هناك قطيعة كاملة بين القصر الجمهوري في بعبدا وقصر عين التينة في بيروت، بسبب مرسوم منح اعطاء اقدمية سنة لدورة الضباط الذين تخرجوا سنة 1994، واذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مصراً على موقفه أنه كقائد اعلى للقوات المسلحة، ولهذه الصفة هيبة خاصة خصوصاً على مستوى الجيش، فإن توقيف مرسوم وقعه رئيس الجمهورية ميشال عون ووقعه رئيس الحكومة تتم فيه استفادة 26 ضابطاً من الترقية هو ضرب لهيبة الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة والجيش في لبنان. وانه كان بالامكان عدم توقف وزير المالية الدكتور علي حسن خليل امام اثارة مشكلة كبيرة بسبب المرسوم ما دام انه لم يستفد من الاقدمية سوى 26 ضابطاً ووفق مصادر قريبة من بعبدا، فانه منذ ترشيح الرئيس نبيه بري للوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ضد الرئيس ميشال عون وهو يخطط لتطويق مقام رئاسة الجمهورية، وبخاصة ان رئيس المجلس النيابي يملك السلطة التشريعية وادارة المجلس النيابي واللجان فيه، كما انه ابدى موقفاً واضحاً وبشراسة ضد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وانه كان وراء وضع اوراق بيضاء كي يصل عون الى الرئاسة بأصوات ضعيفة.
وترى بعبدا ان الرئيس نبيه بري الذي هو حليف لحزب الله وما دام حزب الله متحالف كلياً مع حركة امل برئاسة الرئيس نبيه بري، كان على بري ان يؤيد العماد عون مرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية ولا يخرج عن تحالفه مع حزب الله لولا لم يكن بري يخطط من الاساس لاضعاف الرئيس ميشال عون وتطويق عهده، عبر ائتلاف موسع سيقود المعركة الانتخابية القادمة، ويحاول هذا التكتل النيابي الواسع فرض الحكومة القادمة على الرئيس ميشال عون. وهنا ستكبر المشكلة، اذ ان رئيس الجمهورية هو الذي يوقع مرسوم تشكيل الحكومة، واذا لم يوافق الرئيس عون على الحكومة القادمة فلن يوقع مرسوم تشكيلها. وتقول اوساط التيار الوطني الحر ان الرئيس العماد ميشال عون ليس من النوع الذي يتراجع عن قراراته ومواقفه، وهذا مسجل له في تاريخه العسكري والسياسي والنيابي وفي موقع رئاسة الجمهورية، وانه لم يكن على الرئيس نبيه بري ان ينتظر مرسوماً لدى وزير المالية كي يثير ازمة ادارية ويستغل توقيع وزير المالية الدكتور علي حسن خليل لتحويل القضية الى مسألة دستورية مطروحة على مستوى التمسك بالدستور واتهام رئاستي الجمهورية والحكومة بمخالفة الدستور لو لم تكن لديه نيات مبيتة ضد موقع رئاسة الجمهورية وضد اجواء التقارب بين الرئيسين عون والحريري في التنسيق بمجلس الوزراء وفي مجالات كثيرة.
بعبدا تقول انها ارسلت مشروع قانون قبل ثمانية اشهر من الآن الى مجلس النواب بإعطاء سنة اقدمية لدورة 1994 ، ولو جمع الرئيس نبيه بري الهيئة العامة لمناقشة المرسوم ودعا الى التصويت عليه منذ ثمانية اشهر، لما وصلت البلاد الى هذا المأزق لأن الرئيس نبيه بري احال المرسوم الى اللجان النيابية. ومعلوم ان اللجان النيابية مقبرة القوانين والمراسيم، وهنا لا بد من ذكر ان ضباط دورة 1994 ولاسباب كيدية تم ابقاؤهم في منازلهم لمدة سنتين رغم انهم كانوا مسجلين عبر مرسوم دستوري بأنهم تلامذة ضباط المدرسة الحربية، وابقيوا سنتين في منازلهم وهم يقبضون رواتبهم، وبما ان المدرسة الحربية كانت فاعلة بعد دخول سوريا فكان بالامكان استدعاء دورة 1994 في مدة اقصاها شهر. وتقول بعبدا ان ابقاء تلامذة الضباط الذين تخرجوا سنة 1994 سنتين في منازلهم وسموا بتسمية «دورة العماد ميشال عون» والتي كانت على اساس الكفاءة والعلامات وهي دورة نادرة من حيث انتساب التلامذة الى المدرسة الحربية دون واسطة او دعم سياسي او طائفي او حزبي او غيره هو كيدي.
