حث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين في اتصال هاتفي على ضرورة وقف النظام السوري لهجماته في إدلب والغوطة الشرقية مقابل استمرار مباحثات “أستانة” ومؤتمر “سوتشي”.
وبدا بوتين ميالا إلى التهدئة حين أكد أن تركيا لا علاقة لها بهجوم بطائرات دون طيار على أهداف عسكرية روسية في سوريا، والذي يعتقد أنه وراء حصول قوات الرئيس السوري بشار الأسد على الضوء الأخضر لشن الهجوم على إدلب.
وأكد مراقبون أن انفجار الوضع في منطقة إدلب في سوريا يكشف ضراوة الخلافات المندلعة بين رعاة مفاوضات أستانة، وأن المواجهات العسكرية المتصاعدة خلال الساعات الأخيرة هي محصلة لانهيار التفاهمات حول هذه المنطقة بين روسيا وتركيا وإيران.
غير أن مصادر مطلعة ترى أنه بغض النظر عن خارطة التحالفات وتبدل خطوط التماس، فإن مسألة تجميع كل القوى المسلحة بعد ترحيلها من مناطق سورية أخرى تهدف بالنهاية إلى القضاء على جيب سيعتبر إرهابيا ومعرقلا للتسويات المقبلة في البلد.
وتؤكد هذه المصادر أن تشريحا للفصائل سيكشف عن مدى تناقضها الأيديولوجي وتنافر أجنداتها وأن الحرب الداخلية هي حتمية بين هذه الجماعات، وهو ما تكشف عنه وقائع الأسابيع الأخيرة.
وأكدت المصادر أن إدارة المعركة الحالية ما بين القوى الإقليمية المعنية بشأن إدلب لا تمنع حقيقة أن المنطقة هي الجيب الأخير للتطرف في سوريا.
وشنت صباح الخميس فصائل عدة بينها هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني وحركة أحرار الشام هجوما على الخطوط الخلفية لقوات النظام على بعد العشرات من الكيلومترات جنوب المطار.
واستهدفت الفصائل مناطق تقدمت فيها قوات النظام في بداية هجومها عند الحدود الإدارية بين إدلب وحماة (وسط).
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن إن الهجوم المضاد يهدف إلى “تخفيف الضغط عن جبهة مطار أبوالضهور وقطع أوصال قوات النظام وفصل القوات المتقدمة عن الخطوط الخلفية”.
وتشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق خفض التوتر التي تم التوصل إلى اتفاق بشأنها في مايو 2017 في أستانة برعاية روسيا وإيران حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق عمليا في إدلب في سبتمبر الماضي.
وفي تصريحات لتبرير التطور الميداني في إدلب، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس، إن “الأطراف التي تريد إنشاء دولة في شمال سوريا ستخيب آمالها وسترى من تركيا ما يلزم”.
وأشار أردوغان إلى أن المناطق التي يُراد إنشاء “حزام إرهابي” فيها في الشمال السوري، كلها تقع ضمن حدود “الميثاق الوطني” لتركيا الذي يعطيها حق المشاركة في تقرير مصير مناطق خارج حدودها الجغرافية كالموصل وحلب وكركوك ومناطق باليونان وبلغاريا.
وشدّد على أن “تركيا ليست على الإطلاق الدولة التي يمكن أن تُفرض عليها سياسات الولايات المتحدة غير المتزنة في منطقتنا”.
ولفت المراقبون إلى أن تعرض قاعدتي حميميم وطرطوس في الأسبوع الأول من الشهر الجاري إلى هجمات صاروخية ومدفعية وأخرى عبر الطائرات المسيرة، يمثل وجها من وجوه تناقض أجندات الدول المعنية بالتسوية السورية.
وأكد خبراء عسكريون أنهم رصدوا في التقدم السريع لقوات النظام السوري وسيطرتها على العديد من قرى المنطقة بسهولة نسبية، تفاهمات سمحت بذلك مع تركيا مقابل السماح للأخيرة بالسيطرة على منطقة عفرين التي تسيطر عليها قوات كردية موالية لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقره حزبا إرهابيا معاديا لتركيا.
ولاحظ هؤلاء أن عودة فصائل المعارضة إلى استعادة قسم من هذه القرى عقب هجوم مضاد قد تكون وراءه رغبة تركية في إحداث أمر واقع ميداني جديد يضع كافة الشركاء أمام حقائق ميدانية جديدة.
وكانت الفصائل المعارضة تمكنت الخميس من التقدم في المنطقة باستعادتها السيطرة على عدد من القرى عند الحدود الإدارية بين المحافظتين.
وتدور معارك عنيفة في مطار أبوالضهور في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا بين هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى من جهة وقوات النظام التي تحاول السيطرة على هذه القاعدة العسكرية الاستراتيجية من جهة أخرى. لكن المعلومات قالت إن قوات النظام لم تتمكن من التقدم داخل المطار خلال الساعات الماضية.
وقد لفت المراقبون مؤخرا إلى تصاعد لهجة الرئيس التركي ضد النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، بمثل رسائل أنقرة باتجاه طهران وموسكو السابقة، خصوصا بعد ورود معلومات عن خطط روسية لدعوة الأكراد الذين تصنفهم تركيا إرهابيين إلى مفاوضات سوتشي.
وتعتقد أوساط دبلوماسية غربية أن الوضع في منطقة إدلب بات معقدا في ظل غياب التفاهمات بين روسيا والولايات المتحدة كما بين الولايات المتحدة وتركيا لحسم المسألة المتعلقة بوضع المناطق الكردية في التسويات الميدانية والسياسية المقبلة.
وكان السجال حول هذه المسألة قد اندلع أيضا بين أنقرة وواشنطن مؤخرا إثر اتهامات وجهتها تركيا للولايات المتحدة بمواصلة تسليح “قوات حماية الشعب” الكردية على الرغم من التحذيرات التركية، فيما حمل وزير خارجية تركيا مولود تشاويش أوغلو طهران وموسكو مسؤولية الهجمات التي تقوم بها قوات النظام السوري في إدلب.
وشنّ الجيش السوري قبل أكثر من أسبوعين بغطاء جوي روسي هجوما عنيفا هدفه السيطرة على ريف إدلب الجنوبي الشرقي واستعادة مطار أبوالضهور العسكري لتأمين طريق استراتيجي إلى الشرق منه يربط مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية، بدمشق. وتمكنت مساء الأربعاء من دخول المطار الذي سيكون أول قاعدة عسكرية تستعيدها في إدلب في حال نجاحها في السيطرة عليه.
وكان مراقبون قد رأوا أن تركيا التي تخلت عن حلب في السابق مقابل السماح لها بالتوغل جنوبا في شمال سوريا من ضمن ما يعرف بـ”درع الفرات” بإمكانها التخلي عن مناطق شاسعة في إدلب مقابل السماح لها بالسيطرة على عفرين.
والظاهر حسب هؤلاء أن الحسابات الروسية الإيرانية إضافة إلى تلك الأميركية تقاطعت بما لا يتسق مع الطموحات التركية للسيطرة على الشريط الحدودي كاملا ومنع تشكل جيب كردي متواصل وحيوي على حدودها.