يتصاعد التوتر بين موسكو وأنقرة في سوريا، في ظل غضب تركي من تمدد القوات الحكومية السورية في محافظة إدلب، وتلميحات روسية بوقوف أنقرة خلف استهداف أسراب من طائرات الدرون لقاعدتها العسكرية حميميم في محافظة اللاذقية.
ودفع هذا التوتر على ما يبدو وزيري خارجية كل من روسيا وإيران سيرجي لافروف ومحمد جواد ظريف للاجتماع الأربعاء في موسكو لبحث التصعيد التركي الذي قد يتخذ أبعادا أخرى بدأت مؤشراتها تطفو على السطح باستدعاء الخارجية التركية القائم بأعمال السفارة الأميركية لبحث التطورات السورية، وقبلها اتصال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو بنظيره الأردني أيمن الصفدي.
وكانت الخارجية التركية قد استدعت الثلاثاء كلا من سفيري إيران وروسيا للتنديد بتقدم الجيش السوري في إدلب.
ويقول متابعون إن العلاقات الروسية التركية تتدحرج بسرعة نحو الأسوأ وسط مخاوف الأخيرة من سحب ورقة إدلب منها، لافتين إلى أن هذا التوتر قد ينتهي بخروج تركيا من منصة أستانة التي تم التأسيس لها نهاية العام 2016 بعد اتفاق حلب الذي كانت أنقرة أحد مهندسيه بغية إرساء آلية لخفض التصعيد تمهيدا للحل السياسي، وهو ما تم بالفعل في 4 مناطق ومنها إدلب، بيد أن التطورات العسكرية الجارية هناك تجعل تركيا تشعر بأنها تعرضت لـ”خديعة”.
ويلفت هؤلاء إلى أن الوضع مشابه للفترة التي استبقت إسقاط تركيا لـ”طائرة سوخوي 24” الروسية في 24 نوفمبر 2015 والتي انجر عنها اتخاذ موسكو لجملة من الإجراءات العقابية بحق تركيا، وكادت تؤدي إلى منزلق خطير لولا اضطرار أنقرة إلى احتواء الأزمة والإقدام على تنازلات منها تقديم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتذارا للكرملين.
ويشير المتابعون إلى أن هناك ملامح استدارة تركية جديدة في سوريا، وهذا ترجم في إعادة تفعيل التواصل مع دول أوروبية مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن الملف السوري، رغم الخلافات في الكثير من الملفات الحيوية، مستدركين بالقول إن من الصعب على أنقرة أن تنقلب كليّا على روسيا لجهة أن الأخيرة تعد حاليا الطرف الأقوى في المعادلة السورية، لكنها قد تعمد إلى تفعيل العلاقات مع قوى نشطة في الملف لكسب أوراق جديدة لمواجهة احتكار روسيا له.
وأعلنت أنقرة الأربعاء أنها تعتزم استضافة لقاء على مستوى وزراء الخارجية حول سوريا، مؤكدة ضرورة اندماج عمليتي أستانة وسوتشي بشأن التسوية السورية مع عملية جنيف.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو “سنعقد في تركيا اجتماعا لوزراء خارجية الدول التي تشاطر بعضها المواقف من الأزمة السورية. لقد بحثنا هذا الموضوع مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا ونحاول تحديد موعد للاجتماع”.
وشدد جاويش أوغلو على ضرورة اندماج عمليتي سوتشي وأستانة مع عملية السلام في جنيف، التي دعا إلى إنعاشها بعد أن “فشلت في بحث شيء ما حتى الآن”.
وتنضم تركيا بذلك إلى قائمة الدول التي تطالب بجعل سوتشي وأستانة جزءا من عملية جنيف، في ظل تخوف واضح من أن تكون المنصتان بديلا روسيا عن المنبر الذي ترعاه الأمم المتحدة منذ العام 2012.
مولود جاويش أوغلو: ضرورة اندماج عمليتي سوتشي وأستانة مع عملية السلام في جنيف
وفي معرض حديثه عن مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي تعمل روسيا على تنظيمه في سوتشي في 29 و30 من الشهر الحالي، قال الوزير التركي إنه يجب على الدول الضامنة للهدنة في سوريا وهي روسيا وتركيا وإيران، تحديد الأطراف التي ستشارك فيه.
