الشعب الإيراني كما الشعب العربي في ربيعه، انتفض بشجاعة من اجل لقمة العيش متحديا قمع النظام.
بطالة، تأخر في دفع الاجور، أجور منخفضة، تضخم، غلاء بعض السلع الاساسية، إفلاس مؤسسات مصرفية ومالية، "عقود بيضاء" يوقعها العمال ويتصرف بها صاحب العمل كما يشاء، مجموعة من المشكلات الاجتماعية تقاطعت مع بعضها لتولد نقمة شعبية عارمة.
الشعب الإيراني كما الشعب العربي في ربيعه،
رفع مطالب سياسية ضد النظام إلى جانب المطالب المعيشية، ليس فقط لأن الحريات السياسية مقيدة أو شبه غائبة، بل لأن الشعب يواجه نظام "الرأسمالية الزبائنية" الفاسدة، الذي يمتلك فيه اطراف السلطة السياسية واقاربهم واتباعهم المرافق والمؤسسات الاقتصادية والمالية.
الشعب الإيراني كما الشعب العربي في ربيعه، يواجه السلطة بفئاته الشابة، حيث ان 90 في المئة من المنتفضين المعتقلين، وبحسب وزارة الداخلية، هم ما دون سن الـ25.
الشعب الإيراني كما الشعب العربي في ربيعه، يفتقر في مواجهاته، إلى أحزاب وهيئات مدنية تعبر عن تطلعاته، بعد ان جرى القضاء على هذه القوى خلال مرحلة الاستبداد الطويلة. حتى اتباع "التيار الاخضر" الذين انتفضوا سنة 2009 يلتزمون الصمت حتى الآن.
ربما لان المنتفضين اليوم هم من الفئات الشعبية في المناطق المحافظة تقليديا، في حين ان "التيار الاخضر" يضم الطبقات المتوسطة الإصلاحية. وربما ايضا لأن هذا التيار لم يعد يرى افقا للتحرك بعد القمع الذي طاله منذ سنوات وأدى إلى سجن قياداته.
الشعب الإيراني كما الشعب العربي في ربيعه، يفتقر ايضا إلى نقابات مستقلة تدافع عن مصالح العمال، بعد ان تم فرض نظام النقابة الواحدة الرسمية التابعة للنظام والمسماة "مجالس العمل الاسلامية"، وبعد ان وضعت القيادات العمالية والنقابية المستقلة في السجون.
الحركة النقابية الدولية تصنف إيران في "الفئة الخامسة" من بين الدول المعتبرة "غير فاشلة"، وهي الفئة الأسوأ في مجال احترام الحقوق العمالية، حيث يجري مثلا القبض على متظاهرين يطالبون بدفع اجورهم، فتكبل اياديهم ويجبرون على المثول امام "المحاكم الثورية" بتهم من مثل "معاداة الله".
الشعب الإيراني كما الشعب العربي في ربيعه، جرى ويجري القضاء على ربيعه اليوم بالعنف المباشر.
الشعب الإيراني كما الشعب العربي محكوم بتحالف الأنظمة المستبدة في ايران وفي بعض البلدان العربية، وفي إطار نفوذ ايراني على هذه الدول العربية يحظى بشبه توافق دولي.
***
في احد كتبه، طرح سمير قصير معادلة "ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان"، في سياق فرضية الترابط بين القضيتين.
اليوم يتعاطى اللبنانيون المنقسمون مع الحدث الايراني، وكأن المعادلة اصبحت "ديموقراطية إيران واستقلال لبنان".
تحمل المعادلتان جانبا من الصحة، لكن المسألة أكثر تعقيدا كما دلت التجربة.
فمحاولات الاستقلال في لبنان ربما سهلت في الماضي محاولات الديموقراطية في سوريا، ومحاولات الديموقراطية في سوريا ربما سهلت بدورها محاولات الاستقلال في لبنان.
لكن تفاقم مشكلات الديموقراطية في لبنان، بفعل النظام الطائفي وتأثير عامل السلاح بعد محاولات الاستقلال، وبروز مشكلات الاستقلال في سوريا بفعل التدخلات الخارجية بعد محاولات الديموقراطية، اديا الى استفحال مشكلات الديموقراطية والاستقلال في سوريا ولبنان.
علاقة إيران بالدول العربية التي تبسط عليها نفوذها، أكثر تعقيدا عسكريا واقتصاديا ومذهبيا وقوميا من العلاقة التي كانت قائمة بين لبنان وسوريا.
اقتصاديا مثلا، الواضح من شعارات المحتجين انهم لا يجدون فائدة اقتصادية لهم اليوم في التوسع الإيراني الخارجي، بل هم يحتجون على انفاق مالية الدولة على أعمال عسكرية وقوى غير ايرانية، في غزة وسوريا ولبنان مثلا، بدل استخدامها في معالجة المشكلات الاجتماعية لشعبهم.
ليس معروفا بعد كيف سيتطور هذا الموقف، اذا ما بدأت السلطات الايرانية بجني ارباح توسع نفوذها، في استثمارات النفط او في اعمار سوريا، وحتى في الافادة من الاستثمارات الروسية والصينية في إيران. في ظل هذه التعقيدات، هل من معادلة بين إيران والبلدان العربية التي تدور في فلكها، يمكن ان تؤدي إلى تحرر الشعبين الايراني والعربي معا؟
ايا كانت هذه المعادلة، أكانت ذات تأثير مباشر على الوضع في لبنان أم لم تكن، أكانت لصالح هذا الفريق اللبناني المؤيد للانتفاضة الشعبية أم لم تكن، كل التضامن مع الشعب الايراني المطالب بتحسين معيشته وتأمين حرياته السياسية.
هذا التضامن مطلق وغير مشروط مثلا "في ان تساهم انتفاضة الشعب في تجذير المواجهة ضد السياسة الاميركية"، كما تحب ان تؤكد في تضامنها مع الانتفاضة بعض قوى اليسار اللبناني، المرتبكة بين ايديولوجيتها المساندة للطبقات الشعبية ومواقفها السياسية الداعمة للأنظمة المستبدة.