رغم الصّمت الذي يلفّ المساعي المبذولة لتركيب اللوائح مع دخول البلاد مدارَ المهَل الدستورية الخاصة بالانتخابات، فإنّ ما تشهده الكواليس يُوحي بأنّ باب المفاجآت مفتوحٌ على سوابق غير منتظَرة لمجرّد سقوطِ الأحلاف الكبرى. فالقانون الجديد أفسَح في المجال أمام سيناريوهات غامضة ترفع من منسوب القلق لدى التكتّلات السياسية جرّاء المسّ بـ»التوزانات الداخلية الدقيقة»... فما هو المرتقَب؟
يَعتقد الخبراء في قانون الانتخاب الجديد أنّ أبواب المفاجآت مفتوحة على مصراعيها. فحركة المشاورات الدائرة في العلن، وتلك الدائرة في السر، رفَعت من منسوب التوتّر والقلق لدى الكثير من الماكينات الانتخابية الكبيرة. وهو ما دفعَ المسؤولين عنها إلى الاعتراف سلفاً بعدم قدرتِها على تجيير الحدّ الأقصى من قوّتها المقدّرة في مناطق كثيرة، نظراً إلى عوامل متداخلة عدّة بين المادّي منها، والسياسي، كما الطائفي والمذهبي.
وعلى وقعِ الاعترافات هذه، تبدو حركة الموفدين بين مواقع القوى الحزبية والسياسية محفوفةً بسيناريوهات سلبية تُشكّك في صدقيّةِ بعض التحالفات، خصوصاً تلك المبنية على شعارات سياسية غامضة يسعى البعض إلى تجميلها بالإشارة مسبَقاً إلى أنّها تُحاكي الواقعَ المأزوم في البلد وفي صفوف هذه القوى، بعدما فَتح القانون الجديد من خلال الاعتماد على الصوت التفضيلي، المعاركَ الجانبية بين الحلفاء الذين سينتظمون ضِمن اللائحة الواحدة، عدا عن تعزيز ذلك إمكان اللجوء إلى الضغوط المادية على بعض المفاتيح الانتخابية وتوافرِ المال الانتخابي.
ويَجزم أحد المراقبين أنّه بدأ يتلمّس في الكواليس السياسية بداية بحثٍ عن سيناريوهات تؤدّي إلى تأجيل الانتخابات لعامٍ إضافيّ أيّاً كان الثمن. فمجريات الأحداث والمزاج الشعبي المتقلّب خارج ساحة الثنائي الشيعي يفتح العيونَ على مخاطر كثيرة دفعَت إليها السياسات الخاطئة وتلك التي اقتربَت من أن تكون «دعسة ناقصة» لئلّا يُقال إنّها «جريمة كبرى» أدّت إلى بلوغ البعض مرحلةً متقدّمة من اليأس، يمكن أن تدفعَه إلى قرارات كبرى قد تؤدّي إلى تطيير الانتخابات.
وعلى هذه الأسُس، يتطلّع المراقبون إلى تطوّر الخلافات الناشئة على هامش المواجهة المفتوحة بين بعبدا وعين التينة للتأسيس إلى مجموعة من الخلافات الهامشية التي لا بدّ من أن تزيد عدد الملفات الخلافية، وبالتالي توفير الأجواء الطبيعية للتأجيل في أجواء سياسية وأمنية مؤاتية تشكّل الذريعة لخطوةٍ من هذا النوع.
ولذلك يَطول الحديث عن الأسباب والدوافع التي يمكن أن تُؤجّج الخلافات على الملفات الكبرى، والتي يمكن أن تتكدَّس واحدةً إلى جانب أخرى لتشكّل سدّاً منيعاً أمام قدرة الدولة على قيادة الاستحقاق الانتخابي.
فالمؤشرات على مِثل ما هو متوقّع كثيرة، ويمكن الإشارة إليها بدءاً من تطوّرات ملفّ مرسومَي الأقدمية والترقيات، إلى ملفات التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب، إلى ملفّ الكهرباء المأزوم أساساً، وصولاً إلى ما تبَقّى من تعيينات في بعض المؤسسات.
فالنتائج المتوقّعة من تردّدات الأزمات الإقليمية وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، قد تُطيح بإنجازات كثيرة تَحقّقت، وهو ما سيَنعكس على المهل الدستورية التي تَحكم المرحلة الفاصلة عن فتحِ صناديق الاقتراع.
في المقابل هناك من يقول إنّ هذه النظرة التشاؤمية إلى ما يَنتظر لبنان في الفترة الفاصلة عن الاستحقاق الانتخابي ليست في محلّها، لكنّ أصحابَ هذه النظرة لا يتردّدون عند الدخول في تفاصيل كثيرة، في الإشارة إلى مخاوف جدّية مِن انقلابٍ حقيقي قد تقود إليه الانتخابات المقبلة، متناسين ما يترتّب عليهم من مسؤوليات نتيجة تصرّفاتهم في المرحلة السابقة التي أسَّست للواقع الحالي، فقادتهم نتائجُها إلى ما هم فيه اليوم.
وعلى هامش النقاش القائم حول ما يمكن أن تشهده المرحلة المقبلة من سيناريوهات سلبية، تبرز سلسلة مقترحات، أبرزُها حاجة اللبنانيين إلى التراجع سريعاً عن الخطابات التي يمكن أن تقود إلى مزيد من التشنّج الذي يتمنّاه البعض، لرفعِ ما هو مطلوب من أصوات تفضيلية أياً كان الثمن، ولو أسَّسَ مجدّداً إلى صراع غير مرغوب فيه.
تزامناً مع التحذير الذي تُصِرّ عليه المراجع الأمنية التي تراقب عن كثب الحراكَ في الكثير من المناطق الحسّاسة، حيث الصدام الطائفي والمذهبي محتمَلٌ وحيث يمكن أن تنمو الشبكات التخريبيّة والإرهابية.
ولا بدّ مِن الإشارة إلى أنّ مِثل هذه المعطيات سترفع من منسوب السباق ما بين المهل الدستورية والسعي إلى التحالفات الانتخابية. وهو سباقٌ محموم يُحتسب قياساً على حجم المراحل القصيرة الفاصلة بين المهَل المرتبطة بالترشيحات والعودة عنها وتركيب اللوائح.
فكيف إذا كان هناك مَن يخشى تحالفات لم تكن يوماً في الحِسبان، وهو ما تخشاه مراجعُ ديبلوماسية تحدّثت في الساعات الماضية عن حركة موفدين ووسطاء خارجيّين سيَصِلون إلى لبنان لتدارُكِ ما هو غير طبيعي منها، منعاً لانهيارِ التوازنات الدقيقة المتوقَّعة في الانتخابات المقبلة.