ما زالت السقوف عالية حيال أزمة مرسوم الأقدميات لضباط «دورة عون»، وسلة التعديلات المقترحة على القانون الانتخابي الجديد، ولو برزت في الساعات الاربع والعشرين الماضية محاولات لإشاعة إيجابيات على حلبة الاشتباك السياسي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ولكن من دون ان يبدو انها ترتكز على أسس متينة، بالنظر الى التجاذب المستمر بينهما، وعدم بروز معطيات تؤكد اقتراب الطرفين الى مساحة مشتركة، إن بالنسبة الى المرسوم الذي تلقّت بعبدا جرعة دعم لموقفها من بكركي، أو بالنسبة الى قانون الإنتخاب الذي يدور حوله عراك عنيف بين نظرتين متباعدتين، تُطالِب الاولى بتعديلات تطعمّ القانون بالاصلاحات الضرورية والملحّة والتي تنأى بالانتخابات عن الطعن بها اذا ما جَرت هذه الانتخابات في غياب هذه الاصلاحات. وترفض الثانية فتح باب التعديلات، اولاً لضيق الوقت، وثانياً لأنّ من شأنها نسف قانون الانتخاب وتهديد الانتخابات، إن لم تطيّرها.
الراعي في بعبدا
وشكّلت زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى عون عامل دعم إضافي له في معركة مرسوم الأقدمية. فقد خرج البطريرك عن صمته للمرة الأولى منذ نشوء الأزمة بين بعبدا وعين التينة، وتحدّث عن المرسوم من الناحية القانونية، وأيّد موقف عون.
وقال: «إنّ مرسوم منح الاقدمية لضباط دورة 1994 لا يرتّب أعباء مالية تستوجب توقيع وزير المال»، لافتاً الى أنّ «المادة 54 من الدستور تتحدث عن توقيع الوزير المختص وهو بهذه الحالة وزير الدفاع، ويمكن ان يشاركه ايضاً وزير الداخلية. امّا في حالة مرسوم الترقية الذي يرتّب موجبات مالية، فعندها يجب ان يقترن بتوقيع وزير المال ايضاً».
وأشار الى أنه «استوضَح اسباب الخلاف الحاصل حول قضية الاقدمية لضباط دورة العام 1994، علماً انّ رئيس البلاد يريد خير البلاد والاستقرار والسلام». وأضاف: «انا رجل قانون، ولا أرى أنّ الامور بهذا التعقيد، وهي لا تستلزم شرحاً لأنها واضحة وضوح الشمس، فإذا كانت هناك ارادة طيبة ولمصلحة البلد، وهو ما يريده فخامة الرئيس، يمكن حلّ المشكلة بجلسة واحدة».
وقالت أوساط كنسيّة لـ«الجمهورية» إنّ موقف الراعي بالنسبة لمرسوم الأقدمية «طبيعي، فهو لم يأخذ موقفاً سياسياً، بل استند الى الدستور الذي ينصّ على توقيع الوزير المختص والذي هو وزير الدفاع». وأوضحت أنّ «الراعي أكّد دعمه رئيس الجمهورية لتثبيت سلطة المؤسسات والدولة، ومعالجة الأزمات التي تُرهق البلد والمواطنين».
وشددت الأوساط على أنّ «بكركي تعوّل دائماً على دور رئاسة الجمهورية واجهزة الدولة كافة، وهي ضدّ فرض أعراف بعيدة كل البعد عمّا إتفق عليه اللبنانيون في «اتفاق الطائف» والذي لم يعط أي طائفة او جهة سياسية حق احتكار أي وزارة وفرض أعراف جديدة واعتبارها موقعا ثابتا لها، بينما الحل هو بالعودة الى جوهر الإتفاق وتطبيقه».
إنتظار الحريري
يأتي موقف الراعي بالتزامن مع حالة إنتظارية لعودة رئيس الحكومة سعد الحريري من زيارته الخاصة الى باريس، لتحديد مصير «مشروع الحل» لأزمة المرسوم الذي تقدّم به بري، وحاول تسويقه عبر النائب وليد جنبلاط، وتسلّمه الحريري من النائب وائل ابو فاعور.
