فيما غادر الرئيس سعد الحريري الى باريس، كانت اللقاءات والاتصالات الانتخابية تتكثف في لبنان وتحديداً في معراب، التي تحوّلت إلى محجّة لمختلف القوى السياسية في أقل من ٢٤ ساعة. فبعد زيارة النائب إبراهيم كنعان، زار وفد من اللقاء الديمقراطي الدكتور سمير جعجع. وفيما بعد توجه الوزير غطاس خوري موفداً من الحريري للقاء جعجع برفقة الوزير ملحم الرياشي. سريعاً، سقطت على ابواب معراب كل الصيغ السابقة، تفتت "البحص" واصبحت الطريق إلى معراب معبّدة بعد محاولات حصارها. كل الكلام عن تحالفات خماسية أو سداسية سقط. ماذا حصل؟ لدى معراب كثير من الضحك في السرّ، ويكرر جعجع: "ما بيصح الا الصحيح".
قادت التطورات الاخيرة الجميع إلى معراب، كأن القوات رزقت من حيث لا تحتسب. ثمة من يعتبر أن جملة عوامل دفعت الجميع إلى تحسين العلاقة مع القوات، تحسباً لأي طارئ. الالتقاء على ضرورة تطبيق اصلاحات قانون الانتخاب، مع التيار الوطني الحر دفع كنعان لزيارة جعجع. وكذلك الأمر بالنسبة إلى أزمة المرسوم وما يواجهه التيار من هجوم، ومن وطروحات الرئيس نبيه بري الذي اعتبر أن الأزمة هي أزمة نظام. حرج المستقبل من اشكال المرسوم، وعدم الراحة السياسية والشعبية من التحالف مع عون دفع خوري إلى زيارة معراب. وكذلك فإن أي تقارب بين المستقبل والقوات سيزيد من خشية الوطني الحر. وهذا سبب جديد لإعادة العلاقة مع القوات، تجنّباً لأن يصبح التيار وحيداً في مواجهة بري إذا ما عاد الحريري إلى العلاقة مع جعجع.
تكشف مصادر متابعة لزيارة خوري إلى أنه تخللها عتاب كبير. فقد اثار رئيس القوات الحملات المستقبلية التي شنّت عليها، وأبدى أسفه لما حصل، فتفهّم خوري ذلك، وأصر على تحسين العلاقة. وتقول المصادر إن اتفاقاً قد حصل على أن تكون المرحلة الحالية لاختبار النوايا ولأخذ جواب واضح من الحريري في شأن ما يريده لأجل اعادة الامور إلى نصابها وتكريس التحالف.
طالب جعجع بإجابات واضحة بشأن ما يريده الحريري. وهو يريد توضيحات لموقفه، هل سيتحالف مع عون أم سيخرج من التحالف؟ وهل يستطيع عدم التحالف انتخابياً مع عون؟ تتحدث معراب عن ايجابية، ولكن العبرة في الخواتيم، وفي ما يقرره الحريري في النهاية. لكن لا شك أن الحريري في وضع حرج، سياسياً مع بري وكلامه عن أن الحريري ينكث بالعهود، ومع السعودية التي تعترض على التحالف مع عون، وشعبياً بسبب مواقفه. هذه كلها تدفع القوات إلى الاطمئنان لعودة الحريري إلى حضنها. أكثر من ذلك، تقول المصادر: "لا يمكن خوض الانتخابات بلا مال سياسي، والسعودية لن تدعم المستقبل مالياً إلا إذا تحالف مع القوات واحجم عن التحالف مع عون".
وفق توصيف القوات، فإن ما طرحه موفد المستقبل، أكثر مما كانت تتوقعه معراب. وهذا ما يدفعها إلى استشعار الايجابية، إلا إذا كان الحريري يقوم بمناورة للإيحاء للسعوديين بأنه يحاول اصلاح العلاقة مع القوات، بدون اصلاحها فعلياً، وفيما بعد يستمر بتحالفه مع عون، على قاعدة أنه حاول مع القوات ولم ينجح. وهو يريد القيام بما يراه مناسباً. لذلك، تتريث معراب في بناء الآمال، وتعتبر أن الأمر رهن بتوضيحات الحريري واجاباته.
أما عن اللقاء مع كنعان، فقتول المصادر إن الرجل اعتبر أنه يجب تصحيح العلاقة والشراكة، واقر بأن هناك تجاوزات واخطاء حصلت، ولكن يجب ترميم العلاقة وتحسينها. فكان جواب القوات بأنها حريصة على التفاهم المسيحي، ولكن ماذا حصل بإعلان النوايا، وبالاتفاق السياسي؟ وهل هناك امكانية لإعادة ترتيبها على أسس واضحة.
أما زيارة وفد اللقاء الديمقراطي، فكانت بعد انزعاج القوات من ترشيح ناجي البستاني، خصوصاً أنه من دير القمر مسقط رأس جورج عدوان، وثانياً لأنه توكل عن دعاوى ضد جعجع. لكن النائب أكرم شهيب شرح حيثيات هذا الترشيح، وذلك لسببين، الأول أن يذهب البستاني إلى التحالف مع وئام وهاب، ما سيمنح وهاب احتمال تحقيق اصوات لا بأس بها، لأن البستاني قادر على تجيير نحو ٨ آلاف صوت. وهذا يعني أن بإمكان هذه اللائحة الحصول على الحاصل الانتخابي. وهذا ما يريد جنبلاط أن يقطع الطريق عليه، وبالتالي فليكن البستاني في صفّهم افضل من أن يكون في وجههم. والسبب الثاني هو أن موقف الحريري حتى الآن لا يزال غامضاً. ما يسهم في تضييع الجميع. وقال شهيب لجعجع: "متل ما انتو ضايعين من موقف سعد نحن كمان ضايعين". وتشير المصادر إلى أن الحزب الاشتراكي ابدى تفهّمه لترشيح جعجع أنيس نصار في عاليه، وتمت معالجة هذا الأمر، فيما موضوع الترشيحات في الشوف، سيبقى مفتوحاً على مزيد من الاتصالات والمشاورات.