هل يُغيّر رئيس مجلس النواب نبيه برّي موقفه السلبي من مرسوم إعطاء سنة أقدميّة لضبّاط وقّعه رئيسا الجمهوريّة والحكومة ميشال عون وسعد الحريري بسبب غياب توقيع وزير المال علي حسن خليل، لاعتباره ذلك تعدّياً على الميثاقيّة والدستور واتفاق الطائف؟
هذا السؤال يطرحه كثيرون بعد تأكيد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في فضائيّة “الميادين” قبل أيّام عدم الاعتراض على المرسوم. والجوّاب عنه ليس سهلاً لأن قصر عين التينة كان بالغ الوضوح في سلبيّته حياله وفي وسائل الإعلام بحيث بدا أنه لن يتراجع عنه رغم الأخطار التي يرتّبها على العمل الحكومي والاستقرار السياسي وخصوصاً إذا طلب من خليل، وهو أحد ممثّليه في الحكومة الامتناع عن توقيع المراسيم التي تُرفع إليه. والجواب عنه ليس سهلاً أيضاً لأن قصر بعبدا لم يقصّر إذ ردّ بتصعيد مماثل أكّد فيه تمسّكه بالمرسوم رغم أن حججه ليست بقوّة حجج برّي. وكرّر موقفه أكثر من مرّة أمام وسائل الإعلام ولا سيّما في أثناء استقباله وفوداً اقتصاديّة ومهنيّة وشعبيّة. لكن عدم سهولة الجواب لا يعني أن الاشتباك بين رئيسي المجلس والجمهوريّة سيتحوّل حرباً تحرق الأخضر واليابس رغم أن علاقتهما غير سويّة وخلافاتهما مُزمنة. ولولا التحالف الذي ربط بين شريك برّي و”حركة أمل” التي يتزعّم منذ عقود أي “حزب الله” ومؤسّس “التيّار الوطني الحر” الرئيس ميشال عون في شباط 2006 لكانت الحرب اندلعت بينهما وصارت ربّما النسخة الحديثة أو العصريّة لـ”حرب داحس والغبراء” الشهيرة في التاريخ القديم للعرب. وانطلاقاً من ذلك يمكن القول أن “الحزب” اتّخذ قراراً حكيماً بالتريّث منذ اندلاع الاشتباك الأخير بين “شقيقه” وحليفه وبعدم التعليق عليه وبدعوتهما إلى وقفه وإزالة أسبابه بالحوار وفي سرعة. ويمكن القول أيضاً أن جهات سياسيّة لبنانيّة عدّة متنوّعة في انتماءاتها اعتبرت هذا الموقف الصامت إعلاميّاً نوعاً من التأييد لبرّي ليس فقط لكونه حليفاً لـ”الحزب” وشريكاً في ما يعرف بـ”الثنائيّة الشيعيّة”، بل أيضاً لأن موقف رئيس الجمهوريّة يمس في صورة أو في أخرى المساواة العمليّة بين الشيعة والسُنّة والموارنة التي أرساها اتفاق الطائف مباشرة وعلى نحو غير مباشر. وربّما يكون رئيس المجلس نفسه اعتبر موقف “الحزب” تأييداً صامتاً له. لكن وبعد الكلام التلفزيوني الواضح للسيد نصرالله صار لزاماً عليه كما على حليف حليفه بل شريكه اللدود أي عون العمل لحل الأزمة التي تسبّب بها المرسوم ورد الفعل السلبي عليه. وطبيعي أن يقوم “الحزب” بدوره في هذا المضمار.
في هذا المجال تشير المعلومات المتوافرة عند عارفين لبنانيّين أن “حزب الله” ينطلق من موقفه من أن الرئيس عون لم يخطئ في الاستراتيجيا. وربّما يكون أخطأ في محاولة تسديد “دين قديم” في عنقه لضبّاط كانوا أوفياء له نظراً إلى ما قد يسبّبه ذلك من خوف على الطائف، في ضوء حديثه وحديث صهره ووزير خارجيّته عن الرئيس المسيحي القوي وعن استعادة صلاحيّاته التي قلّصها “اتفاق الطائف”. لكن يمكن “إمرار” هذا الخطأ والتيقّظ لعدم إضراره بالميثاقيّة. وهي تشير أيضاً إلى أن “الحزب” يتفهّم موقف برّي ودوافعه، لكنّه يفضّل أن لا يذهب في الاشتباك إلى الآخر الأمر الذي يُهدّد تحالفه و”التيّار العوني”، وربّما يؤثّر على “الثنائيّة الشيعيّة”. فضلاً عن أنه يفسح في المجال أمام المتضرِّرين من الاثنين كي يتحرّكوا لضرب “العصر السياسي” الجديد الذي دخلته البلاد.
طبعاً، تلفت جهات سياسيّة، كان على رئيس الحكومة سعد الحريري أن يتريّث في توقيع “المرسوم” المُسبّب للاشتباك وأن يتشاور في شأنه مع برّي صديقه بل حليفه، وأن يحاول التوصّل إلى صيغة وسطيّة تُرضي الإثنين أو إلى إقناع عون بنسيان الموضوع أو إرجائه على الأقل. لكنّه لم يفعل إمّا لأنه يشعر بأنّه مدين على نحو كبير جدّاً لعون بعد “أزمة الاحتجاز والاستقالة القسريّة” التي عاشها في السعودية قبل أسابيع، وإمّا لأن ما يهمّه هو تعزيز تعاونه مع عون وصهره كي ينجح في تحقيق أهدافه عبر الحكومة التي يترأّسها وليست كلّها عامة، وإمّا لأن علاقته بـ”حزب الله” التي تحسّنت قبل “الأزمة” المذكورة ازداد تحسّنها وإن على نحو غير مباشر. ومن شأن ذلك دفع “الحزب” إلى تسهيل كل ما لا يمس استراتيجيّته المحليّة والإقليميّة. ولمتانة تحالف عون – الحريري دور مُهمّ في ذلك.