وتختم بعبدا وتقول ان تكبير الامور بهذا الشكل والاعلان ان 150 الف لبناني قتلوا من اجل وضع دستور جديد هو في غير محله ومبالغ فيه وخرق الدستور حصل في فترات عديدة عندما لن تتم الدعوة لانتخاب رئيس الجمهورية وبقي الفراغ الرئاسي لمدة سنتين لأن الدستور يقول بعقد دورات متلاحقة واجتماع المجلس النيابي في دورات مستمرة حتى انتخاب رئيس الجمهورية فيما كان الرئيس نبيه بري يدعو الى جلسة كل شهر للانتخابات.
موقف الرئيس نبيه بري
بالنسبة للرئيس نبيه بري الذي اعتبر ان رئيسي الجمهورية والحكومة قاما بطعنه في الظهر عندما وقعا مرسوماً دستورياً وليس مرسوم دستور اداري ابداً والمرسوم الدستوري يوقعه المجلس العسكري وقيادة الجيش ومجلس قيادة قوى الامن الداخلي وقيادات الاجهزة الامنية، ثم يوقعه الوزير المختص، ثم يوقعه وزير الدفاع يعقوب الصراف، ثم وزير الداخلية نهاد المشنوق، ثم يرسل الى الوزير المختص، وبعدها الى وزير المالية لاحالته على الدائرة القانونية في وزارة المالية ودراسته وما اذا كان المرسوم يرتب اعباء مالية على خزينة الدولة، وعندئذ على وزير المالية ان يرى ما اذا كان في احتياط الخزينة العامة للدولة اللبنانية احتياط مالي لتأمين الاعباء المالية وبخاصة ان شمول منح الاقدمية لـ180 ضابطاً يعني زيادة خدمتهم لسنة اضافية، ولكون الجيش تحت رقم التأهب 3، يعني ذلك ان الضباط يجري ضم الضمائي المالية لهم عن كل سنة لمدة ثلاث سنوات ويتقاضى على اساس الاستنفار رقم 3 بدلاً مالياً من الاستنفار رقم 2 او 1 ، مع العلم ان الدكتور علي حسن خليل وزير المالية عندما تشاور مع الرئيس نبيه بري رئيس حركة امل والذي يمثل حركة امل في مجلس الوزراء هو وزير المالية علي حسن خليل، اكدا حرصهما على الجيش وعلى القوى الامنية وعلى الموافقة على كل ما يؤدي الى تعزيز معنويات الجيش واعطاء كل ما تحتاج اليه القيادات العسكرية لان الجيش اللبناني هو من القوى الضامنة لحماية الاستقرار والامن السياسي في البلاد ومؤسسة الجيش قدمت الشهداء بدون سؤال، بل قامت بجهد عظيم في السنوات الثلاث الماضية كان آخرها تحرير الجرود الشرقية في البقاع الشمال الشرقي من جرود عرسال حتى مدينة القاع من الارهابيين الذين كانوا يقومون بإرسال السيارات المفخخة واطلاق الصواريخ على كل القرى الآمنة في البقاع.
