تمهيد:
"ونحو تلك الكأس المقلوبة التي تُدعى السماء
التي تحتها نعيش ونموت كالحشرات،
لا ترفع يديك طلباً للعون
فهي أيضاً مغلوبة على أمرها، مثلي ومثلك."
عمر الخيام.
في خضم الأحداث الدموية التي تشهدها معظم البلدان العربية والإسلامية، وطرقت أبواب إيران خلال الأسبوعين الماضيين، غاب عن معظم المحلّلين والمتابعين للحدث الإيراني أنّه ليس مفصولاً عن مجمل ما يصيب الحركات الإسلامية الأصولية في العالم الإسلامي برمّته.
أولاً: صعود الفكر الأصولي التقليدي
بعد الحرب العالمية الثانية، تمكنت القوى العظمى الغربية من استيعاب حركات التحرر الوطني السياسية، ونجحت في تحجيم دور التيار الإسلامي وقلّصت دوره وحولته إلى دور ثانوي أو مساعد.وساعدت على ذلك عدة عوامل، لعلّ أبرزها هزيمة الجيوش العربية عام ١٩٦٧، وفشل التجربة الناصرية وموت صاحبها عام ١٩٧٠، وظهور أول علامات انحسار الفعالية السوفيتية، ترافق ذلك الازدياد الهائل في عدد السكان، وانكشاف محدودية سلاح البترول، وتقلُّص مشروعية الأنظمة "الوطنية" إلى أقصى حد، بعد كل ذلك أصبحت الساحة فارغة ومُهيّأة لدخول الحركات الأصولية إلى حلبة المسرح، هذه عوامل نجاح الحركات الأصولية، وهي عوامل سلبية أدّت إلى تقلُّص الأطر الاجتماعية للمعرفة في كل البلدان العربية والإسلامية، بمعنى أنّ المجتمع نتيجة أزماته وفقره وهمومه لم يعد يستطيع أن يفتح صدره للفكر الحرّ والنقدي، وإنّما فقط للفكر الأصولي، وأخذت الأصولية تحقق الانتصارات عن طريق الوصول إلى السلطة في إيران، وتواصل زحفها في مناطق أخرى من العالم العربي والإسلامي، وتواصل نضالها الهزيل والعالمي والشرعي والبطولي والمُرعب والتراجيدي، تواصله ضد عدو أكبر منها بما لا يقاس، عدو واثق من انتصاره عليها في نهاية المطاف، الانتصار الذي سيُخلّف كما نشهد الضحايا والدمار والعنف والمآسي.
إقرأ أيضا : إيران تستعد لأسوء الإحتمالات
ثانياً: أنبياء وثورات
قد يصحّ الزعم بأنّ هناك ثورة إسلامية واحدة هي ثورة النبي محمد (ص) ، وما عداها فتقليد باهت وجامد لا يأتي بشيءٍ جديد، ولا تشذّ عن ذلك الثورة الخمينية.
لقد شهد التاريخ البشري حدثان جديدان ، حدثان دشّنا عهداً تاريخياً جديداً ولمدة عصور طويلة، ظهور الأنبياء أو ظهور الخطاب النبوي، وظهور عقل التنوير والثورات السياسية الكبرى التي استلهمته الثورة الفرنسية . وآخر تجلّيات الخطاب النبوي كانت الظاهرة الخمينية وصعودها إلى السلطة بالثورة الإسلامية، حدث إسلامي كبير بحجمه ومحدوديته في آنٍ معاً، فقد خرجت من معطفها معظم الحركات الأصولية، أو أعطتها ثقة كبيرة بنفسها كي تتجرأ على المطالبة بالسلطة أو على الأقلّ الحلم بها.
إقرأ أيضا : عزل الحاكم لا يتم إلاَّ بشن الحروب!
ثالثاً: الثورة الخمينية
فرضت الثورة الإسلامية في إيران نفسها على اهتمام العالم منذ أن اندلعت قبل أربعين عاماً، فرضت نفسها عن طريق جرأتها السياسية وتضحياتها ومطالبها الجهادية المضادة للعولمة أو للهيمنة الغربية، أمّا الآن فالوضع مختلف، بعد كل ما حصل ويحصل في العالم العربي وحروبه المدمرة والمديدة، أعمال عنف هائلة تُرتكب تحت ظلال الثورة الخمينية وباسمها، الوضع مختلف اليوم في إيران نفسها، ينبغي النظر إلى حالة المجتمع قبل أن نتحدث عن الدين، فالمجتمع هو الذي يحسم لا الدين، أو لنقل أنّ حالة المجتمع هي التي تحسم كيفية التّديُن أو التّمسك بالدين، فإذا كان المجتمع فقيراً، مكتظاً بالسكان المهمشين المقهورين، ومليئاً بالمشاكل التي لا تجد لها حلولاً، وهي مجتمعات تختزن في احشائها قدراً كبيرا من العنف، راكمته المشاكل والكبت السياسي فإنّها لا محالة ستنفجر، وعند ذلك، لا يفيد أبداً رمي المشكلة على الامبريالية والمخربين والمارقين والخونة ، أو معالجة الأوضاع الاجتماعية بالقمع والسجن والتعذيب ودفن الرؤوس في الرمال.