تشكل الانتخابات النيابية المقبلة حدثا مفصليا في لبنان، بالنظر إلى أنها ستعيد رسم المشهد السياسي في هذا البلد خلال السنوات المقبلة، ولئن بدأت في الأيام الأخيرة النقاشات بين القوى السياسية بشأن التحالفات الانتخابية إلا أن الوضع ما زال ضبابيا ويبقى رهين المتغيرات الداخلية والإقليمية
 

تمر الاستعدادات اللوجستية للانتخابات النيابية اللبنانية المقرر إجراؤها في السادس من يونيو المقبل بسلاسة، على خلاف عملية تشكيل التحالفات السياسية لخوض غمار هذا الاستحقاق والتي تواجه مطبات كثيرة لعوامل داخلية وأخرى إقليمية.

وأقر مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية الأخيرة تخصيص 50 مليار ليرة لوزارة الداخلية للتحضير للانتخابات، في ظل رغبة حكومية واضحة في توفير كل الدعم التقني واللوجستي لإنجاح الاستحقاق، حيث تتخذ حكومة سعد الحريري هذا الهدف أولوية بالنسبة لها في العام 2018.

ولئن بدت الأمور ميسرة على مستوى هذا الجانب إلا أن الوضع لا يزال ضبابيا بالنسبة للتحالفات الانتخابية، التي انطلقت ورشة النقاش بشأنها بين القوى السياسية، على أن تشهد وتيرة أسرع مع بداية الأسبوع المقبل.

وترى أوساط دبلوماسية أن التداخل في المشهد السياسي والسيولة الحاصلة داخليا وخارجيا يجعلان من الصعوبة بمكان الجزم بطبيعة التحالفات التي ستخوض الاستحقاق، قبل شهر مارس.

وتلفت الأوساط إلى أن الحديث الذي جرى في الفترة الماضية عن تحالف خماسي يجمع تيار المستقبل، والتيار الوطني الحر، وحزب الله، واللقاء الديمقراطي، وحركة أمل، مستبعد لعدة اعتبارات، من بينها التوتر المسجل على خط أمل والتيار الوطني الحر بسبب مرسوم ضباط “دورة 1994” وما أفضى إليه من عودة السجالات بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، في تأكيد جديد على “غياب الكيمياء” بين الرجلين.

ومن الاعتبارات المهمة لعدم واقعية تشكيل هذا التحالف الخماسي أن تيار المستقبل لا يستطيع المجازفة بالدخول في حلف مع حزب الله من شأنه أن ينفر جزءا مهما من بيئته الشعبية، خاصة مع وجود العديد من المتربصين به في الداخل، كما أنه ليس في وارد المغامرة بإحداث قطيعة مع السعودية التي أبدت في الفترة الأخيرة انفتاحا على لبنان بعد توتر كاد يولّد قطيعة بين الجانبين، وذلك بقبولها نهاية العام الماضي أوراق اعتماد السفير اللبناني فوزي كبارة بعد تأجيل لخمسة أشهر، الأمر الذي قابله لبنان بإيجابية حينما وافق هو الآخر على أوراق اعتماد السفير السعودي وليد اليعقوب الأربعاء الماضي.

وكانت الرياض قد أبدت تململا من التعاطي اللبناني الفاتر مع التدخلات الإيرانية، وسيطرة حزب الله على المشهد داخل البلد، وازداد الوضع سوءا على خلفية أسلوب معالجة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل لأزمة استقالة الحريري من منصب رئاسة الوزراء التي طويت صفحتها بتسوية “مكررة” شددت نظريا على مبدأ النأي بلبنان عن أزمات المنطقة، دون أن يكون لها أي صدى على أرض الواقع، حيث أن حزب الله ما زال يقاتل في عدة جبهات إقليمية.

ويرى مراقبون أن حرص الرياض على إعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسية في هذا التوقيت بالذات يشي بأن المملكة تولي الاستحقاق الانتخابي اهتماما كبيرا، في ظل مخاوف من أن يفضي القانون الجديد الذي ستقام على أساسه الانتخابات إلى حصول حزب الله على الأكثرية النيابية وهذا أمر سيعني بالضرورة رهن لبنان كليا بيد إيران.

