مرسوم الاقدميات وقانون الانتخاب، وجهان لاشتباك سياسي متفاقم بين بعبدا وعين التينة، والغموض يكتنف السقف الذي سيبلغه مناخ التحدي بين الرئاستين الاولى والثانية. ويبدو انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ومن معهما، قد بدأوا يتصرفون وكأنّ الاشتباك مفتوح الى أجل غير مسمّى، وساحة المواجهة محكومة بتبادل الإصرار على الموقف من دون إقدام اي من الرئيسين على تراجع يمكن ان يعتبر نقطة تسجّل لمصلحة الآخر، ومحكومة ايضاً بزيت يُصبّ على نار الاشتباك عبر الادلاء بتفسيرات واجتهادات لِما هو قانوني وغير قانوني، وذلك ربطاً بما يحيط مرسوم الاقدميات من تفسيرات متناقضة ومتباعدة جداً بين بعبدا وعين التينة، وكذلك الامر في ما خَصّ قانون الانتخاب الذي يسعى «التيار الوطني الحر» الى إدخال تعديلات عليه، ولا سيما في المادة التي تلحظ البطاقة الممغنطة، فيما يرى بري ان لا حاجة للتعديل لأنّ القانون المذكور استدركَ هذه المسألة خلال إقراره، حيث حدّد البدائل سلفاً باستخدام بطاقة الهوية او جواز السفر في يوم الانتخاب.

في ظل هذا المناخ المتوتر، يبدو انّ فوّهة الاشتباك الرئاسي صارت من الاتساع ما قد يَستولد عناصر توتر إضافية. فالفتيل اشتعلَ مع مرسوم الاقدميات، وسرعان ما تمددت النار الى قانون الانتخابات من باب الخلاف على سلة تعديلات عليه، وليس معلوماً الى ايّ ملف آخر ستتمدّد.

واذا كانت الرئاستان قد سلّمتا ببلوغ مرسوم الاقدميات الحائط المسدود، وكل منهما رمى مسؤولية التراجع عن الخطأ على الآخر، وتمترسا في موقع المتلقّي الذي لا شيء عنده يضيفه على موقفه، فإنّ ساحة القانون الانتخابي باتت مفتوحة على تفاعلات كبيرة، تؤشر اليها الاتهامات المباشرة وغير المباشرة التي يتبادلها الطرفان.

الصورة الرئاسية تعكس انّ عون وبري التقيا على القول إنّ الانتخابات ستجري في موعدها المحدد، ولا عوائق تؤخرها او تمنع إجراءها، حيث قال رئيس الجمهورية: «انّ الانتخابات النيابية ستجري في موعدها وفق نظام انتخابي جديد يعكس الارادة الحقيقية للمواطنين».

امّا رئيس مجلس النواب فنقل عنه «نواب الاربعاء» تأكيده وإصراره على إجراء الانتخابات في موعدها، وشدّد على «انّ محاولات البعض طرح وإثارة بعض الاشكاليات لن تحول دون هذا الاستحقاق».

وفي معرض الحديث عن «الميغاسنتر» قال انه «كان أوّل من طالبَ بالتسجيل المُسبق في حين كان البعض ممّن يطالبون به اليوم أشد المعارضين لهذا الموضوع». واكد انّ «مثل هذه التعديلات اليوم يفتح الباب للإطاحة بالقانون وبالتالي تطيير الانتخابات، وهذا لن نسمح به ابداً».

«التيار» مستاء

امّا صورة المواقف المحيطة بهما، فتعكس استياء «التيار الوطني الحر» مما سَمّته اوساطه «الاعتراض غير المبرر من الرئيس بري وفريقه حول طرح «التيار» بتعديل المادة المتعلقة بالبطاقة الممغنطة، التي اذا ما عُدّلت تعرّض الانتخابات للطعن.

واكدت الاوساط انها ماضية في موقفها الداعي الى وجوب تعديل القانون في هذه المادة، اولاً من باب الحرص على انتخابات لا يشوبها اي خلل، وثانياً من موقع الحق لـ«التيار» في تقديم الطرح الذي يراه مناسباً لتطوير القانون، والمؤسف انّ هناك من يضع العصي في الدواليب، ولا يجوز ان يقفل باب المجلس النيابي امام محاولة تنقية القانون الانتخابي من خلل يَعتريه».

