تتراكم في الاجواء الداخلية غيوم على الخط المطلبي والحياتي، تصاعدت بداية مع سريان الضريبة على القيمة المضافة اعتباراً من مطلع السنة الحالية، وما رافق ذلك من ارتفاع في الاسعار، وكذلك من الاقساط المدرسية التي سبّب رفعها العشوائي في بعض المدارس تفاعلات واعتراضات من قبل الاهالي.
تضاف الى ذلك أزمة متجددة بين وزارة المال ربطاً بما حُكي عن توجّه لديها لتعديل ضريبة الـ7 في المئة على فوائد الودائع لتشمل القروض بين المصارف، وهو ما أسّس لتحرّك اعتراضي للمصارف في مواجهة الوزارة، التي اكد وزير المال علي حسن خليل لـ«الجمهورية» انه يحتكم في هذا الموضوع الى ما ينص عليه القانون، وقال: «لقد نمي إلي بأنّ المصارف بصدد تحرّك معين، ولكن حتى الآن لا اعرف ماهية هذا التحرك ولا اسبابه، ولم يحكِ معي أحد ولم يسألني احد من قريب او بعيد حول هذا الامر».
هذا الواقع المأزوم سياسيا واقتصاديا وتربويا ومصرفيا، تَواكب مع عودة خجولة للحكومة الى ساحة العمل بعد عطلة الاعياد، من دون ان تقدم بادرة ملموسة حول مقاربة جدية لمقاربة الملفات المتراكمة، او حتى المُلحّ منها، بل عكس ذلك، بَدت هذه المقاربة الخجولة وكأنّ الحكومة منصرفة الى مقاربة بنود عادية وبطريقة اقرب الى تصريف الاعمال، فيما الملفات الكبرى سواء الحيوية او البيئية او حتى المالية ومن ضمنها موازنة العام 2018 تبدو مؤجلة كلها الى ما بعد الانتخابات النيابية المقررة في ايار المقبل، علماً انّ وزير المال قال لـ«الجمهورية»: «نضع اللمسات الاخيرة عليها استعداداً لجلسات مجلس الوزراء التي ننتظر ان يحددها رئيس الحكومة».
ويبدو في خلاصة هذه الصورة انّ الرهان على إنتاجية حكومية من الآن وحتى نهاية ولاية المجلس النيابي في 21 ايار المقبل، هو رهان خاسر سلفاً، خصوصاً مع دخول البلد بشكل واضح في اجواء التحضير لهذه الانتخابات.
الرئيسان ومقاربتان
واذا كانت لغة التخاطب المباشر مقطوعة بين بعبدا وعين التينة، الّا انّ اجواء الطرفين السياسية والاعلامية ما زالت ملتهبة باتهامات متبادلة وبإلقاء مسؤولية خرق القانون والدستور وتعطيل المرسوم على الطرف الآخر.
ويؤكد ذلك انّ هذا الملف ما زال محكوماً بمقاربتين متباعدتين، تعتبر الاولى انّ عون قام بما هو واجب عليه لجهة منح فئة من الضباط حقاً حرمت منه لأسباب سياسية وكيدية، وليست في خلفيته ايّ ابعاد تجاوزية لأي طرف، مع قناعته الثابتة بأنّ المرسوم لا يحتاج الى توقيع وزير المال في اعتبار انه لا يرتب اي اعباء او اكلاف مالية، اضافة الى قناعته بنفاذ هذا المرسوم من دون الحاجة الى نشره في الجريدة الرسمية.
واما المقاربة الثانية فتعتبر انّ عون أخطأ الخوض في تفاصيل خلافية عبر إطلاق شرارة المرسوم في هذا التوقيت، حتى لو كان مقتنعاً بأنه محق في توقيعه إضافة إلى رئيس الحكومة من دون الحاجة إلى توقيع وزير المال.
علماً انّ توقيع الوزير ايّاً كانت طائفته، واجب على هذا المرسوم لانه يرتّب أكلافاً مالية، كذلك فإنّ نشر المرسوم في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً، هو امر واجب ايضا وفقاً لأحكام القانون الرقم 646 تاريخ 2 حزيران 1997، الذي يوجب نشر كل المراسيم، وكذلك وفقاً لما ورد في المرسوم المسبّب للأزمة في مادته الاخيرة حيث نَصّ حرفياً على الآتي «ينشر ويبلّغ عندما تدعو الحاجة».
