تمر العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» في حال من التوتر الشديد يمكن أن تهدد «إعلان النيات» الذي وقعه العماد ميشال عون قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية وسمير جعجع في احتفالية أقيمت في مقر الأخير في معراب، وهذا ما يعترف به قياديون من الطرفين، بتأكيدهم في مجالسهم الخاصة أن التوتر بلغ ذروته ويمكن أن يتدحرج في اتجاه التأزم ما لم يصر إلى تداركه اليوم قبل الغد، إلا إذا كان لأحد الفريقين مصلحة في تحضير الأجواء لإنجاز أوراق الطلاق النهائي بين الطرفين الرئيسين في الساحة المسيحية.
ويقول مصدر سياسي مواكب مسار العلاقة بين الطرفين إن الخلاف بينهما يكاد يتجاوز الخط الأحمر ويعيد هذه العلاقة إلى ما كانت عليه قبل التوصل إلى «إعلان النيات» الذي سبقه موقف لجعجع أعلن فيه دعمه ترشح عون لرئاسة الجمهورية، أي إلى الأجواء التي خلفتها حرب الإلغاء بين الطرفين أثناء وجود عون على رأس الحكومة العسكرية.
ويلفت المصدر السياسي نفسه إلى أن العد العكسي الذي ينذر بإطاحة «إعلان النيات» بدأ بعد فترة قصيرة من تشكيل حكومة «استعادة الثقة» برئاسة الرئيس سعد الحريري ومشاركة «القوات» بثلاثة وزراء ورابع حليف هو النائب ميشال فرعون، ويقول إن «القوات» قرر أن يعض على الجرح انطلاقاً من حرصه على ديمومة المصالحة المسيحية- المسيحية التي رعاها عون وجعجع ولقيت ترحيباً في الشارع المسيحي بعد صراع دموي وسياسي دام أكثر من ربع قرن.
العودة الى الصراع؟
ويؤكد المصدر عينه أن العلاقة بين «التيار الوطني» و «القوات» تجاوزت كل الحدود وبلغت السقف الذي ينذر بالعودة إلى مرحلة الصراع السياسي، ما لم يتم التفاهم على نقاط الخلاف، خصوصاً أن إدارة تنظيم هذا الخلاف بين الطرفين ما زالت سائدة حتى الساعة.
ويكشف المصدر أن رئيس الجمهورية يفضل حتى الساعة عدم التدخل لإعادة الحرارة إلى العلاقة بين الطرفين، بذريعة أنه ارتأى لنفسه البقاء على مسافة واحدة منهما. ويقول إن أكثر من وزير في «القوات» كان أثار مسألة الخلاف مع رئيس «التيار الوطني» الوزير جبران باسيل في عدد من اللقاءات مع عون.
ويسأل ما إذا كان قرار الرئيس عدم التدخل لدى الطرفين بات يشجع باسيل على المضي قدماً في خلافه مع «القوات»، خصوصاً أن وزير الخارجية أدار ظهره لما هو وارد في الملحق الخاص بـ «إعلان النيات» الذي قد يضطر إلى الكشف عنه في الوقت المناسب لتبرئة ذمته من أي مسؤولية حيال تصاعد الخلاف مع باسيل الذي يلقى اعتراضاً صامتاً من نواب ومسؤولين في «التيار الوطني».
ويعتقد المصدر المواكب أن اهتزاز العلاقة بين «القوات» و «التيار الوطني» بدأ يطل برأسه من خلال التشكيلات الديبلوماسية والإدارية التي صدرت عن الحكومة حتى الآن والتي حصل باسيل فيها على الحصة الكبرى، ما يعني أنه أراد توجيه رسالة إلى المسيحيين بأنه الأقوى في شارعهم بلا منازع.
ويضيف أن «القوات» اكتفى بتسجيل اعتراض من دون أن يذهب بعيداً في موقفه إلى حد المساس المباشر بـ «إعلان النيات»، بخلاف رد فعله على استئجار بواخر لتوليد التيار الكهربائي الذي شاركه فيه وزراء «اللقاء النيابي الديموقراطي» وحركة «أمل» و «حزب الله» وتيار «المردة» والحزب السوري القومي الاجتماعي.
ويرى المصدر نفسه أن اعتراض وزراء «القوات» وغيرهم من الوزراء لا يكمن في رفضهم تأمين التيار الكهربائي وإنما هو اعتراض على الطريقة التي اتبعت في تلزيم استئجار البواخر وكانت موضع ترحيب من إدارة المناقصات وديوان المحاسبة.
انتفاضة باسيل
ويعتقد المصدر أن باسيل انتفض ضد «القوات» على موقفه من استئجار البواخر، على خلفية أنه مستاء من إدارته السياسية لبعض الملفات داخل مجلس الوزراء وأبرزها ملف الكهرباء، ويقول إن باسيل لوح أكثر من مرة باستعداده للدخول في مقايضة مع «القوات» مقابل مهادنته حول بعض هذه الملفات ولم يلق أي تجاوب من «القوات».
ويسأل المصدر المواكب ما إذا كان «التيار الوطني»، مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية واستعداده لخوضها في معظم الدوائر الانتخابية، وجد البديل السياسي للتحالف معه، في إشارة إلى التحالف الاستراتيجي بين باسيل و «تيار المستقبل» الذي يبدو أن لا عودة عنه.