وفيما نقل عن الحريري انّ هذا الطرح جدير بالدرس، تردّد انّ مشروع الحل المقترح من بري بلغ رئاسة الجمهورية ولم يلق استجابة منها.
واوضحت اوساط بعبدا لـ«الجمهورية»: «لم نتلقّ اي طرح حول هذا الموضوع، بالتالي لا جديد يذكر في هذا الاطار، ولا جديد لدينا نقوله عن الموقف الواضح والمعروف لرئيس الجمهورية حول هذا المرسوم».
وأعربت الاوساط عن ارتياحها الى موقف البطريرك الراعي «الذي قدّم مقاربة موضوعية ودقيقة لمرسوم الاقدميات ووضعه في المكان الذي يجب ان يكون فيه».
بري
وفي غياب اي مؤشرات ايجابية حول ازمة المرسوم، بَدت اجواء عين التينة حذرة في مقاربة هذه المسألة، وإن كانت لم تعكس تفاؤلاً او تشاؤماً حول مشروع الحل المقترح من بري، فإنها لم تلمس بعد ما يؤشّر الى استجابة لهذا المشروع، بما يخرج هذا المرسوم من عنق الازمة.
وفضّل بري امام زواره عدم الدخول في تفاصيل مشروع الحل، حرصاً على نجاحه وعدم التشويش عليه، الا انه اكتفى بالقول: «امام ازمة المرسوم، وضعتُ صيغة حل وأرسلتها قبل خمسة ايام للنائب وليد جنبلاط، وتقوم على حل لهذه الازمة، وطبعاً مع الحفاظ على الاصول القانونية والدستورية».
أزمة التعديلات
واذا كانت ازمة مرسوم الاقدميات قد فتحت فوّهة الاتهامات المتبادلة على اوسع مدى بين بعبدا وعين التينة، فإنّ ازمة التعديلات أضافت عنصر توتر جديد في العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وبري الذي يرفض تعديلات يسعى «التيار» عبر رئيسه الوزير جبران باسيل الى ادخالها على القانون الانتخابي.
وقالت مصادر «التيار» لـ«الجمهورية»: «اننا مصرّون على طرح التعديلات من باب حماية القانون وتحصينه، ومن العيب القول او الايحاء بأنّ «التيار» يسعى الى تطيير الانتخابات، بل على العكس، نحن مقتنعون انّ الانتخابات ستجري في موعدها وسيقول اللبنانيون كلمتهم فيها، ولا شيء يمكن ان يؤخّرها او يعطلها، هذا هو موقفنا الثابت والنهائي، وامّا اتهامنا فهو باطل ومردود».
وأكدت المصادر تمسّك «التيار» بإدخال إصلاحات على القانون الانتخابي، مشيرة الى «انّ مطالبتنا بتعديل المادة المتعلقة بالبطاقة الممغنطة تنطلق من حرص «التيار» على سد الثغرات في القانون. فقد نص القانون على اعداد البطاقة الممغنطة لإجراء الانتخابات على اساسها، الّا انّ ذلك لم يحصل.
لذلك لا بد من سد هذه الثغرة في القانون قبل الانتخابات، لأنها إن بقيت موجودة فلن تَرتدّ سلباً على القانون فقط بل على الانتخابات برمّتها، ويجعلها عرضة للطعن بها وبالنتائج التي ستنتهي اليها، وهذا ما نحاول أن نتداركه، لا أن نفتح الباب كما يُقال على تعديلات لتطيير الانتخابات، هذا كلام مستغرب ومرفوض. نحن على موقفنا وسنستمر في المطالبة بالتعديل، ولا نعتبر انّ لدينا مشكلة، وربما تكون المشكلة عند غيرنا».
عين التينة
في هذا الموضوع، تؤكد اوساط بري «عدم فتح باب المجلس النيابي أمام بازار تعديلات، يخشى منها ان تكون شرارة لإطاحة قانون الانتخاب الجديد وتطيير الانتخابات. كذلك يخشى جدياً من محاولات، سواء من اطراف في الداخل لن يسمّيها الآن، او في الخارج لن يسمّيها الآن ايضاً، للإطاحة بالانتخابات لأنّ القانون الجديد لا يلائمها ولا يلبّي مصلحتها».
