تحت وطأة ضغوطات كادت تؤدي إلى «أزمة كبرى» تمكن اجتماع وزارة المال بين وزير المال علي حسن خليل ووزير الطاقة سيزار أبي خليل والاتحاد العمالي العام ونقابة العمال والمستخدمين في مؤسسة كهرباء لبنان من التوصّل إلى شبه اتفاق مبدئي، من شأنه إذا تحول إلى اتفاق بآلية تنفيذية ان يُعيد التيار الكهربائي إلى مناطق واسعة، تكاد تعادل أكثر من نصف مساحة لبنان جنوباً وبقاعاً وشمالاً وجبلاً وصولاً إلى العاصمة بيروت وينهي إضراب العمال والمستخدمين وجباة الاكراء في المؤسسة والمتعاقدين مع شركات مقدمي الخدمات.
ويأتي هذا الاتفاق على وقع احتدام الجدال الفقهي والدستوري والقضائي والإعلامي بين رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي حول التوقيع على المرسوم، وما إذا كان عادياً، وكيف يصبح نافذاً، ثم ما الجهة التي يجري الاحتكام إليها لبت النزاع، وكيف تكون الآلية.
المسألة، من وجهة نظر أوساط سياسية معنية، تتجاوز «الكيمياء الشخصية» بين الرئيسين عون وبري، لتصل إلى مسألة حماية السلطة والرئيس القوي، أو الاقوياء في طوائفهم..
وهي، تضيف الأوساط، تتجاوز الناحية الدستورية أو القانونية، أو «مداورة الاصول»، بتعبير المكتب الإعلامي للرئاسة الثانية، أو للاحتكام إلى القضاء، وفقاً للرئاسة الأولى، إلى ما هو أبعد ويتعلق بالنفوذ الرئاسي، أو بالحصص النيابية، والموقف بعد تشكيل المجلس الجديد.
وليس من قبيل الصدفة مثلاً ان تنطلق التحضيرات للانتخابات النيابية، لوجستياً، ومالياً، بانتظار دعوات الهيئات الناخبة قبل شهرين من التوجه إلى صناديق الاقتراع، منتصف شباط المقبل، مع إعلان استشعار بعبدا (مقدمة OTV مساء امس)، انه حيال الاستحقاق الانتخابي شاء «القدر نفسه ان يكون العهد وفريقه، قد فتحت في وجهه كل المعارك الخبيثة، وابيحت ضده كل الضربات تحت الزنار».
ومنها «الحريات المزعومة، والنفايات المأزومة والقضايا  المحكومة بالعرقلة والتشويش والاحباط والتفخيخ.. وبنيات مكتومة».
وفيما الرئيس الحريري منهمك بالتحضير للمؤتمرات الدولية الخاصة بلبنان، اكتفت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية بالبيان الصادر عن مكتب الإعلام في الرئاسة في ما خص مرسوم الاقدمية، وأشارت إلى ان ما من كلام آخر سوى مضمون البيان الصادر.
وفي السياق، كشف مصدر مطلع لـ«اللواء» عن اجتماع قريب سيعقد في بعبدا للمجلس الأعلى للدفاع.
أزمة المرسوم
وفي تقدير مصادر سياسية، انه بعد تجدد السجال المباشر بين الرئاستين الأولى والثانية، فإن حل أزمة مرسوم منح اقدمية سنة لضباط دورة العام 1994 بات يحتاج إلى «معجزة» حقيقية، بعد ان دخلت الأزمة في اسبوعها الرابع على التوالي في منحى يشتم منه انها تحوّلت من خلاف على أمر اجرائي إلى صراع سياسي بثوب دستوري وميثاقي، يخشى من ان يتفاعل في حال لجأ المتخاصمون إلى استخدام أدوات شارعية أو ربما مطلبية نقابية، للضغط على الأطراف الأخرى، ضمن «لعبة الكباش» الحاصلة بين بعبدا وعين التينة، أو «عض الاصابع» على غرار ما يحصل في إضراب عمال ومياومي مؤسسة كهرباء لبنان، مما دفع عضو تكتل «الاصلاح والتغيير» النائب آلان عون إلى القول بأن الرئيس ميشال عون سيكون «أخر من يصرخ».
