يسود لبنان جو ايجابي بدأ منذ خطاب سماحة السيد حسن نصرالله الذي قال فيه ان حزب الله اشترك عبر كوادر في حرب العراق وان الحرب في العراق انتهت وان الكوادر التابعة لمقاومة حزب الله ستنسحب من العراق وتعود الى لبنان.
اما بالنسبة الى سوريا، فهي على ابواب تسوية سياسية وبمجرد حصول التسوية، فان حزب الله لا يريد البقاء في سوريا وتعود عناصره المقاتلة الى لبنان.
ثم ان ايجابية حزب الله كانت كبيرة بالنسبة الى الموافقة على البنود الاربعة والتي اهمها ان يقوم لبنان بالنأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية وثانيا ان لا يتدخل في شؤون الدول الاخرى وبخاصة الخليج، اضافة الى توجيه رسائل ايجابية الى الرئيس سعد الحريري في شأن دوره كرئيس للحكومة.
وعلى هذا الاساس عاد الرئيس سعد الحريري عن استقالته وأعلن نتائج اجتماع مجلس الوزراء، وبالتالي العودة عن الاستقالة.
ويبدو ان الرئيس العماد ميشال عون وحزب الله والرئيس نبيه بري والوزير وليد جنبلاط قرروا العمل بكل طاقاتهم على رفع الضغط عن الرئيس سعد الحريري من قبل ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان واسترجاع الرئيس سعد الحريري من طغيان النفوذ السعودي عليه.
فأظهر الرئيس ميشال عون رغبته بكل ايجابية تجاه رئيس الحكومة سعد الحريري وكل تعاون، كذلك فعل الرئيس نبيه بري قبل حصول الخلاف على مرسوم منح الاقدمية، الذي على الارجح سيتم اجتيازه وعودة العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري. كذلك فان حزب الله هو احرص الاطراف على بقاء الرئيس سعد الحريري واسترجاعه من سيطرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وانه عندما حصل خلاف داخل مجلس الوزراء اول من امس بين الرئيس سعد الحريري ونواب كتلة الرئيس بري، فان حزب الله كان له الدور الاساسي في تسوية الامور واعادة استمرار الجلسة ومراعاة الرئيس الحريري. كذلك فان حزب الله لن يرضى بأي شخصية سنيّة اخرى غير الرئيس سعد الحريري ليكون رئيسا للحكومة، سواء الان ام بعد الانتخابات النيابية. كما ان حزب الله ارسل اشارات الى الرئيس بري بضرورة تخفيف حدّة الصراع مع الرئيس سعد الحريري، لان استراتيجية حزب الله هي استيعاب واقامة افضل علاقة ايجابية مع احد اهم زعماء الطائفة السنية، وهو الرئيس سعد الحريري وزعيم تيار المستقبل.
وفي المقابل، قال الوزير وليد جنبلاط كلاما شجاعا جدا وذا حكمة عميقة، عندما قال: انا لست على تحالف مع السعودية، ولكني لن اكون مع محور المقاومة.
ولاحقاً اوضح كلامه في شأن السعودية عن قرارات اتخذتها المملكة انه لا يتدخل في شؤون المملكة العربية السعودية، لكن بعد ظهر امس اصدر تيار المستقبل بيانا طالب فيه الوزير وليد جنبلاط بتصحيح موقفه تجاه المملكة العربية السعودية.
لكن اجواء المختارة قالت ان ايضاحا صدر عن الوزير وليد جنبلاط بأنه لا يريد التدخل في شؤون السعودية الداخلية، وان ليس لديه ايضاح اكثر من ذلك.
وكان هذا هو الرد على تيار المستقبل في شأن مطالبة الوزير وليد جنبلاط بتصحيح موقفه من السعودية.
أجواء ايجابية
ويبدو ان هنالك جواً ايجابياً سياسياً قائماً بين عدة اطراف عمِل حزب الله بكل طاقته وقيادته بشخصية سماحة السيد حسن نصرالله على مدّ الجسور والرسائل الايجابية باتجاه الرئيس سعد الحريري، وساهم وأيد تعزيز علاقة الرئيس ميشال عون مع الرئيس سعد الحريري في اطار مجلس الوزراء وغيره، كما ساهم في تخفيف الصراع الذي حصل بين الرئيس نبيه بري والرئيس ميشال عون في شأن مرسوم منح سنة اقدمية لدورة ضباط 1994 في الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي.
وارسل اشارات الى الرئيس نبيه بري بعدم مهاجمة الرئيس سعد الحريري والبقاء على موقفه ما بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وأمس قام الوزير غطاس خوري المستشار السياسي للرئيس سعد الحريري بزيارة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري ويمكن اعتبار زيارة الوزير غطاس خوري انها بدء تحسين علاقة بين الرئيس بري والرئيس الحريري. وهذا الامر عمل عليه حزب الله بكل طاقته، واصبحت كتلة مكوّنة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل وموقف الوزير وليد جنبلاط وموقف الرئيس نبيه بري، على قاعدة انه يجب حصول التوافق والحرص على استمرارية الحكومة وعدم حصول اي انشقاق فيها، وعلى التوافق لتخفيف الضغط السعودي بالدرجة الاولى عن الرئيس سعد الحريري، اضافة الى اعطاء المجال الى الرئيس سعد الحريري كزعيم كبير للطائفة السنيّة، كي يكون مرتاحا في رئاسة مجلس الوزراء وفي القرارات التي يتخذها عبر الحكومة.
