذا وذاك من رموز الحركتين .
لقد أفلح أبو مازن في شرح المعضلة وفي توفير الحلّ وفي إسقاط الورقة الأميركية في سلة المهملات ما دامت منحازة كلياً للمحتل وغير ناظرة لحق بسيط من حقوق الشعب الفلسطيني وكان لتواصله مع النُخب الفلسطينية تعزيز لروح المشاركة في قيادة مرحلة نضالية بعد أن سقطت كل حسابات السلطة مع العدو أولاً ومع الصراع الفلسطيني – الفلسطيني ثانياً ومن هنا كان خيار رئيس السلطة خياراً نضالياً شعبياً أي الاتجاه نحو جيل جديد من الانتفاضة وهذا ما يستدعي ضبط أدوات مجنونة لصالح أداة جماهيرية واعية تصيب أهداف فلسطينية ولصالح فلسطين لا كما فعل آخرون بتحويل المعركة لحساب أجندات خارجية كان تأثيرها على الفلسطيني أكثر مما أثرت على " الاسرائيلي " .
إقرأ أيضا : ترامب يجَمدِد العقوبات
من هنا ثمّة حاجة فلسطينية ملحة لدعم ورقة محمود عباس الجديدة مطلوبة من الفلسطينيين أولاً من خلال الوحدة الفلسطينية القائمة على الاحتشاد النضالي تحت راية الخيار النضالي الشعبي من قبل القوى الفلسطينية كافة وهذا ما سيعزز من التفاهمات وهذا ما سيبني قيادة عمل جديدة تتطلع الى الحقوق أكثر مما تتطلع الى السلطة . وثانياً من خلال موقف عربي رسمي وشعبي غير قابل لتفسير الأحلام يحدد وبشكل واضح التأييد الكامل للنضال الشعبي وعدم العبث بالموقف الفلسطيني وهذا ما هو مطلوب من الدول والشعوب الاسلامية وتحميل كامل المسؤولية لكل من يريد التنحي عن دعم ما يريده الفلسطينيون واعتبار الشاذ عن وحدة النضال السلمي للفلسطينيين أفّاك و يريد ضرب المصالح الفلسطينية لصالح مصالح غير فلسطينية .
لقد رسم محمود عباس خارطة سياسية ونضالية للشعب الفلسطيني من ضمن الأفق المتاح ومن ضمن وجهة نظر عقلانية من شأنها أن تنتج و تتيح وضعاً جديداً للحالة الفلسطينية على مستوى القوى الفلسطينية وعلى مستوى الواقع الفلسطيني المقيد بمشاكل معقدة من السياسة الى الأمن والاقتصاد وهذا ما دفع أبو مازن الى نعي السلطة الفلسطينية واعتبارها محتلة من قبل العدو الاسرائيلي .