وفي حال اشتداد هذا الصراع، فإنه سيكرس التباعد والقطيعة بين الرئاستين، وان تشهد وساطات رأب الصدع نوعاً من الفرملة أقله في المدى المنظور، وان يستمر الكباش على حاله، ربما إلى ما بعد الانتخابات النيابية في أيّار المقبل، لكن مع اتفاق ضمني بين بعبدا وعين التينة على وضع ملف أزمة المرسوم جانباً، ومنعه من التأثير على القضايا اليومية وعمل الحكومة والمجلس معاً، على أساس ان تنصرف كل مؤسسة دستورية إلى أداء ما عليها من واجبات، إلى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً بالنسبة للنتيجة التي ستسفر عليها الانتخابات من موازين قوى واحجام جديدة، تعيد لكل رئاسة حساباتها الجديدة، في حال تسنى للرئيس نبيه برّي النجاح في العودة إلى رئاسة السلطة التشريعية.
وفي هذا السياق، انصرفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلى وضع جدول أعمال الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء التي ستعقد الخميس المقبل في السراي الحكومي، والذي يفترض ان يوزع اليوم على الوزراء، وان كان مأمولاً ان يكون أحد موضوعاته ملف النفايات وملف الكهرباء في ضوء ما جرى على صعيد إضراب عمال المؤسسة والمياومين وجباة الاكراء، حيث نجح الاجتماع الذي جمع إلى وزير المال علي حسن خليل ووزير الطاقة سيزار أبي خليل ورئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر ونقابة المستخدمين والعمال في الوصول إلى نتيجة إيجابية تفسح في المجال امام هؤلاء العمال للعودة إلى أعمالهم المعطلة منذ قرابة العشرين يوماً، في حال تمّ تطبيق الاتفاق على المرسوم التطبيقي للقانون 46 المتعلق بسلسلة الرتب والرواتب.
وفيما حرص الوزير خليل على نفي وجود خلفيات سياسية لما يجري على صعيد إضراب عمال الكهرباء، مؤكداً ان لا أحداً في وارد توظيف هذه المسألة في مشكلة سياسية، لأن لدينا مشاكل سياسية كثيرة تكفينا ولا نريد ان نضيف عليها هذه المشكلة. كان لافتا للانتباه إصرار الرئيس برّي على حق المجلس في تفسير المواد الدستورية المختلف عليها، وليس أية جهة قضائية أو دستورية أخرى كمجلس شورى الدولة، ودعوته رئاسة الجمهورية إلى تصحيح الخطأ إذا لم يكن في الإمكان العودة عنه، معتبرا الجدل القائم حول دستورية مرسوم الضباط ليس مجرد إشكالية قانونية في مرسوم يطعن به امام مجلس شورى الدولة وإنما مخالفة صريحة لقاعدة دستورية تسمى «مداورة الاصول»، والتي تتصل بالالتفاف على اختصاص سلطة دستورية ومواد واضحة في الدستور.
والمقصود بعبارة «مداورة الاصول» والسلطة الدستورية، هي المجلس النيابي الذي سبق له ورفض اقتراح قانون بخصوص هؤلاء الضباط في العام 2014 واحاله إلى اللجان، فجاءت سلطة دستورية أخرى، هي هنا رئاسة الجمهورية بعملية التفاف على السلطة الأخرى، وتمرير مرسوم بدون علم وزير المال، باعتباره الطرف الثالث في التوقيع عليه.
ولم تستبعد مصادر مجلسية دخول رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية روبير غانم على خط «الكباش» بتأكيده ان لا قيمة قانونية لمرسوم الاقدمية لأنه بحاجة إلى تعديل القانون»، جزءا من لعبة الضغوط المتبادلة، من خلال تفسيره للمادة 47 من قانون الدفاع، والتي تسمح «منح الضباط اقدمية للترفيع بين ثلاثة أشهر وسنتين تقديماً لأعمال باهرة قاموا بها خلال عمليات حربية أو عمليات حفظ الأمن أو اشتباك مسلح في الداخل»، واستناداً إلى ذلك اعتبر غانم ان أي مرسوم صادر أو يصدر ليس له قيمة قانونية لأن علينا ان نعدل القانون حتى نستطيع ان نعطي الاقدمية».
