لا تزال مشاركة المرأة في مجلس النواب هامشية، فهي مستبعدة من مراكز صنع القرار في ظل نظام يحكمه زعماء الطوائف. ومع كل انتخابات نيابية تبتكر الاحزاب السياسية أعذاراً جديدة كان آخرها ما طرحه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله حين قال في مقابلة تلفزيونية "في لبنان يجري تقييم النواب بالتعازي والأفراح والخدمات ونحن في "حزب الله" ليس لدينا نساء لهذه الوظيفة".

في حين يوصّف نصرالله واقع "الزبائنية السياسية" الذي كرسه نواب الأمة على مدى سنين، ترفض سيدات خضن المعترك السياسي تحميل النساء وزر نمط سيئ أوجده هؤلاء النواب. جمعيات تُعنى بحقوق النساء تحمّل مسؤولية التغيير لرؤوساء الطوائف والاحزاب الذين جعلوا مصلحة المواطن لديهم.

صحيح أن لبنان كان المبادر الأول بين البلدان العربية لاعطاء المرأة الحق بالترشح والتصويت في مجلس النواب عام 1953 الا أن هذا النموذج الديموقراطي لم يصل الا بعشر نساء فقط معظمهن انتخبن في حالات نادرة أو كارثية لزوج أو أب أو أخ، لتصبح مقولة أن "الجنس اللطيف" يدخل البرلمان متشحاً بالسواد أنصف تعبير للواقع في كثير من الأحيان. 

نصرالله الذي أسف لمفهوم العمل النيابي السائد في المجتمع اللبناني دعا من يطالبون بالـ #الكوتا_النسائية الى تغيير ذلك المفهوم أولاً، مؤكداً أنه الى حين تصحيح ما أُفسِد والعودة بالنائب الى دوره الطبيعي كعضو لجان وتشريع وجزء من مؤسسة سياسية حقيقية ستبقى المرأة خارج لوائح #حزب_الله الانتخابية مع احتمال توزيرها. طرح لا توافق عليه المرشحة للانتخابات النيابية المقبلة رلى معوض التي تقول ترى: "ان الكوتا هي حل مرحلي الى حين اعتياد الناخب على الوجه النسائي في الندوة البرلمانية". ارادت معوض من خلال ترشحها "كسر التقاليد البالية والسخيفة المعتمدة" وهدف دخولها الندوة البرلمانية هو قول "كفى لنواب الزفت" الذين لا يضطلعون في معظم الأحيان على مشاريع القوانين المطروحة أمامهم.

"الكوتا فرصة تعطى للنساء كتدبير موقت ليثبتن أنفسهن بعد أن أقصين لعدة عوامل عن العمل السياسي"، تقول وزيرة شؤون مجلس النواب السابقة وفاء الضيقة حمزة، لـ"النهار".

 عينت الضيقة الى جانب  الوزيرة ليلى الصلح حمادة في حكومة الرئيس عمر كرامي في العام 2004 . حمزة التي ترفض حرمان المرأة من حقها بالمشاركة في إدارة شؤون بلدها وتحميلها "تبعات أسلوب خاطىء كرسته ممارسات النواب في ذهنية المواطن اللبناني"، ترى أنه "يمكن للنساء أن يضطلعن بدور في كسر النمط السائد وخلق نمط جديد يتناسب مع المفهوم الدستوري للمشرع اذا سنحت لهن الفرصة بالدخول الى الندوة البرلمانية".

يحتل لبنان المرتبة 136 عالمياً من حيث مشاركة المرأة في العمل السياسي بحسب دراسة المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016. تفضي جولة سريعة على أرقام النسب التي تبيّن حجم تمثيل النساء في البرلمانات العربية إلى الشعور بالإحراج لدى مقارنتها بالنسبة المخصصة لحجم التمثيل في لبنان، فقد تحظى اللبنانيات بنسبة 3,1% من حجم التمثيل في البرلمان، أي ما يعادل 4 مقاعد من 128، في حين أن نسبة النساء في البرلمان الليبي مثلا تبلغ 16,5%، وفي فلسطين 12,9%، والأردن 12,2% وسوريا 12%، والبحرين 10%، والكويت 6,2%. وعلى الرغم من أن الأرقام تعكس سوداوية واقع مشاركة المرأة اللبنانية وتقدّمها في مواقع القرار، غير أن الأمل بالتغيير قائم. فجماعات الضغط بين النساء تكبر يوماً تلو يوم، وتعي ضرورة العمل على تغيير هذا الواقع.

تؤيد منى عفيش، وزيرة الدولة السابقة في حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2009، طرح مشاركة النساء في العمل النيابي على أن يبدأن هن بتغيير العقلية السائدة وفق ما تقول لـ"النهار"، "الكثير من الجمعيات النسائية كان لها دور جد نافع بتعديل العديد من القوانين". وتأمل عفيش "دخول النساء الى البرلمان لاستكمال ما بدأن به من خارجه على أن يكون عددهن أكثر من عدد أصابع اليد الواحدة كما هو الحال اليوم ليصبح من العدل الحكم على تجربتهن".

مع انشغال القوى السياسية بالمعارك الانتخابية والتجاذبات السياسية حول تقاسم الحصص، تجهد المجالس والاتحادات النسائية وهيئات المجتمع المدني في تنظيم التحركات للمطالبة بتوسيع المشاركة النسائية في العمل السياسي. وفي هذا السياق، ترى المحامية ليلى عواضة باسم منظمة "كفى" ان "تصحيح دور النائب هو مسؤولية زعماء الطوائف والأحزاب لكونهم جعلوا المواطن يعتاد ان تكون حصته لديهم".

عواضة التي تستنكر "تجيير عمل النساء المحزبات ومشاركتهن في كافة المناسبات لمصلحة الذكور في تلك الاحزاب"، تشدد  في حديث لـ"النهار" على محاسبة ومساءلة النساء في حال مُنِحنَ فرصةً ليتمثلن بشكل صحيح في الندوة البرلمانية.

يدخل التزام لبنان في العام 2017 أجندة 2030 لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة والتي تهدف للوصول إلى جندرة ومساواة كاملة بين الرجل والمرأة وتغيير الثقافة الذكورية السائدة، حقل ما نسمّيه "السهل الممتنع". فهذا الالتزام سهل نظرياً، أي بوصفه شعاراً جذاباً، وهو ممتنع بالمعنى الفعلي والواقعي لكون لبنان وبحسب الاحصاءات الدولية هو من الدول المتخلفة في اعطاء المرأة حقوقها بخاصة في مجال العمل السياسي.