تحت عنوان "ثلاثة مصادر جديدة لزيادة القلق" كتب أنطوان فرح في صحيفة "الجمهورية": "لا تبدو مؤشرات العام 2018 المالية والاقتصادية مريحة، بدليل ان الايام الاولى من السنة الجديدة شهدت مجموعة تطورات تعكس في مجموعها الصعوبات المتوقعة في الايام المقبلة.
من حيث المبدأ، لا مفاجآت على المستوى المالي والاقتصادي، على اعتبار ان التعقيدات والصعوبات التي كانت قائمة في العام 2017 انتقلت كاملة الى العام 2018، مع ثلاثة مصادر سلبية اضافية:
الاول يرتبط بالتداعيات التي خلّفتها أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري، وما استتبعها من اجراءات أدّت في النتيجة الى رفع مستويات معدل الفوائد بحوالي 200 نقطة، وربما أكثر.
الثاني تراكمي، ويتعلق بنمو الدين العام التلقائي سنة بعد سنة، واستمرار الجمود في نمو حجم الاقتصاد، بما يعني ارتفاع كلفة خدمة الدين العام سنويا بما يوازي حوالي 8 الى 9 في المئة من حجم الناتج المحلي.
الثالث يتعلق بالتداعيات والنتائج التي ستظهر تباعا بسبب البدء في تطبيق سلسلة الرتب والرواتب، والتي اعتقد البعض انها قد تكون ايجابية لجهة تحريك حركة الاسواق. لكن تبين حتى الان، ان الحركة تزداد انكماشا، بما يؤشر الى غياب الثقة وتراجع القدرات الشرائية للمواطنين.
وهذا الوضع سيؤدي الى ضغوطات اضافية ستمارسها اتحادات ونقابات القطاع الخاص، لتصحيح الاجور، بما يهدد بالمزيد من التضخّم، وربما الافلاسات والبطالة.
بناء على هذه المؤشرات، ومع اتضاح حجم العجز الذي تعاني منه خزينة الدولة، وربما بسبب الضغط الذي غالبا ما يؤدي الى قرارات غير منطقية، برزت الأزمة التي نشأت بين وزارة المالية من جهةوبين المصارف من جهة أخرى. واذا كان المثل الشعبي يقول ان "القلّة تولّد النقار"، فان القلة في الخزينة لنتولّد الخلافات فقط، بل انها تهدّد بهدم الهيكل فوق رؤوس ابنائه.
وهنا لا بد من الاشارة الى استسهال زيادة الضغوطات على القطاع المصرفي لتحصيل المزيد من الاموال للخزينة ليس الطريقة الفضلى لمعالجة أزمة تفاقم العجز. والمقصود هنا ليس الدفاع عن مصالح المصارف، بقدر الدقاع عن مصالحاللبنانيين أنفسهم، لأن زيادة الضغط على هذا القطاع سيؤدي حتما الى زيادة الضغط على الناس.
وكثيرون يحلولهم ان يفصلوا بين حياة الناس، وبين مصالح المصارف. لكن الواقع ان المصلحتين مترابطتين، وصمود المواطن من صمود القطاع المصرفي.
لماذا نشأت الأزمة الأخيرة مع المصارف بعدما قررت وزارة المالية أن تشمل ضريبة الـ7في المئة على الفوائد القروض بين المصارف (Interbank)؟
في الواقع، وبسبب الوضع المالي والاقتصادي المتردي، وبسبب الشفافية المفروضة على المصارف في تقديم نتائج اعمالها ودفع الضرائب على ارباحها، بات البعض يعتبر ان المصارف خزانا لا ينضب من الاموال، وان في مقدور الدولة الاعتماد على سحب المزيد من الاموال من صناديق القطاع المصرفي كلما ضاقت بها الحال".
وقد أدّت هذه السياسة الى ارتفاع معدل الضريبة الفعلية المفروضة على المصارف عن المعدل المعتمد في فرض ضرائب الدخل والارباح على الشركات والمؤسسات.
في محاكاة أجرتها المصارف لمعرفة السقف الذي قد يبلغه معدل الضرائب عليها في حال تم الاصرار على ضريبة الـ7 في المئة على ودائعها في المركزي وعلى القروض الداخلية فيما بينها، وتبيّن ان هذا المعدّل سيرتفع الى حوالي 45 في المئة، وهي نسبة غير مقبولة بكل المقاييس، خصوصا في مقيا العدالة الضرائبيةوالمساواة، وهو مبدأ اساسي يؤدي تجاوزه الى مخاطر غير محدودة.
وبانتظار جلاء غبار المواجهة الجديدة بين المصارف والسلطة المتعطشة الى المزيد من الاموال لتغطية العجز المتنامي، لا بد من التذكير بأن الاستثمارات العربية والاجنبية في القطاع المصرفي، وهي استثمارات حيوية من حيث الحجم، ومن حيث التأثير المعنوي الايجابي، ستصبح عرضة للانسحاب اذا ما استمرت سياسة التذاكي لتحصيل اموال اضافية من القطاع المصرفي، ومن الناس من دون منطق مقبول.
وبالمناسبة، قد تأتي الضرائب الجديدة على حساب تقليص ارباح المصارف اكثر، لكنها قد تنتهي على حساب جيوب الناس، لأن المصارف قد تعمد في هذا الوضع الى زيادات في العرفات التشغيلية، بالاضافة الى احتمال رفع نشبة ضئيلة على فوائد القروض التي تمنحها للدولة. وفي هذه الحال، تكون السلطة كمن يلحس المبرد، وهي حتما لا تبحث بهذه الطريقة عن حل لأزمتها المالية المتراكمة والمستمرة في النمو.