يُقال إنها عاصمة لبنان الثانية، وما أبعد واقعها عن ذلك، وكم هذه التسمية فضفاضة على مدينة تستقبلك بروائح النفايات القاتلة، تزور مياه الصرف الصحي عتبات بيوتها بعد كل شتوة، ويعاني أكثر من نصف شبابها من البطالة، ويعمل القسم الآخرpart time لصالح زحمة السير... وتغصّ الصفحات عن استيعاب كل ما يشوّه جمال عروسة الشمال التي عانت ما عانته من السمسرات السياسية على دماء أبنائها ودفعت أمنها واستقرارها لسنوات ثمناً باهظاً على مذبح التبعية، وُعدت بخطة إنمائية بعد الخطة الأمنية ولا زالت تنتظر...
أما اليوم، تقول مصادر محلية إن المدينة على موعد مع الإنماء، إذ علم "ليبانون ديبايت" أن التحضيرات جارية لعقد جلسة لمجلس الوزراء في طرابلس في 27 كانون الجاري، بهدف إقرار سلسلة من المشاريع الإنمائية للمدينة والشمال. وهي الجلسة التي كان قد وعد بها رئيس الحكومة سعد الحريري عدة مرات وكانت الظروف تحول بينه وبين تحقيق وعده.
فهل تكون هذه الجلسة بادرة خير لفتح بوابة الإنماء في مدينة أضلّ المعنيون طريقها إلا قبل قرع أجراس الانتخابات النيابية؟
تؤكد الوزيرة الطرابلسية السابقة ريّا الحسن أن هذه الخطوة تأتي في إطار تنفيذ فكرة الحريري بعقد جلسات لمجلس الوزراء في كل المحافظات، للتركيز على المطالب الإنمائية لكل محافظة.
وهي الفكرة التي تعكس رغبة رئيس الحكومة ومجلس الوزراء أجمع بالتركيز على الإنماء المتوازن في المناطق، ما يخلق فرص عمل على جميع الأراضي اللبنانية وليس فقط في العاصمة. "وارتأى الحريري أن تكون البداية من طرابلس ربما لأن وضعها الاقتصادي الاجتماعي سيء".
وأشارت الحسن في حديثها لـ"ليبانون ديبايت" إلى أنه سيتم في الجلسة عرض سلّة من المشاريع الإنمائية للشمال، وتمنّت في حال إقرار هذه المشاريع أن تساهم بتحضير الأرضية لجلب استثمارات على المدينة والمحافظة.
قد يقول أحدهم إن اتخاذ القرارات بالمشاريع الإنمائية يمكن أن يكون من بيروت، المهم وجود النية لتنفيذ هذه المشاريع، فهل هذه النية موجودة؟
تجيب الحسن، "بالتأكيد يمكن أخذ قرار الإنماء من العاصمة ولكن لهذه الخطوة أهمية معنوية تبيّن أن مجلس الوزراء بكل أطرافه السياسية يزور المحافظات ليلتفت للحاجات الإنمائية لهذه المناطق، ما يعطي زخماً جديداً للعمل الحكومي في المناطق".
في المقابل، تفيد مصادر مقربة من الجماعة الإسلامية في طرابلس أن أهمية هذه الخطوة تأتي من كون "طرابلس شبه منسية، المشاريع فيها معطلة، نسب البطالة مرتفعة، ظروف معيشية صعبة، ومرّت بظروف أمنية أصعب بين 2011 و2014".
وتتمنى المصادر أن تكون هذه الجلسة بداية خير للمدينة، وأن يتم من خلالها رصد عدد لا بأس به من المساعدات، ويلزموا المدينة مشاريع جديد. فـ"أهالي الشمال شبعوا من المشاكل والتوترات وهم بحاجة للسلم الأهلي والتعايش وتحقيق الاستقرار الأمني والإنمائي".
وتؤكد المصادر نفسها أن لا ممثلين عن الجماعة الإسلامية في الجلسة المرتقبة، كونهم غير موجودين في الحكومة، ولكنها لا تنفي إمكانية أن عقد لقاءات جانبية قبل أو بعد انعقاد الجلسة مع أقطاب مجلس الوزراء.
حتى الساعة لم يتم دعوة هيئات المجتمع المدني لهذه الجلسة، كما تؤكد رئيسة بلدية الظل في طرابلس ريان كمون لـ"ليبانون ديبايت".
ترى كمون في هذه الجلسة لفتة إيجابية لا سيما أن طرابلس تشعر بأن الدولة لا تعطيها الاهتمام الكافي من حيث المشاريع الإنمائية. وتتمنى كمون أن تضم الجلسة ممثلين عن المجتمع المدني والأهلي في طرابلس وعدم الاكتفاء بممثلي الأحزاب والتيارات السياسية، لتكون جلسة فعالة يتم خلالها مناقشة حاجات المدينة وأهلها مع مجلس الوزراء وألا تكون جلسة استعراضية وحسب.
وعن أهم المشاريع التي يجب أن تكون على جدول أعمال الجلسة تقول، "مطلبنا الأول إيجاد حل سريع لجبل النفايات، بالإضافة لإقرار المشاريع العالقة ومنها الحزام الشرقي وهو اوتوستراد دائري يجمع بين البحصاص، الكورة وأبي سمرة، والذي له أن يحل جزء كبير من ازمة السير في هذه المناطق، ومشاريع محطات التسفير التي تحدد محطات خاصة للباصات خارج المدينة ولها تخفف من زحمة السير في المدينة".
بينما لا يعوّل مواطنو الشمال على هذه الجلسة، إذ يعتقد عبدالله علم الدين أن تأجيل هذه الجلسة منذ فترة كان متعلقاً بالاستفادة الانتخابية منها لا أكثر ولا أقل، و"هذه الجلسة هي فقط لشد عصب الشارع".
أما القرارات التي ستصدر عن الجلسة، لا يظن علم الدين أنه سيتم تنفيذها قبل الانتخابات لأن الوقت أصبح داهم، أما بعد الانتخابات فـ"تطير المشاريع ليعاود البحث بها في 2022"، أي في المحطة الانتخابية المقبلة.
فهل تصدق هواجس علم الدين وغيره من الشماليين، أم أن مجلس الوزراء سيفاجئ الطرابلسيين بإنماءٍ طال انتظاره؟