بعد شهرين من وصول العلاقة بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل إلى مرحلة هي الأسوأ منذ عام 2005، بدأت القوات اللبنانية، عبر مقرَّبين منها، التأكيد أن العلاقة تعود إلى طبيعتها شيئاً فشيئاً، وأن لقاءً بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «القوات» سمير جعجع سيُعقد في غضون أيام، وربما الأسبوع المقبل.

هذه العلاقة شهدت تأزماً غير مسبوق، على خلفية اتهام المستقبل للقوات بطعن الحريري في ظهره، وتحريض السعودية عليه. ووصل التأزم إلى حدّ أن الحريري لم يجد الوقت بعد للقاء جعجع، أو حتى لإجراء مكالمة هاتفية ذات مضمون سياسي معه، منذ يوم 22 تشرين الثاني الماضي، تاريخ عودته إلى لبنان بعد «محنتِه» السعودية. ورغم ذلك، بدأ الوزيران غطاس خوري وملحم رياشي مسعى لتقريب وجهات النظر بين الطرفين. وبحسب مصادر قريبة من القوات، أثمر التواصل بين خوري ورياشي تقدماً في العلاقة، وإزالة للكثير من العقبات، بما يؤدي إلى لقاء قريب بين الحريري وجعجع. في المقابل، أكّدت مصادر قريبة من الحريري أن التواصل بين خوري ورياشي لم يكن مجمَّداً، لكن فترة الأعياد جعلت وتيرته تخفت. ورفضت الكشف عن أي معلومات إضافية بشأن إمكان عقد لقاء بين رئيس الحكومة ورئيس «القوات» قريباً.
وكان جعجع قد استقبل أمس السفير السعودي الجديد في لبنان وليد اليعقوب.

 


على صعيد آخر، لم يعُد مرسوم الأقدمية التي منحها الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري لضباط دورة 1994 مجرّد أزمة دستورية ــ قانونية. فقد كان هذا المرسوم خطوة أولى لإعادة تظهير مشهدية الصراع بين الرئاسات، ولا سيما الأولى والثانية. وفي وقت يتمسّك فيه الطرفان المتنازعان عون والرئيس نبيه برّي بموقفَيهما، تضيق إلى حد كبير إمكانيات التراجع والتنازل، وسط تناقض تام في النظر إلى إدارة البلاد وأحقية المشاركة في اتخاذ القرار. وفي ظل محاذرة حزب الله الوقوف طرفاً بين حليفيه وعدم وجود أي مبادرة يُبنى عليها بين يدي الحريري، تتراجع أسهم التسوية، وتخرج الأمور عن نطاقها السياسي الضيق، في مقابل تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه برّي التمسّك بموقفه، إذ قال أمس أمام زوّاره إنه «مُصرّ على رأيي ولو بقيت وحدي». وبناءً عليه، لا تظهر أي بوادر حلحلة، خصوصاً أن الأزمة لا تحتمل أي حلول وسطية «فإما توقيع وزير المال أو لا». وفيما يلتزم برّي عدم الكشف عن أي خطوة ، يؤكّد أنه ينتظر ما ستحمله الأيام المقبلة. ويرى أن «في ​لبنان​ كل شيء يحصل، ومن الممكن أن تطول الأزمة حتى الانتخابات النيابية»، مكرراً أن «لا خلاف مع ​الجيش​ وقيادته، وشرحت ذلك لقيادة الجيش، وكان هناك تفهم لموقفي».
وفيما يتمترس كل من عون الذي يُصرّ على اعتبار المرسوم نافذاً، وعلى أن توقيع وزير المال عليه ليس ضرورياً، وبري الذي يخوض ما يشبه معركة «التوقيع الثالث» داخل السلطة التنفيذية، كان واضحاً أن كلام الأخير أول من أمس عن أن «اللبنانيين دفعوا 150 ألف ضحيّة في الحرب الأهلية ثمناً للطائف، لكي لا يكون قرار الدولة عند شخص واحد» لم تهضمه بعبدا. فقد نقل زوار القصر عن الرئيس عون والمحيطين به «استياءهم الواضح»، معتبرين أنه «تهديد غير مقبول». حتى إن بعضهم حاول الاستفسار عمّا إذا كان الرئيس بري يحضّر لتحركات في الشارع من شأنها أن تخضّ البلاد.
كلام برّي استنفر التيار الوطني الحرّ، حيث تكفّل عدد من شخصياته بالتلميح إلى وزارة المال لكونها ليست مخصّصة لأي طرف، على اعتبار أن رئيس المجلس يسعى إلى تكريس عُرفٍ في هذا السياق، معتبرين أنه بمصافّ الانقلاب على الطائف وروحيّته وضرب الميثاق. وقد سأل النائب السابق سليم عون: «أين هو عدم الميثاقية بعدم توقيع وزير المالية؟ وإذا كان الهدف تكريس ​وزارة المال​ للشيعة، فهذا لا يتماشى مع الطائف، فبعد الطائف معظم الوزراء لم يكونوا من ​الشيعة». فيما ربط النائب ألان عون في حديث تلفزيوني مسألة توقيع وزير المال بمسألة صلاحيات رئيس الجمهورية، ما يعيد البحث بالطائف والصيغة السياسية في البلد.