لكن الرئيس نبيه بري قرر مراجعة 7 مراجع قانونية، منها من هو صديق له ومنها من هو على خصام معه بشأن دستورية مرسوم منح الاقدمية لمدة سنة للضباط دون توقيع وزير المالية، لا بل دون ارساله للتوقيع من قبل وزير المالية وتوقيع المرسوم من قبل الرئيس عون ووزير الدفاع يعقوب الصراف والرئيس سعد الحريري، دون توقيع وزير الداخلية وارساله الى وزارة المالية للتنفيذ ودون الاخذ بالاعتبارات الدستورية وأن كل مرسوم يرتب اعباء مالية على الخزينة يجب ان يوقعه وزير المالية. واجمعت المراجع الدستورية على عدم توقيع وزير المالية.
محاولة الوساطة بين عون وبري
كانت آخر وساطة لترميم الاوضاع بين الرئيسين تمثلت بزيارة قائد الجيش العماد جوزف عون الى عين التينة ولقائه الرئيس نبيه بري وشرح ظروف المؤسسة العسكرية وكيفية استحصال الاقدمية وما يترتب عنها. وقد ابدى الرئيس نبيه بري حرصه على الجيش وقال: لكن هناك مشكلة دستورية لا يمكن تجاوزها مع الحرص الكامل على الجيش ضباطاً ورتباء وافراداً. ثم ذهب العماد قائد الجيش الى السراي الحكومي والتقى الرئيس سعد الحريري وبحث معه الوضع، وكان الرئيس الحريري متجاوباً مع مطالب المؤسسة العسكرية، لكن الحريري لم يعد باستطاعته فعل شيء والمرسوم وقعه شخصياً كرئيس لمجلس الوزراء، ثم تريث في نشره والمشكلة دستورية بامتياز، وهناك خلاف كبير بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وبالتالي لا يستطيع قائد الجيش ان يفعل شيئاً، وعاد الى اليرزة دون الوصول الى نتيجة. كما قام مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم بتكليف من الرئيس ميشال عون، بمحاولة ايجاد حل لمشكلة مرسوم منح الاقدمية، وبعد جهد واتصالات قام بها اللواء ابراهيم كان جوابه «الامور صعبة ولن استطع الوصول الى حل».
ما هو التفسير الدستوري لمنح سنة اقدمية؟
ان منح اقدمية سنة للضباط دون ان تلحق بهم ترقيات او نقلهم الى مراكز ليس فيها مخصصات مالية لا تحتاج الى توقيع وزير المالية وفق مراجع دستورية وقانونية. اما وزير المالية الذي وصله مرسوم منح اقدمية سنة، فقام بتوقيع مراسيم الترقيات في الجيش ما عدا ترقية 19 ضابطاً من رتبة عقيد الى رتبة عميد و5 ضباط من رتبة مقدم الى رتبة عقيد. مع العلم ان هؤلاء الضباط هم من دورة 1994، حتى ان الوزير علي حسن خليل سأل نفسه لماذا هذا التمايز في دورة واحدة هي دورة 1994، وأن 19 ضابطاً ينالون ترقية من رتبة عقيد الى رتبة عميد و5 ضباط من رتبة مقدم الى رتبة عقيد، لكن مع ذلك قام بتحويل المرسوم الى الدائرة القانونية في وزارة المالية، وكان الجواب انه بنتيجة منح الاقدمية لسنة لدورة 1994، وبأن هذه الاقدمية نتج منها ترقيات بـ19 ضابطاً من دورة 1994 من رتبة عقيد الى رتبة عميد، و5 ضباط من دورة 1994 من رتبة مقدم الى رتبة عقيد، فان ذلك يرتب اعباء مالية عبر وجود الضباط الذين تمت ترقيتهم الى رتبتي عميد وعقيد حيث استفادوا مالياً من مرسوم منح الاقدمية لمدة سنة، عندئذ طلب وزير المالية علي حسن خليل بالتشاور مع الرئيس نبيه بري سحب اسماء الضباط الذين جرى منحهم اقدمية سنة من الترقية الى رتبة عميد، وهم 19 ضابطاً وسحب 5 اسماء تمت ترقيتهم من رتبة مقدم الى رتبة عقيد. ووفق الدوائر القانونية في وزارة المالية فإن الترقية من رتبة عقيد الى رتبة عميد ترتب اعباء مالية على الرواتب والمخصصات، وكذلك الترقية من رتبة مقدم الى رتبة عقيد ترتب اعباء مالية ايضاً. ولذلك لن يوقع الدكتور علي حسن خليل وزير المالية المرسومين وطلب سحب اسماء 19 ضابطاً استفادوا من سنة الاقدمية كي يصبحوا برتبة عميد وسحب 5 اسماء ضباط رقيوا الى رتبة عقيد نتيجة منحهم سنة الاقدمية.
