هي الرسالة المباشرة الأولى التي أراد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تمريرها بنفسه إلى الرئيس سعد الحريري. من حيث التوقيت، اختار جعجع زيارة السفير السعودي وليد اليعقوب إلى معراب لتوجيه رسالته إلى حليفه المتريث في تحسين العلاقة مع القوات. لدى سؤال جعجع عن اللقاء بينه وبين الحريري، وإذا ما كان سيعقد قريباً أجاب: "لنرَ!". يعتبر الجواب هو الأول من نوعه في قاموس جعجع. لطالما كان يجيب عن هذه الأسئلة، بأن اللقاء حتمي والعلاقة مميزة مع المستقبل. لكن خروجه بهذه الكلمة، يعني أن هناك أكثر من رسالة أراد إيصالها، لا سيما أنه حين سئل عن وصف الرئيس ميشال عون ما فعلته السعودية مع الحريري بالاساءة، ردّ جعجع بأنه يترك الجواب للحريري.
تحمل كلمة "لنرَ!" أكثر من معنى بالنسبة إلى جعجع. أولاً اللقاء يحصل بعد أن نرى وجهة الحريري في الانتخابات النيابية وتحالفاته؛ وثانياً إذا ما كان الحريري سيعمل على ردّ اعتبار القوات بعد الاتهامات التي طاولت قياداتها من قبل بعض مسؤولي تيار المستقبل؛ وثالثاً، ما تريده القوات من كلمة "لنرَ!"، هو إجراء عملية حساب بسيطة للتحالفات الانتخابية وما يمكن أن تفرزه، وإذا ما كانت هذه التحالف ستسري كما هي في كل لبنان، أم أنها ستكون على القطعة وحسب كل دائرة، بمعنى أنه قد يكون هناك تحالف مع المستقبل في دائرة ومنافسة في أخرى. والأمر نفسه ينطبق على التيار الوطني الحرّ. المعنى الرابع لكلمة "لنرَ!"، هو انتظار القوات لمعرفة التوجهات السعودية الجديد في لبنان، لا سيما في ضوء الحديث عن تحالف بين تيار الوطني الحرّ والمستقبل. وهذا قد يدفع القوات إلى قيادة ثورة انتخابية، مع قوى المعارضة كالكتائب واللواء أشرف ريفي ومستقلين، وبعض المجتمع المدني.
رغم محاولات حشر القوات، وحصارها في الخيارات السياسية، وفي ظل الأجواء التي تضخّ عن أنه كان هناك إرادة مستقبلية عونية لإخراج القوات من الحكومة ومحاصرتها انتخابياً، واعتبار أنها عادت إلى حقبة العزل، إلا أن المسألة لا تبدو كذلك لدى القوات. يعتبر القواتيون أنهم في موقع القوي والقادر على المناورة والإمساك في أكثر من ورقة، في السياسة وفي الانتخابات وفي مواجهة الصفقات والمحاصصات. ما يراه البعض أنه محاولة لعزل القوات يرى القواتيون عكسه، ويضعونه في سياق تحريرها من بعض الحسابات الضيقة أو الاعتبارات الأخلاقية والتحالفية. فمثلاً، ابتعاد الحريري عنها سيتيح لها المجال للدخول في مشاورات أكثر عمقاً وراحة مع الكتائب، ومع غير الكتائب كاللواء ريفي. وهناك قناعة تفيد بأن هذا الخطاب السياسي في مواجهة الخطاب المصلحي، سيحقق نتائج متقدمة جداً بوجه تحالف المستقبل والوطني الحر.
يتسلّح جعجع بثباته على موقفه، بتنامي ظاهرة القوى المعارضة، وبما يمكن أن يحققه هذا الخطاب على الأرض. لذلك يستمر جعجع في إعلان مرشحي القوات للانتخابات النيابية بمعزل عن الدخول في أي مفاوضات تحالفية حالياً. ويعتبر أنه مستعد للتحالف مع المستقبل واستعادة أمجاد العلاقة إذا ما أراد التيار الأزرق ذلك، ولكن إذا كان لا يريدها، فستحتفظ القوات بخيارات أخرى. إذا ما نسج التحالف مع المستقبل، يعني أن خطاب 14 آذار سيُستعاد، ولكن هذا مستبعد في ظل التقارب بين المستقبل والتيار الوطني الحر. لذلك، فإن التقارب بين القوات والكتائب والقوى الأخرى سيكون متاحاً بشكل أكبر، خصوصاً أن لدى القوات رهاناً على تحقيق خروقات في دوائر كانت تعتبر مقفلة بوجهها، أبرزها في كسروان وجبيل، وفي دائرة الشمال الأولى، إذ إن التقارب مع الكتائب ومستقلي 14 آذار، يعني إعادة تشكيل هذه الجبهة، لمحاصرة الوزير جبران باسيل.
إذا ما تحالفت القوات مع الكتائب والنائب بطرس حرب، وتم دعم مرشحين في البترون، بالإضافة إلى التقارب مع تيار المردة، فإن نجاح باسيل سيصبح صعباً جداً، لكن ذلك مرتبط بما ستكون عليه العلاقة بين القوات والمردة، التي شهدت تقارباً في السابق عاد وتوقف حالياً. لكن هذه التفاصيل لا تفرمل اندفاعة القوات، التي تؤكد دوماً أن ما تريده من التحالفات الانتخابية هو الثوابت، وإذا ما توافر الاتفاق عليها، سيكون التحالف قائماً، وبانتفائها ينتفي التحالف. هذه الرسائل غير موجهة إلى أحد كما هي موجهة إلى تيار المستقبل، وترمي الكرة في ملعبه لتحديد خياراته وما يريده. وهذا كله لا ينفصل عن محور لقاء السفير السعودي بجعجع.