وقد أبلغ بري بشكل مباشر او غير مباشر، كل الاطراف الداخلية وخصوصاً المطالبين بإدخال تعديلات على قانون الانتخاب بأنه لن يدعو الى جلسة تشريعية لإعادة البحث في هذا القانون. ونقل عنه قوله: «على راس السطح، لن أقبل بتعديل القانون. لقد بقينا سنوات طويلة لكي نصل اليه، ووصلنا اليه بشق النفس والروح، ولذلك لا مجال لعودة الخوض فيه مجدداً في مجلس النواب».
ويلفت بري الانتباه الى «انّ موضوع البطاقة الممغنطة «محلول» في متن قانون الانتخاب، ولا حاجة لتعديل قانون الانتخاب من هذا الباب، لأننا خلال إقراره في الهيئة العامة للمجلس لحظنا بديلاً لهذه البطاقة في حال تعذّر إعدادها، بحيث يُصار الى الانتخاب ببطاقة الهوية او جواز السفر، علماً انّنا كنّا اول من تقدّم باقتراح إصلاحي للقانون الانتخابي عبر اعتماد البطاقة الممغنطة لأنها توفر العناء على كل المستويات للناخب والمرشحين، ولكن مع الاسف لم يتم الوصول إليها».
وتردّ أوساط عين التينة رفض بري للتعديل «الى انّ المسألة لا تتصل بتعديل شكلي، بل ثمّة من حضّر سلة تعديلات تطاول 11 مادة في القانون الانتخابي، يعني ذلك نسف القانون. وتبيّن ذلك من الوقائع التي رافقت اجتماعات اللجنة الوزارية المعنية بالملف الانتخابي التي كانت تُعقد برئاسة الحريري».
وتفيد هذه الوقائع، كما تقدمها عين التينة، «انه بعدما انقطع الأمل بالوصول الى البطاقة الممغنطة، طرح بري التسجيل المُسبق للناخبين اللبنانيين الراغبين بالانتخاب في اماكن سكنهم وليس في اماكن القيد مع استحداث مراكز تسمّى «ميغاسنتر»، وذلك على غرار ما تمّ بالنسبة الى التسجيل المسبق للمغتربين.
ووافق الجميع (كل القوى الممثلة باللجنة الوزارية) على طرح بري، وكان أوّلهم وزير الداخلية نهاد المشنوق، ما عدا الوزير جبران باسيل الذي رفض هذا الطرح بشكل قاطع. وتوقفت الامور هنا لعدة أشهر، لنفاجأ في الاجتماع ما قبل الأخير للجنة الوزارية برئاسة الحريري بإعلان باسيل انه يوافق على السير بالتسجيل المُسبق».
وبحسب الوقائع «فإنّ وزير الداخلية ردّ على باسيل، مؤكداً أنّ الوقت (الفاصل عن موعد الانتخابات النيابية لم يعد كافياً ولا يمكننا إنجاز هذا الأمر، فأصَرّ باسيل على موقفه بالسير بالتسجيل المُسبق. عندها، رَدّ المشنوق بأنه يريد ان يراجع إدارته (في وزارة الداخلية) إن كان بإمكانها ذلك».
وتشير الوقائع «الى انّ المشنوق قام بعد فترة قصيرة من الاجتماع بزيارة عين التينة، وقال له بري: انا مع التسجيل المسبق وانت تعرف انني صاحب هذا الطرح، فهل تستطيع ان تجهّز هذا الامر؟ فردّ وزير الداخلية: «هذا الامر شبه مستحيل، وعلى كل حال، سأحاول وإن وُفِّقت «بيمشي الحال».
ثم توجّه المشنوق الى بري بالقول: أتمنى عليك يا دولة الرئيس ان تدعو الى جلسة تشريعية لمجلس النواب لأنّ هناك 11 تعديلاً مقترحاً على القانون. هنا استغرب بري وقال للمشنوق: «هذا الأمر يطيّر القانون ويطيّر الانتخابات، وبالتالي انا لن أمشي بالتعديلات. ولن أفتح هذا الباب ابداً».