التفسير الدقيق للاعباء المالية لأي مرسوم دستوري
وفق مصادر في وزارة العدل ومن خلال خبراء قانونيين ودستوريين، وبخاصة وزير العدل سليم جريصاتي، فانه اذا كان منح الاقدمية لمدة سنة يؤدي الى زيادة رواتب، يصبح اجبارياً ودستورياً توقيع وزير المالية علي حسن خليل على المرسوم الدستوري لانه يرتب اعباء مالية مباشرة فور منح اقدمية سنة. اما اذا كان منح الاقدمية لا يرتب اي اضافة مالية الى الرواتب التي كان يتقاضاها الضباط، لا يستوجب ذلك توقيع وزير المالية. والمشكلة أن الرئيس نبيه بري ووزير المالية علي حسن خليل، ووفق مصادر وزارة العدل، وبالتحديد وزير العدل سليم جريصاتي الذي يعتبر مرجعاً قانونياً ودستورياً وكان عضوا في المجلس الدستوري فان المرسوم لا يرتب اعباء مالية مباشرة، ولكن عبر تفسير الرئيس بري فان المرسوم اذا رتب بعد فترة اعباء مالية فانه يحتاج الى توقيع وزير المالية على مرسوم منح الضباط الذين استحقوا اقدمية سنة، واذا لم ينالوا اي اضافة مالية الى رواتبهم او عبر وصولهم الى الترقية الى رتبة اعلى وحصولهم على اقدمية سنة، فمن الطبيعي ان تتم ترقيتهم، ومن الطبيعي ان يوقع الوزير علي حسن خليل المرسوم.
ووفق مصادر قريبة من الحكم لا داعي للقول ان 150 الف قتيل من اجل وضع دستور جديد كي تتم المبالغة في جعل مرسوم عادي لن يرتب اعباء مالية فورية مخالفة لدم 150 ألف شهيداً لبنانياً سقطوا على ارض لبنان، وان الدستور اللبناني الجديد يتم المس به وتجاوزه.
في المقابل، يقول وزير المالية علي حسن خليل من خلال الدراسة القانونية ومن خلال مراجعة الرئيس نبيه بري سبع مراجعيات دستورية على علاقة معهم وعلى خصام، بأن المرسوم اذا كان يؤدي الى اعباء مالية ناتجة من ترقية ضباط او غير ضباط او موظف من الفئة الثانية الى الاولى واستفاد من اقدمية له وترقى الى الدرجة الاولى، فان ذلك يعني ان المرسوم قام بترتيب اعباء مالية على الخزينة ولا يحق لاحد ان يتجاوز وزير المالية وتوقيعه اصبح واضحاً وبالتالي فان مرسوم منح سنة اقدمية يكلف اعباء مالية وزيادة مخصصات واموالاً غير ملحوظة في موازنة وزارة الدفاع والاحتياط لترقيات استثنائية.
الخلاف يبقى على ما اذا كان المرسوم لا يرتب اعباء مالية مباشرة فلا يكون بحاجة لتوقيع وزير المالية، اما اذا كان منح اقدمية سنة يرتب بعد شهر اعباء مالية فعنئذ يجب ان يوقعه وزير المالية.