وإذ اكدت أوساط «التيار» حصول الانتخابات في موعدها، إستغربت القول إنّ محاولة ادخال تعديل على القانون الانتخابي يهدد الانتخابات، ووصفته بأنه «قول تهويلي لا ينطبق مع الواقع».

امّا اوساط رئيس مجلس النواب فعبّرت عن الريبة ممّا سَمّته «إصرار البعض («التيار الوطني الحر») على إدخال تعديلات على قانون الانتخاب، وبطريقة فيها شيء من التحدي والاستفزاز، فقانون الانتخاب نفسه لحظ البديل عن البطاقة الممغنطة، اي جواز السفر وبطاقة الهوية، وبالتالي لا لزوم لتعديلها.

وعلى ما يبدو، المسألة ليست متعلقة بالبطاقة الممغنطة، بل يبدو انّ هناك اموراً اخرى تحضّر لتُطرح في حال عقدت جلسة تشريعية حول قانون الانتخاب، وكلّنا نعلم انه في اللحظة التي أقر فيها مجلس النواب قانون الانتخاب الجديد، صدر موقف عن رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل، وتحدث فيه عن سلة تعديلات سيطرحها «التيار» حول قانون الانتخاب، وموقف رئيس المجلس واضح بأنه لن يدعو الى جلسة من هذا النوع، ولن يفتح الباب على بازار تعديلات قد يبدأ ولا ينتهي، ويمكن ان يؤدي الى مشكلة كبيرة ترتد سلباً ليس على القانون فقط، بل على الانتخابات نفسها».

الحريري

في هذه الاجواء، تبدو حركة رئيس الحكومة سعد الحريري جامدة حيال الازمة، امّا شعاره المرفوع حالياً فهو الاستمرار في التريّث في نشر مرسوم الاقدميات في الجريدة الرسمية، من دون تحديد سقف زمني لهذا التريّث، لعل الايام المقبلة تمكّنه من بلوغ حل يوفّق بين الرئيسين.

وقالت مصادر قريبة من الحريري لـ«الجمهورية» انه يعمل بصمت حيال الازمة القائمة بين عون وبري، والتواصل لم ينقطع لا مع رئيس الجمهورية ولا مع رئيس المجلس. صحيح لا يمكن القول حتى الآن إنه حقق تقدماً ملموساً، الّا انه لا يعتبر انّ الابواب مقفلة ويمكن ان يبرز المخرج في اي لحظة».

واكدت المصادر انّ الحريري «يدرك انّ لهذه الازمة اضراراً كبيرة، وكل ما يسعى اليه هو الحفاظ على الاستقرار السياسي، والتوافق بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي».

وحول قانون الانتخاب قالت المصادر: «إنّ الانتخابات قائمة في موعدها، وليس هناك ما يهدد إجراءها، علماً انّ وزارة الداخلية قد أعدّت عدّتها لإجراء هذا الاستحقاق. امّا في ما خَصّ التعديلات المقترحة على القانون فقد انقسم الرأي حولها في اجتماع اللجنة الوزارية التي ترأسها الحريري امس الاول، الامر الذي يجعل من إدراجها في جدول اعمال جلسة تشريعية لمجلس النواب امراً صعباً».

«حزب الله»: لا وساطة

في هذا الوقت، رفض «حزب الله» ان يقوم بدور الوسيط لفَضّ الخلاف بين حليفيه عون وبري حول مرسوم الاقدميات. الّا انه، وكما كشف مصدر مسؤول في الحزب لـ«الجمهورية» بحث هذا الأمر معهما في اتصالات ولقاءات بعيدة من الاضواء، من دون ان تتمخّض عنها إيجابيات.

وقال المصدر: «لسنا الجهة الصالحة لأن نلعب دور الوسيط، فثمة شخص وحيد مؤهل لذلك هو الرئيس سعد الحريري على رغم انه شريك في مرسوم الاقدميات، وهذه المهمة تُلقى على عاتقه».

