إذا كانت الأنظمة في معظم الدول غير الديموقراطية تواجه المعترضين، وجموع التظاهرات المطلبية بالقمع والسجن والقتل فقد يكون الأمر مفهوما، فمن طبيعة هذه الأنظمة الديكتاتورية أن تدافع عن نفسها وعن مصالحها واستمرارها بسدة الحكم مهما كلف الأمر، ومهما بلغ حجم الدمار، وهذا ما شهدناه ونشهده اليوم وعلى مر التاريخ.
أما في الأنظمة الدينية أو ذات الطابع الديني فان المشكلة تكون أكثر تعقيدا، لأن المتربع على كرسي الحكم لا يمثل شخصه فقط، فبرأيه هو تجسيد حي لعقيدته الدينية، واستهدافه هو استهداف لنفس الدين وهنا تكمن الخطورة، وهذا حال نظام الولي الفقيه في إيران.
إقرأ أيضًا: شلال جزين: طريق الوحل
المعترضون في شوارع المدن الإيرانية، وان كانوا يتحركون بخلفية الجوع والبطالة والفقر والأزمات الإجتماعية إلا أن اعتراضهم أعمق بكثير من مجرد القول أنهم غير راضين عن السياسات الاقتصادية للبلاد التي لم تجلب لهم الا الفقر، فبنظر أتباع فكرة ولاية الفقيه، هم يقولون بأن الإسلام ليس هو الحل، وبأن الاسلام لا يحمل علاجات إقتصادية، وبأن الإسلام لا يحمل نظرية حكم أصلًا.
بالمقابل، إذا ما اعترف النظام بفشله في تأمين متطلبات الشعب، وأقر بوجود أزمة حقيقية كما يحاول أن يفعل الرئيس حسن روحاني، فان هذا الإقرار لا يفضي إلى نزع الشرعية الدستورية عن الولي الفقيه بحسب المادة 109 من الدستور الإيراني التي تنص بأحد بنودها على شروط الولي الفقيه وضرورة تمتعه بالرؤية السياسية الصحيحة والكفاءة الإجتماعية والإدارية، بل هي إقرار بأن المرشد لم يكن يحكم وفق أحكام الإسلام، وإلا من أين أتت هذه المشكلات؟!
إقرأ أيضًا: كعك ماري انطوانيت، وقدس المرشد
أمام التظاهرات الشعبية، يجد النظام نفسه بين خيارين:
الأول: أن يفتح عقله ويضطر للقول بأن الإسلام لا يمتلك حلولًا إقتصادية ورؤية إلهية جاهزة، وبالتالي فهو بحاجة إلى علماء اقتصاد وسياسة اقتصادية بعيدًا عن الحوزة الدينية المنهمكة بأحكام العبيد وطهارة البئر، وبالتالي فضح أكذوبة "الإسلام السياسي".
ثانيًا: فتح السجون دفاعًا عن "الإسلام المحمدي الأصيل"، وهذا لا يحتاج من النظام لأكثر من وضع أصابعه في آذانه فلا يعود يسمع أنين الفقراء، ومن ثم استحضار الترياق السحري لعلاج ليس الفقر والجوع فقط بل لعلاج كل الأزمات الحالية وحتى القادمة، هذا الترياق اسمه "المؤامرة"... وعندما تكون هذه "المؤامرة" هي بتدبير أميركي إسرائيلي سعودي فهذا يعني بأن صرخات هؤلاء الفقراء هي أصوات شيطانية تستهدف الإسلام وبالتالي فان الواجب الشرعي ليس إطعامهم وتأمين فرص عمل لهم وإنما الحل الوحيد هو القمع الذي لا تشوبه أي إشكالية شرعية فهو حتمًا قمع حلال، وكفى الله المؤمنين شر الإصلاحات.