هذا مجال مرسوم الاقدمية العسكرية فماذا عن المجال السياسي؟
واضح ان لبنان يعيش صراع قطبين. قطب رئيس الجمهورية وقطب الرئيس بري الذي يقول ان لدى العماد عون رغبة في تجاوز مواد دستور الطائف لانه غير مقتنع به من الاساس، وهذا الجدل زاد بعد ان انتصر الرئيس العماد ميشال عون باخراج الرئيس سعد الحريري من الاقامة الجبرية في المملكة العربية السعودية، وأصبح العماد ميشال عون يحتضن الحريري واصبحا في كتلة واحدة وزالت كل التباينات بين رئيسي الجمهورية والحكومة، مما يؤدي الى عزل الرئاسة الثانية واصبح الحريري يقوم بتسهيل كل امور الرئيس ميشال عون ويبادله الموقف الرئيس ميشال عون الذي يقدم كل المساعدة للرئيس الحريري، وبالنسبة للرئيس نبيه بري الذي نجح لعهود وعهود في رئاسة المجلس النيابي، فهو لا يقبل ابداً أن يتم عزل الرئاسة الثانية ودور المجلس النيابي، وان مرسوم منح سنة اقدمية لدورة 1994 وصل الى المجلس النيابي ثم احاله الرئيس نبيه بري الى اللجان النيابية لدرسه. لكن ما حصل بعد ثمانية اشهر ان الرئيسين عون والحريري والوزير يعقوب الصراف الذي يخص رئيس الجمهورية مع سكر زائد للوزير يعقوب الصراف للمجيء به وزيراً للدفاع من قبل حزب الله لانه كان من بين الـ11 وزيراً الذين استقالوا واسقطوا حكومة الرئيس سعد الحريري والرئيس عون «يمون» على الوزير الصراف وارسل المرسوم الى رئاسة الحكومة وتم توقيعه وتجاهل ان القانون في مجلس النواب تحت الدراسة، كما تم تجاهل توقيع وزير المالية ممثل حركة امل عليه.
الرئيس نبيه بري ندم كثيراً لأنه اعطى وزارة المالية للرئيس الشهيد الرئيس رفيق الحريري وكانت بعهدة الرئيس فؤاد السنيورة وكانت وزارة المالية تقوم بصرف الاموال والموازنات متجاهلة مشاريع الجنوب واعطاء موازنة هامة لمجلس الجنوب، مع ان محافظة الجنوب بحاجة ماسة الى الاعمار. وعبر الـ50 مليون دولار، استطاع الرئيس نبيه بري بناء المدارس والطرقات وتحسين اوضاع الجنوب، لكنه اعطى المالية للحريري بعد تدخل من العماد حكمت الشهابي ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام اللذين «مانا» على الرئيس نبيه بري للموافقة على تسليم وزارة المالية الى الرئيس رفيق الحريري عبر فؤاد السنيورة، لكن الرئيس نبيه بري لم يعد يسامح في هذا المجال، فالتوقيع الرابع على المراسيم سيكون للطائفة الشيعية، واذا كان المرسوم الدستوري يرتب اعباء مالية فهو يحتاج الى 4 تواقيع وزراء وهو الوزير المختص، بالاضافة الى توقيع رئيس الحكومة السني وتوقيع رئيس الجمهورية المسيحي وتوقيع الوزير الشيعي وبالتالي فان الرئيس نبيه بري لن يتراجع مطلقاً عن توقيع وزير المالية علي حسن خليل على الترقيات التي صدرت، ووفق المراجع القانونية لبري الذي يعرف بالدستور وترأس العديد من اللجان ورئاسة المجلس النيابي واصدر اكثر من 450 مشروع قانون في آخر ولايته في المجلس النيابي فانه لن يوافق على توقيع مرسوم ترقية الضباط والامور اصبحت بين قطبين: قطب رئيس الجمهورية وقطب الرئيس نبيه بري ولن يتراجع احد عن موقفه وسط الاجواء التي تعرفها «الديار»، فالرئيس بري لن يتراجع كذلك الرئيس ميشال عون متمسك برأيه وبرأي وزير العدل بأن المرسوم لا يرتب اعباء مالية، فيما الرئيس نبيه بري يستند الى 7 مراجع دستورية بأن المرسوم يرتب اعباء مالية عبر ترقية 24 ضابطاً عبر منحهم سنة اقدمية لضباط 1994 ، ثم ان بري يعتبر ان اتفاق عون والحريري وتوقيعهما دون استشارته او التشاور معه فهو لن يقبل الا طرح المرسوم على مجلس الوزراء وان يناقشه وزراء امل وكل الوزراء في الحكومة، اما تهريب المرسوم من المجلس العسكري الى وزير الدفاع يعقوب الصراف الى الرئيس الحريري الى رئيس الجمهورية ثم ارساله للتنفيذ من قبل الوزير علي حسن خليل دون توقيعه، فان بري لن يتراجع عن موقفه.