وكشفت مصادر سياسية مواكبة لأزمة المرسوم لـ«الجمهورية» انّ رفض «حزب الله» القيام بدور الوسيط، مَردّه الى سببين: الاول هو انّ الطرفين يعلمان ان الحزب ليس وسيطاً، وانّ موقفه هو الى جانب موقف بري في موضوع المرسوم، والرئيس بري يعرف ذلك والرئيس عون يعرف ذلك ايضاً.

وامّا السبب الثاني فهو انّ الوساطات السابقة التي قام بها آخرون، قد فشلت كلها واصطدمت بتصلّب كبير من هنا وهناك. ولذلك هو يعتبر انّ الجهة التي سببت ازمة المرسوم، أيّاً كانت هذه الجهة، هي المعنية بحل الازمة وإطفاء فتيل الاشتباك الراهن».

جنبلاط

ومساء، قال النائب وليد جنبلاط: «لم يكن هناك لزوم لمرسوم ضباط 1994، أمّا وقد خرَج فلا لزوم لعزل الرئيس برّي، وهو بمثابة عزل طائفة بأكملها»، لافتاً إلى أنّ «برّي أرسل لي مشروع حلّ لأزمة مرسوم الضباط من خلال النائب وائل أبو فاعور وهو سيقدّمه للحريري، وإذا وافق كان به، ومشروع الحل هو لإعادة الأمور الى دستوريتها».

الامم المتحدة

في غضون ذلك، قالت المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان برنيل داهلر كاردل، التي زارت وزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل: «اننا نتطلّع إلى انتخابات هادئة وشفافة في لبنان الربيع المقبل»، مشيرةً إلى أنّ «الانتخابات ضرورية حتى يكون لنساء ورجال لبنان رأي بالنسبة لمستقبل بلدهم ولحماية التقاليد الديموقراطية والاستقرار في لبنان». ونقلت إلى المشنوق دعم مجموعة الدعم الدولية لتحرّك وزارة الداخلية على صعيد تأمين مسار الاستحقاق الانتخابي بأفضل الشروط.

بدوره، أكد المشنوق الجهوزية الكاملة لوزارة الداخلية لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وطمأن الى أنّ «الأوضاع الأمنية تحت السيطرة».

«القوات» و«التيار»

وليل أمس، زار النائب ابراهيم كنعان معراب حيث التقى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وفي السياق قالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»، إنّ هذا «اللقاء هو جزء من حركة لإعادة ترتيب العلاقة القواتية - العونية بعد فترة التوتر التي شهدتها، وهناك محاولة لإعادة تزخيم التواصل وتوسيع مساحات التوافق والتقاطع بين «القوات» و«التيار»، وتلافي خروج الخلافات والإشكالات والتباينات إلى الإعلام ومعالجة الإختلافات ضمن قنوات التواصل المفتوحة بين الطرفين».

جلسة حكومية تربوية

على صعيد آخر، إزداد الملف التربوي تعقيداً بعدما أعلن إتحاد المؤسسات التربوية الخاصة انه «غير معني بالدرجات الست، وانها تَخصّ التعليم الرسمي فقط». وقال رئيس اللجنة الاسقفية للمدارس الكاثوليكية المطران حنا رحمة لـ«الجمهورية»: «إذا احتسَبنا الدرجات الست التي أقرَّتها السلسلة، فأدنى زيادة ستكون مليون ليرة لبنانية على قسط كلّ تلميذ».

امّا وزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة فاعتبر «انّ الحل الوحيد هو اعتماد التقسيط»، وقال لـ«الجمهورية»: «أرسلت مشروع قانون معجّل بجدولة القانون 46 بالنسبة للتعليم الخاص، مع جدولة زمنية للدفع على 3 سنوات، تحفظ للأساتذة حقوقهم ولا تُرهق الاهالي»، مشيراً إلى «انّ جلسة مجلس الوزراء اليوم لن تتطرق للملف التربوي ضمن جدول أعمالها، إلّا انّ رئيس الحكومة وَعَدني بتخصيص جلسة وزارية تربوية إستثنائية قريباً».

وعلمت «الجمهورية» انّ «الحريري سيستقبل اللجنة الاسقفية للمدارس الكاثوليكية الثلثاء المقبل، التي ستُطلعه على أدق تفاصيل الأزمة التربوية بحثاً عن حل لإنقاذ السنة الدراسية»