واذا كان رئيس الجمهورية يعتبر انّ ما فعله ينسجم مع الدستور والقانون، ويندرج في إطار صلاحياته، وأنّ الوقت حان لإنصاف ضباط دورة 1994، فإنه وكما يقول بعض المقربين، يستشعر أنّ الهدف من اعتراض بري على المرسوم هو توجيه رسائل سياسية مشفّرة اليه، أبرزها أنه منزعج من الرئيس القوي، ولا يستسيغ الشراكة الواسعة بين رئيسي الجمهورية والحكومة، والتي تعزّزت بعد الدور الذي أدّاه عون في معركة إعادة الحريري من السعودية، لشعوره بأنها تهدد مصالحه الحيوية وموقعه كشريك في السلطة.
عون
وكان عون اكد امس «انّ مرجعية المؤسسات في البلاد هي الدستور والقوانين، وانّ الاحتكام اليها هو خياره». ودعا الى «عدم تجاوزها واحترام القضاء الذي عملنا على تحسين أدائه».
وفي الوقت الذي عدّ فيه موقف عون رداً على ما نقل عن بري امام وفد المجلس العام الماروني، إعترفت اوساط «بيت الوسط» بصحة مضمون اشارة بري في دردشة مع مجموعة من الصحافيين امس، وتحديداً في قوله «عندما يصبح لدى الحريري مبادرة حل يقوم بطرحها»، وهو ما يؤكد انّ الحديث عن هذه المبادرة سابق لأوانه لعدم وجود العناصر التي تضمن إطلاقها.
وقالت هذه الأوساط لـ«الجمهورية» انّ الأفكار التي لدى الحريري «لم تكتمل بعد، والأصحّ انها لم ترق بعد الى مستوى المبادرة». واشارت الى انّ إجازة عيد الميلاد لدى الطائفة الأرمنية اليوم وغداً لن تشهد ايّ حراك بانتظار ما ستحمله اتصالات الأيام المقبلة.
بري
في المقابل، أكد بري أن ليست لديه اي نية بالتصعيد، لكنه باق على موقفه الاعتراضي على المرسوم، معتبراً انّ الاشكالية قابلة للمعالجة طالما يخضع الامر لمواد الدستور والميثاق الوطني الذي ارتضيناه جميعاً بعد الطائف، الذي سبق ودفع ما يزيد عن 150 الف قتيل على طريق الوصول اليه. وجدّد التأكيد انّ الطريق الاسلم للمعالجة هو ترك الامر في يد رئيس الجمهورية كي يعالج الامور بحكمته.
وأوضح انه لا ينطلق في موقفه الاعتراضي على المرسوم بالطريقة التي قُدِّم فيها، من أي اعتبار فئوي، بل يستند إلى التزامه بالأصول الدستورية والقانونية التي تحتّم وجود توقيع وزير المال على هذا المرسوم كونه يرتّب كلفة مالية مباشرة وغير مباشرة، معتبراً أنّ القفز فوق هذا التوقيع الالزامي ينطوي على انتهاك لقواعد اتفاق الطائف وتوازناته. فقد سبق وقدمت الحل بأن يحال المرسوم الى وزير المال ليوقّعه، وعندها تصبح الازمة بحكم المنتهية.
بدوره، قال خليل لـ«الجمهورية: «لا جديد في ازمة المرسوم، ولا تراجع عن ضرورة توقيع وزير المال على مرسوم الاقدميات. واذا أصرّوا على عدم توقيعه فالازمة ستمتد ربما حتى الانتخابات النيابية، وأبلغنا رئيس الحكومة بأن يرسل الينا المرسوم لنوقعه، وغير ذلك لا قبول لأيّ صيَغ أخرى».
اضاف: «لا أحد يعلم كم ستؤثر هذه الازمة على سائر الملفات والقضايا السياسية وكيف ستتطور الامور. نحن حتى الآن نضع الازمة في اطارها الدستوري، ولكن لا نعلم كيف ستتطور الامور التي قد تكون مفتوحة على كل الاحتمالات.