التداخل في المشهد السياسي والسيولة الحاصلة داخليا وخارجيا يجعلان من الصعوبة بمكان الجزم بطبيعة التحالفات
وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد أبدى تحفظا على القانون الانتخابي اللبناني الجديد القائم على النسبية زائد الصوت التفضيلي، حينما صرح الشهر الماضي بشأن موقف بلاده من استقالة الحريري قائلا “لقد دعمنا الرئيس سعد الحريري عندما شكل أول حكومة تحت رئاسة العماد ميشال عون ودعمنا برنامجه السياسي، إلا أن كلا من عون وحزب الله لم يسمحا له بالحكم ولم يعطياه الهامش السياسي، واستخدماه كواجهة لتغيير القانون الانتخابي، من هنا قرر الحريري الاستقالة لإحداث صدمة إيجابية”.

ويبدو أن الرياض ترى اليوم أنه من الأفضل طي صفحة الماضي، والتحرك عمليا لعدم ترك الساحة اللبنانية خالية أمام إيران وذراعها حزب الله، والمدخل هو حشد الدعم وإعادة تفعيل العلاقات مع حلفائها وبين حلفائها أنفسهم التي تأثرت بأزمة استقالة الحريري، لتشكيل جبهة لخوض غمار الانتخابات.

وترجم هذا التوجه السعودي في أنه منذ تسليم السفير السعودي وليد اليعقوب العارف بخبايا لبنان، أوراق اعتماده للرئيس عون باشر تحركاته ولقاءاته مع قوى وشخصيات لبنانية مقربة من المملكة.

وآخر اللقاءات ذلك الذي جمعه الجمعة، برئيس حزب القوات سمير جعجع في معقله معراب، وسط تسريبات تفيد بسعي سعودي لرأب الصدع بين الأخير ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي رغم تحاشيه الحديث عن القوات في وسائل الإعلام إلا أن مقربين منه لم يخفوا تحفظاته على طريقة تعاطي الحليف الماروني مع أزمة استقالته.

وعقب لقاء السفير وليد اليعقوب قال جعجع “ما حصل في الشهرين الماضيين في العلاقة بين لبنان والسعودية هو غيمة صيف، كما نشهد في بعض الأوقات بين الأصدقاء والدول الحليفة”. وشدد على أن “هذه الغيمة مرّت بسرعة ولم تترك أي أثر على العلاقة التاريخيّة بين البلدين”.

وبخصوص إن كان سيلتقي قريبا رئيس الوزراء ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري أجاب جعجع “سنرى”.

ولا يستبعد مراقبون أن يمهد اللقاء الذي جرى بين جعجع والسفير السعودي الطريق لعودة تدريجية للعلاقات القواتية المستقبلية، خاصة وأن ما يقرب بين الطرفين أكثر مما يفرقهما، والتحديات المقبلة ومنها الانتخابات مفصلية باعتبارها ستحدد الأطراف التي ستقود المشهد اللبناني خلال السنوات المقبلة. ويشير المراقبون إلى أن لم شتات قوى 14 آذار (تيار المستقبل، وحزب القوات، والكتائب اللبنانية) ليس بالسهولة المطروحة، ولكن يبقى الأمر واردا.

ويلفت هؤلاء إلى أنه في حال لم يسجل اختراق على هذا المستوى فمن الممكن جدا أن يسجل تحالف ثنائي بين القوات اللبنانية والكتائب في الاستحقاق الانتخابي، تحت مسمى “تحالف الضرورة”، وقد بدأت فعليا نقاشات بين الجانبين حول تشكيل هذا التحالف، ولكن دون أن يتم الحسم فيه حتى الآن.

ولوحظ في الفترة الأخيرة تراجع السجالات السياسية بينهما، والتي بلغت مستوى لافتا قبل أشهر في ظل اتهام الكتائب للقوات بالعمل على إقصائها من التركيبة الحكومية.

وبخصوص تيار المستقبل، فإنه وعلى ضوء العلاقة القوية الحالية التي تربطه بالتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشال عون قد يشكل تحالفا معه في العديد من الدوائر الانتخابية، وإن كان ذلك قد يفتح الباب أمام تعاون غير مباشر مع حليف عون حزب الله، وهنا السؤال سيبقى عن موقف الرياض من ذلك.

والثابت في هذه التحالفات المتحركة والمتغيرة وفقا لتطورات الداخل والإقليم أن الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل سيكونا معا وربما تنظم إليهما قوى تدور في فلكهما، كما جرت العادة في المحطات السابقة، وهذا ما يجعل مسار الأمور يصب في صالحهما حتى الآن.