وجدد جاويش أوغلو التأكيد على أن بلاده لن تقبل بمشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في مؤتمر سوتشي، الذي تعتبره امتدادا سوريا لحزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابيا في تركيا.
وتصر روسيا على حضور الاتحاد الديمقراطي باعتباره المكون السياسي الكردي الأبرز على الساحة السورية والذي يسيطر جناحه العسكري، وحدات حماية الشعب، على ربع المساحة في سوريا. وذكر حزب الاتحاد أنه تسلم فعليا دعوة روسية للمشاركة في الاستحقاق، وأنه ينوي تلبية الدعوة.
وتشكل مشاركة الاتحاد الديمقراطي في سوتشي أحد الأسباب الرئيسية في التوتر القائم بين تركيا وروسيا، تنضاف إليها العملية العسكرية التي أطلقها الجيش السوري عند الأطراف الجنوبية والشرقية لإدلب، هذه المحافظة التي تعد الوحيدة اليوم خارجة كليا عن سيطرة النظام، وتعتبر مركز ثقل النفوذ التركي في سوريا.
ودعا الوزير التركي إلى وقف ما اعتبره هجمات الجيش السوري على قوات “المعارضة المعتدلة” بذريعة مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أنه إذا كانت هذه الهجمات تستهدف حمل بعض الجماعات على المشاركة في مؤتمر سوتشي، فإنها لن تحقق مبتغاها.
وقال وزير الخارجية التركي إن “إيران وروسيا يجب أن تتحملا مسؤولياتهما في سوريا”. وأضاف “إذا كنتم دولا ضامنة، والحال كذلك، فيجب وقف النظام. الأمر هناك لا يتعلق بمجرد هجوم جوي، النظام لديه نوايا أخرى وهو يتقدم في إدلب”.
ويستبعد مراقبون أن يفضي التصعيد التركي إلى تغيير في الموقف الروسي حيال عملية إدلب، التي يبدو أنها لا تقتصر فقط على الأطراف الجنوبية والشرقية، وهو ما يجعل الأتراك في حالة من “الهيستيريا”.
ويشير المراقبون إلى أن سيطرة النظام على إدلب، التي تعد معقل الجماعات الإسلامية والجهادية وعلى رأسها جبهة النصرة، ستعني بالضرورة حسم الصراع عسكريا لصالح الأسد وحلفائه، وستعني خروج تركيا من المعادلة هناك، فضلا عن تدفق سيل من نازحي المحافظة إليها.
ولا تخيف العملية العسكرية في إدلب فقط تركيا بل وحتى القوى الغربية المنخرطة في الأزمة السورية، ومنها فرنسا.
وقالت الخارجية الفرنسية الأربعاء في بيان “تدين فرنسا القصف المكثف الذي نفذه سلاح الجو التابع لنظام بشار الأسد وحلفائه في منطقة إدلب في الأيام الأخيرة، لا سيما تلك التي استهدفت السكان المدنيين وعددا من المستشفيات”.
وشددت باريس على “ضرورة احترام الالتزامات التي قدمت في أستانة كي يتوقف العنف بأسرع ما يمكن. لا بد من ضمان فوري لوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وشامل ودون عوائق لجميع المحتاجين”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قام قبل أيام بزيارة إلى باريس، حيث التقى بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون وبحث معه جملة من الملفات، ومن بينها التطورات في إدلب، وما يمكن أن ينجر عنها من تبعات سواء على أطراف الصراع أو موجة اللجوء التي تروج أنقرة إلى أنها لن تكون المتضررة وحدها منها بل وأوروبا أيضا.
وبدأ الجيش السوري هجوما في أواخر أكتوبر انطلق من محافظة حماة بمساعدة مقاتلين تدعمهم إيران والقوة الجوية الروسية. وبحلول مطلع الأسبوع الجاري تقدمت هذه القوات إلى داخل إدلب وباتت اليوم في محيط مطار أبوضهور العسكري، بعد أن سيطرت على العشرات من القرى القريبة منه.