خط تواصل بين الحريري و جعجع
كما ان زيارة الوزير غطاس خوري للدكتور سمير جعجع فتحت خطا للتواصل بين الرئيس سعد الحريري وحزب القوات اللبنانية بقيادة الدكتور سمير جعجع. وهكذا عاد تركيز التسوية السياسية الداخلية اللبنانية من الناحية السياسية والتوافق الداخلي، ويبدو انه سيتم حل مشكلة المرسوم في شأن منح الاقدمية لضباط دورة 1994.
الا ان الدور الاساسي كان لحزب الله وفعلياً بشخص سماحة السيد حسن نصرالله امين عام حزب الله الذي ادار الاتصالات ومنع تفاقم اي مشكلة. فقابله الرئيس سعد الحريري بتصريح الى اهم صحيفة اميركية وول ستريت جورنال بالقول ان اي حكومة ستأتي بعد الانتخابات ستضم ممثلين عن حزب الله، وان حزب الله سينسحب لاحقا من سوريا ولا يمكن حصول هذا الامر بسرعة، وان الحكومة المقبلة ستتمثل فيها الاطراف كافة، بمن فيهم حزب الله.
وهنا قام الرئيس سعد الحريري بتوجيه رسالة قوية الى الولايات المتحدة والسعودية التي تعتبر ان حزب الله هو حزب ارهابي ولا يجب اشراكه في الحكومة، لكن الرئيس سعد الحريري قال ان اي حكومة مقبلة ستضم ممثلين لحزب الله. كما اضاف الرئيس سعد الحريري انه سيعمل على تحييد لبنان عن الصراع الايراني ـ السعودي، فيما كلام الرئيس سعد الحريري خطر جدا، ذلك انه مفروض ان يكون في المحور السعودي ضد ايران، لكنه قال انه سيقوم بتحييد لبنان عن الصراع الايراني ـ السعودي، وبالتالي فانه كرئيس لمجلس وزراء لبنان ستكون سياسته الحياد بين ايران والسعودية. لكن في مضمون كلامه انه لن يسمح لامتداد نفوذ ايراني في لبنان، كذلك من دون ان يقول هذا الكلام، فانه عبر موقعه كرئيس لمجلس الوزراء اللبناني لن يسمح بتدخل سعودي كبير ايضا في لبنان دون ان يقول ذلك، لان تفسير كلام ابعاد لبنان عن الصراع الايراني ـ السعودي يعني ذلك، اي لا نفوذ ايراني ولا نفوذ سعودي يتصارعان على الساحة اللبنانية.
كلام الحريري وضع حدوداً لتحرك السفير السعودي
واذا كان السفير السعودي يقوم باتصالات وزيارات مع القيادات السياسية اللبنانية، فان كلام الرئيس سعد الحريري وضع حدودا لتحرك السفير السعودي، فيما السفير الايراني لا يقوم بزيارات عديدة.
واذا كان المقصود بالنفوذ الايراني حزب الله، فان الرئيس سعد الحريري اعتبره حزباً لبنانياً بامتياز ومشاركاً في المجلس النيابي وسيشارك في الحكومة اللبنانية.
واذا كانت السعودية واميركا تعتبر حزب الله ارهابياً، فان الرئيس سعد الحريري قال بصريح العبارة ان الحكومة المقبلة كما هي الحالية ستضم ممثلين لحزب الله. وبالتالي هذا يعاكس السياسة الاميركية وسياسة السعودية وسياسة اسرائيل، واسرائيل هي اكبر عدو للمقاومة ولحزب الله.
وهنا اشار الرئيس سعد الحريري الى ان اسرائيل تهدد كل مرة بشن حرب ضد حزب الله، انما عمليا تشن حرباً ضد لبنان وتقوم بتدمير منشآت وبنية تحتية في لبنان، وحذر اسرائيل من ذلك.
نتيجة كل هذه الاجواء، فان المناخ السياسي الداخلي هو على وفاق كبير، وهذا يريح الاجواء، بخاصة الرئيس سعد الحريري وبخاصة حزب الله الذي استطاع تقديم انجاز كبير من خلال اعطاء الاشارة الى الاطراف كافة بأن لا رئيس حكومة للبنان في المدى المنظور غير الرئيس سعد الحريري.
الشعب اللبناني يريد انجازات اقتصادية
يبقى اخيرا ان الشعب اللبناني يريد من كل هذا الوفاق السياسي انجازات عملية على المستوى الاقتصادي، وعلى مستوى مكافحة الفساد، وعلى مستوى وقف الهدر المالي، وعلى مستوى تفعيل المؤسسات الرقابية وتفعيل الاقتصاد اللبناني، لان اكبر ازمة حالية هي الازمة الاقتصادية الخانقة، مع غلاء الاسعار واقساط المدارس وعجز الموازنة وضعف القطاع الزراعي والصناعي والخدماتي والتجاري.
ومن هنا يجب تحويل هذا الوفاق السياسي الكبير اللبناني الذي يقدم مصلحة لبنان اولا للقيام بخطوات عملية لمساعدة الشعب اللبناني معيشيا وحياتيا، لانه اذا نجحت الدولة والحكومة ومجلس النواب في تحسين الوضع الاقتصادي، فإن لبنان في ظل الوفاق السياسي يستطيع ان يصبح جنّة المنطقة كلها في العالم العربي وحتى على المستوى الاوروبي.