وبكلام آخر، يعتقد المصدر هذا أن باسيل بدأ يخطط لتحجيم «القوات» بعد أن اكتشف أن هناك صعوبة في تنعيم موقفه أو إلحاقه على بياض بشروط «التيار الوطني»، وصولاً إلى تقديم نفسه على أنه الأقوى تمثيلاً في الشارع المسيحي وأنه وحده الحريص على استعادة حقوق المسيحيين.
لكن باسيل سيكتشف لاحقاً أن «القوات» لن يبادر، حتى إشعار آخر، إلى إطاحة «إعلان النيات» ولا المصالحة المسيحية- المسيحية، وبالتالي سيصل عاجلاً أو آجلاً إلى طريق مسدود، لأن «القوات» قرر الصمود واتباع سياسة النفس الطويل والصبر، ولن يسمح لباسيل بأن يحشره في الزاوية ويحمّله مسؤولية العودة بالشارع المسيحي إلى ما كان عليه أثناء «حرب الإلغاء» التي استهدفته وأحدثت ندوباً وجروحاً في الشارع المسيحي.
ويؤكد المصدر أيضاً أن باسيل ربما يراهن على عدم إصلاح ذات البين بين زعيم «تيار المستقبل» الرئيس الحريري وبين جعجع، وهو يحاول منذ الآن أن يبني حساباته السياسية على هذا الأساس. ويرى أنه يركن إلى مثل هذا الاحتمال، مع أن اللقاءات التي تعقد من حين إلى آخر بين وزير «القوات» ملحم رياشي وزميله في «المستقبل» الوزير غطاس خوري أدت إلى تنقية الأجواء وأعادت التهدئة إلى علاقتهما الثنائية بعد أن تبادلا العتاب حول ما جرى طوال الحقبة الزمنية التي تلازمت مع إعلان الحريري استقالته من الحكومة وعودته عنها لاحقاً.
ويجزم المصدر بأن لقاء القمة بين الحريري وجعجع سيعقد مهما طال أمد الانتظار، وأنه سيشكل مناسبة لتفعيل علاقتهما الثنائية على رغم أن أكثر من طرف كان يتوقع انعقاده بعد أيام من عودة الحريري عن استقالته.
ويسأل المصدر ما إذا كان هناك من عوائق لا تزال تحول دون اجتماعهما الثنائي على خلفية اختلافهما في القراءة السياسية للمرحلة التي استمرت فيها الاستقالة، مع اعترافه بأنها أحدثت ندوباً في العلاقة لا بد من طرحها في العمق وصولاً إلى تثبيت تحالفهما إلا إذا كانت هناك معطيات متبادلة وغير مرئية ما زالت تحول دون انعقاده.
ويؤكد أن في السياسة لا أحد بديل من الآخر وأن لبنان لا يستقر سياسياً إلا بشراكة فعلية بين المسيحيين والمسلمين وأن الأحادية بين هذا الطرف أو ذاك لا يمكن أن تدوم وتفتح الباب أمام عودة السجالات والتجاذبات السياسية.
وعليه، يمكن التساؤل هل أن العلاقة بين «التيار الوطني» و «القوات» بلغت مرحلة اللاعودة أم أنها وصلت إلى حدودها القصوى في التوتر، ما بات يستدعي من الطرفين الجلوس على طاولة المفاوضات للبحث في السبل الآيلة إلى إنعاش هذه العلاقة، خصوصاً أن «القوات»، كما يقول أحد وزرائه، لن يبادر إلى إطلاق النار على المصالحة المسيحية- المسيحية، وأن من يريد التفريط بهذه العلاقة عليه أن يمتلك الجرأة السياسية ويعلن ما يضمره بلا لف أو دوران.
لذلك يسأل المصدر المواكب ما إذا كان لدى الطرفين استعداد جدي لتحديد أسباب الخلاف لئلا تنحرف العلاقة بينهما في اتجاه الوصول إلى قناعة بإعلان الطلاق مع وقف التنفيذ.
حسابات انتخابية
في الإجابة عن السؤال، لا بد من التريث للتأكد من مدى جدية الطرفين في فتح مفاوضات حول التحالفات الانتخابية وهل أن باسيل في وارد فتح مثل هذا الملف أم أن لديه حسابات أخرى بدأ يؤسس لها ويعتقد أنها ستكون بمثابة الطريق الأقرب لضمان مستقبله السياسي أحد أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية، إضافة إلى ضرورة رصد الوجهة السياسية التي يفترض أن تستقر عليها علاقة «المستقبل» بـ «القوات» العالقة على لقاء منتظر بين الحريري وجعجع، وبالتالي هل يطمح باسيل إلى تسوية نزاعه مع «القوات» من زاوية أنه يخطط ليكون شريكه في «إعلان النيات» الحلقة الأضعف في التحالفات الانتخابية، وهذا لن يسلم به جعجع ويفضل الاحتكام إلى الناخبين لأن مثل هذا القرار يبقى بيدهم، لا سيما في الدوائر الانتخابية المشتركة.