وحول طرح للحريري بالاحتكام الى جهة دستورية محايدة للفصل في هذا الملف قال: «من يفسّر القانون هو مجلس النواب فقط لا غير، والذي نحتكم اليه في كل القضايا الدستورية والقانونية».
الإنتخابات
في جانب آخر، بدأت القوى السياسية تتصرف وكأنّ جرس الانتخابات قرع، بدليل انّ ماكيناتها الانتخابية شرعت في التحرّك على كل الصعد المرتبطة بهذا الاستحقاق، ولا سيما على صعيد إعداد قوائم الناخبين والتحضير للتحركات الانتخابية التي يبدو انها ستتكثف في الايام المقبلة، فيما كَرّت سُبحة الترشيحات، التي استكملها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع امس بتقديم مرشح لـ«القوات» عن المقعد الارثوذكسي في دائرة عاليه، في وقت تستعد الاحزاب السياسية لاجتماعات ضمنية متتالية لإطلاق حملة شرح للقانون، واختيار المرشحين سواء الحزبيين او غير الحزبيين.
نصرالله
من جهة ثانية، لم يخرج من دائرة التفاعل، الكلام الاخير للامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، والذي كشف فيه عن اجتماعات تُعقد مع فصائل المقاومة الفلسطينية، لتثبيت مبدأ التنسيق في مختلف الساحات والدفع لانطلاق انتفاضة شعبية ثالثة والاستعداد لمواجهة العدو الإسرائيلي وحديثه عن استعداد الآلاف للمشاركة في الحرب المقبلة، إذا حصلت وكانت تستهدف لبنان، مثلاً.
سعيد
وقال النائب السابق الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية»: «بعدما تعهّد رئيس الحكومة سعد الحريري بأنه سيراقب بدقة تنفيذ النأي بالنفس وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية واتفاق الطائف، أطاح كلام السيد نصرالله نهائياً بمفهوم الدولة في لبنان ونسف مبدأ النأي بالنفس، وأصبح شعاره التحضير للحرب الكبرى ما يتناقض مع شعار الحريري، وكأننا نعود الى المعادلة التي طرحها النائب وليد جنبلاط عندما سأل مراراً هل نريد لبنان «هانوي» ام «هونغ كونغ»؟ فالضاحية الجنوبية، مركز النفوذ السياسي في لبنان، تعتبر بأنها تخوض معركة «هانوي» فيما مجلس الوزراء يهتم بموضوع الكهرباء والمياه...».
اضاف: «إسرائيل عدوة جميع اللبنانيين ومحاربة هذا العدو ليست من اختصاص فريق واحد بل واجب وطني على جميع اللبنانيين اخذ القرار، كيف ومتى وبأي وسيلة نحاربه ولا يحق لأي فريق او حزب او شخص ان يتفرّد بأمن اللبنانيين وبمستقبلهم، وان يأخذ قراراً عنوة عنهم وان يستخدمهم أكياس رمل في صراعه. فإذا كنّا جميعاً متضامنين مع فلسطين، فتضامننا ليس حجة لكي نصبح أسرى ايران في لبنان».
ماكرون وإردوغان
دولياً، إقترح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على نظيره التركي رجب طيب إردوغان «شراكة مع الاتحاد الاوروبي» كبديل عن الانضمام، بهدف الحفاظ على «ارتباط» هذا البلد بأوروبا.
وقال في مؤتمر صحافي مشترك اثر اجتماعه بإردوغان في باريس: «يجب ان ننظر في ما اذا كان بالإمكان إعادة التفكير في هذه العلاقة، ليس في اطار عملية انضمام بل ربما في اطار تعاون وشراكة مع هدف الحفاظ على ارتباط تركيا والشعب التركي بأوروبا، والعمل على جعل مستقبله مبنياً على التطلّع الى اوروبا ومع اوروبا».
واضاف: «ارغب في ان نفعل المزيد معاً، وان تبقى تركيا راسخة في اوروبا، لكنني اعتقد انّ عملية (الانضمام) كما تمّ البدء بها لن تؤدي الى نتائج في السنوات المقبلة».
وتابع: «من الواضح أنّ التطورات والخيارات الأخيرة (لتركيا في دولة القانون) لا تسمح بإحراز أي تقدّم في العملية». وردّ اردوغان بأنّ بلاده «تعبت» من انتظار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.