اما عبارة «تصحيح الخطأ» بحسب مفهوم برّي فهي إعادة المرسوم إلى وزارة المال لتوقيع الوزير عليه، لكن مع إصرار الرئيس عون على نفاذ المرسوم يعني ان اعادته إلى وزير المال بعدما وضع توقيعه عليه، هو أمر من سابع المستحيلات دستوريا وقانونيا واجرائيا وسياسيا، بحسب تأكيد مصادر رسمية، ما يعني ان الأزمة ستراوح مكانها لفترة طويلة بعدما سدت أبواب الوساطات، وأعاد الرئيس برّي الأمر إلى المادتين 54 و56 من الدستور ورفضه الاحتكام إلى مجلس شورى الدولة في قضية يراها دستورية وميثاقية تتعلق بتوازن السلطات والمشاركة، في حين ترى المصادر الرسمية ان مرسوم الاقدمية مرسوم اجرائي تنفيذي عادي لا يحتاج إلى توقيع وزير المال، خلافا لحال صدور مرسوم ترقية الضباط، ويحق لأي متضرر أو من يجد خللا أو عيبا فيه ان يلجأ إلى القضاء المختص، كما هي العادة، وهي في هذه الحالة مجلس شورى الدولة.
وتُشير هذه المصادر إلى ان الرئيس عون أراد من بيان مكتبه الإعلامي وضع حدّ للسجال الدائر، لا سيما عبر الإعلام واللجوء إلى «المصادر» في تفسير الأمر او للاضاءة على موقف عون أو على أسباب الخلاف وظروفه وسبل حله.
وفي اعتقاد المتابعين للقضية، فإن أزمة المرسوم تنتظر ما بعد قرار الرئيس سعد الحريري تجميد نشر المرسوم لحين إقناع الرئيسين عون وبري بحل ما يسعى إليه، ولن تتضح تفاصيله في المدى المنظور، قبل نضوجه، إذا تسنت له الوسائل اللازمة للانضاج، لكن الساعين للحل يعتقدون ان الأزمة يجب ألا تطول، لأن البلد بعد اتفاق الطائف قائم على التوافق والتفاهم بين السلطات لا على تعاونها وتوازنها فقط، ولذلك لا بدّ من حل يرضي الرئيس برّي انطلاقاً من مبدأ المشاركة في القرار، ولو اضطر الأمر إلى إصدار مرسوم اقدمية جديد بتوقيع وزيري الدفاع والمالية ورئيس الحكومة، ويكون توقيع رئيس الجمهورية هو الأخير، ويبدو ان الرئيس برّي ليس بعيدا عن هذا التوجه، وربما قصد هذا المخرج ببيانه أمس من «تصحيح الخطأ ان لم يكن ممكنا العودة عنه».
اليعقوب
وسط هذا الجدل السياسي والقانوني، لفت الانتباه، خروج السفير السعودي الجديد في لبنان وليد اليعقوب عن صمته، في خلال زيارته التعارفية للمسؤولين اللبنانيين، باتهام «افرقاء في لبنان بأنهم لا يريدون ان تكون العلاقة بين المملكة ولبنان جيدة، مشيرا إلى انهم يعملون على تشويه هذه العلاقة بكل ما لديهم من قوة» الا انه أعلن انه «يعول على حكمة اللبنانيين في حل هذه المشكلة».
جاء كلام اليعقوب بعد لقائه  الرئيس نجيب ميقاتي الذي نبه بدوره «الى خطورة إطلاق المواقف التي تسيء الى لبنان وعلاقاته التاريخية مع الاخوة العرب، وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية، فعلينا أن نعمل جميعا لحماية لبنان وإبعاده قدر الامكان عما لا قدرة له عليه، وأن تحافظ العلاقات بين لبنان والمملكة العربية السعودية على تميزها التاريخي، خصوصا أن المملكة هي على الدوام خير سند وعضد للبنان واللبنانيين».ثم زار اليعقوب، رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ثم وزير الإعلام ملحم الرياشي فاللواء اشرف ريفي الذي شدّد على ان «من يعتقد انه يستطيع التشويش على هذه العلاقة التاريخية واهم»