يحافظ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على حالة الغموض التي تحيط بمستقبله السياسي، تاركا الباب مفتوحا أمام تكهنات بشأن نواياه الانتخابية، ولم يعلن حتى الآن ما إذا كان سيشارك في الانتخابات من منصة ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه غريمه اللدود نوري المالكي، أم سيتجه إلى قيادة قائمة جديدة.
ويترقّب العراقيون النتائج التي ستصدر عن اجتماع مجلس شورى حزب الدعوة المنعقد أمس إلى وقت متأخر لمعرفة خيار الحزب في التقدم بقوائم مشتركة أم أن الخلاف بين العبادي والمالكي أكبر من أن يحسمه مجلس الشورى.
وبحسب وثائق مفوضية الانتخابات، فإن العبادي تقدم لانتخابات 2014 زعيما لـ”كيان سياسي” يحمل اسم “دولة القانون”، ليكون لاحقا جزءا من مكونات “ائتلاف دولة القانون”، الذي يتزعمه المالكي.
وتسجل مفوضية الانتخابات الكيانات السياسية أولا، ثم تعود لتسجيلها في تحالفات انتخابية أكبر، تتضمن تقديم أسماء جميع المرشحين إلى الانتخابات الذين عليهم أن يجتازوا اختبار عدم شمولهم بإجراءات “اجتثاث البعث”، قبل أن يكونوا مؤهلين للترشح.
ويشغل العبادي منصبا رفيعا في حزب الدعوة، الذي يتزعمه المالكي أيضا. ومنذ تسلمه منصب رئيس الوزراء في 2014، ترد أنباء عن نيته مغادرة حزب الدعوة، وسط ترجيحات بـ”استحالة ذلك”.
ويقول مراقبون إن “فرص حزب حديث التشكّل في الحصول على منصب رئيس الوزراء في العراق تكاد تكون معدومة”. ويضيف هؤلاء أن “العبادي لن يجازف بخسارة ثقل حزب الدعوة السياسي، الذي سيحتاجه كثيرا في حال أراد البقاء في منصبه لولاية ثانية”.
وبينما أغلقت مفوضية الانتخابات باب تسجيل الأحزاب الجديدة، تنتهي اليوم الخميس، المهلة القانونية لتسجيل التحالفات السياسية التي ستشارك في الانتخابات.
وما لم يكن العبادي سجل حزبه الخاص سرا، فإنه لن يتمكن من ذلك بعد الآن، فيما سيكون مضطرا لتقديم أسماء مرشحي قائمته في غضون 24 ساعة إذا أراد ضمان المشاركة في الانتخابات، ما لم تمدد المفوضية المختصة هذه المهلة.
وتقول مصادر مطلعة على كواليس النقاشات داخل الحزب الحاكم في العراق إن “الجميع يترقب الكشف عن نوايا العبادي الانتخابية”.
وسبق للمالكي أن أكد التسريبات التي أشارت إلى نية حزب الدعوة خوض الانتخابات المقبلة بقائمتين منفصلتين. لكن العبادي لم يتطرق إلى الأمر، رافضا الإجابة عن أسئلة الصحافيين المتكررة التي تتعلق بهذا الشأن.
وتسرّب أن المالكي والعبادي اختلفا على “الرقم 1″ في القائمة الانتخابية الخاصة باقتراع 2018، إذ طالب به كل منهما.
وشغل العبادي مناصب رفيعة منذ 2006، لكن ترشيحه العام 2014 لمنصب رئيس الوزراء كان مفاجئا للكثيرين.
مراقب سياسي: العبادي أخفق في استثمار الكثير من الفرص التي كان من الممكن أن يتحول من خلالها إلى شخصية وطنية عابرة للطوائف
ويقول مراقب سياسي عراقي إن العبادي أخفق في استثمار الكثير من الفرص التي كان من الممكن أن يتحول من خلالها إلى شخصية وطنية عابرة للطوائف، مشيرا إلى أن أطرافا عديدة، بعضها شعبي (التيار الصدري) والبعض الآخر يمثل المجتمع المدني، سعت لإسناد العبادي وتشجيعه على كسر طوق حزب الدعوة والوقوف خارج مناطق التحالفات السائدة غير أن كل تلك المحاولات فشلت بسبب تردده.
وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن العبادي يدرك أن المالكي، وهو زعيمه وخصمه في الوقت نفسه، قد تمكن عبر ثماني سنوات هي مدة حكمه من التغلغل في الطبقات العميقة للدولة ما مكنه من إقامة ممرات سرية هي أشبه بدولة داخل الدولة، ولذلك فإن رئيس الوزراء الحالي يعرف أن أي محاولة للانفصال عن حزب الدعوة قد تؤدي إلى أن تفلت خيوط اللعبة من يديه.
وتساءل إذا كان العبادي نفسه لا يراهن على ظهوره منفردا، فكيف يراهن عليه الآخرون وهو لا يزال الشخصية الأضعف بين رموز السلطة الطائفية؟
وعرف العبادي بولائه للمالكي خلال ولايتين قضاهما في منصب رئيس الوزراء، وكان أحد الوجوه المدافعة عن أداء حكومته. وبتوليه منصب رئيس الوزراء، أثار العبادي غضب المالكي عندما قال إنه تسلم خزينة الدولة فارغة من سلفه، موجها انتقادات حادة لـ”القائد الضرورة”، في إشارة إلى رئيس الوزراء السابق.
واعتبر مراقبون هذا الجدل بين العبادي والمالكي دليلا على استحالة مشاركتهما في الانتخابات بقائمة واحدة.
وتقول مصادر “العرب”، إن “أبرز قيادات حزب الدعوة، لا تعرف ما إذا كان العبادي سيشارك في الانتخابات عبر قائمة المالكي، أو سيشكل قائمة خاصة”.
وعقد العبادي لقاءات مع ممثلين عن تجمعات سياسية شيعية تشكلت حديثا، وتسربت أنباء بشأن الاتفاق معها على الدخول في قائمته الجديدة.
لكن شخصيات سياسية شيعية قالت لـ”العرب”، إن “العبادي سيدعم القوائم الانتخابية التي يشكلها هؤلاء، لكنه لن يشرّكهم في قائمته”.
ويقول مراقبون إن “العبادي يحاول تنويع حظوظه الانتخابية عبر مد جسور التفاهم مع ما يعرف في الانتخابات العراقية بالقوائم الرديفة”.
والقوائم الرديفة هي تكتلات انتخابية يشكلها زعماء بارزون بالإضافة إلى تكتلاتهم الرئيسية، للمشاركة في الانتخابات ولكنهم لا يترأسونها، وفي حال فوزها في الانتخابات يضمونها إلى تكتلهم الرئيسي داخل البرلمان.
وبدا في الأيام القليلة الماضية أن العبادي مصر على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في 12 مايو القادم، فيما أعلنت مفوضية الانتخابات عن تزايد أعداد التحالفات التي تقدمت للتسجيل إلى 19. وتنتهي اليوم الخميس مهلة تسجيل التحالفات.
وأعلن رئيس الإدارة الانتخابية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، رياض البدران، الأربعاء، أن “عدد طلبات التسجيل للتحالفات الانتخابية بلغ 27 طلبا”، وأن التحالفات الانتخابية التي سجلت لدى المفوضية بلغت 19 تحالفا انتخابيا.