هذه المعركة تشبه المعركة السياسية المالية وما جرى في الماضي بعهد الشهابية وبمرحلة قصيرة بين رئيس المجلس النيابي يومذاك كامل الاسعد ورئيس الجمهورية المرحوم فؤاد شهاب، وكذلك بين الرئيس كامل الاسعد والرئيس شارل الحلو وخلال ترؤس الاسعد للمجلس النيابي، اما في عهد رئيس المجلس النيابي الراحل صبري حماده فكان على وفاق مع الشهابية حيث كان يتم تمرير القوانين ولا مشكلة في ذلك، علماً ان الامور تغيرت كثيراً والدستور تغير من ايام الشهابية وكامل الاسعد الى يومنا هذا.
هناك قطبان في البلاد: قطب الرئيس عون الفاعل في رئاسة الجمهورية ويميل اليه الرئيس سعد الحريري اكثر من ميله الى الرئيس نبيه بري وقطب الرئيس نبيه بري الذي يتحالف مع الوزير وليد جنبلاط دون ان يعلن جنبلاط موقفاً علنياً لكنه ضمناً يؤيد الرئيس نبيه بري، اما حزب الله وان لم يعلن شيئاً و قال الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله ان الرئيسين عون وبري صديقانا وحليفانا وندعو الى الحوار بينهما. رغم اننا مع الرئيس نبيه بري في توقيع وزير المالية، وبالتالي فان حزب الله معارض لمنح سنة اقدمية بهذه الطريقة لدورة 1994 رغم انه يؤيد العماد عون ولكنه الداعم الاكبر لبري سياسياً ودستوريا في موضوع ملف منح مرسوم اقدمية لمدة سنة لـ180 ضابطاً وتمت تسمية دورتهم «دورة العماد ميشال عون»، ولديهم الحقوق لحين انهاء خدمتهم لاكثر من 18 سنة، اضافة الى ان حزب الله ان كانت المناصفة في الجيش اللبناني بين الضباط المسلمين والمسيحيين تهمه جداً ويؤيدها. فان دورة العماد عون والتي هي دورة سنة 1994 تمت دون اي وساطة وعلى اساس الكفاءة، الا انه تبقى قوة الجيش العونية بيد الرئيس ميشال عو،ن وضباطها اصبحوا على مستوى قادة الوية واستلام مراكز حساسة وهامة في قيادة الجيش. ورغم تأكيد حزب الله انه يريد في الجيش مناصفة بين المسلمين والمسيحيين فإن القوة الضاربة على مستوى الجيش ستكون لدورة ضباط 1994، اي دورة ميشال عون ومن هنا فان حزب الله غير راغب في تعديل تركيبة الجيش وبنيته لدورة تم تخريجها في عهد رئاسة العماد ميشال عون للحكومة الاستثنائية، وكان وضع البلاد غير طبيعي، وهذا هو الموقف الحقيقي لحزب الله.
الوزير سليمان فرنجية الى جانب الرئيس نبيه بري، ثم لا ننسى الخلاف الحاصل بين الرئيسين نبيه بري وجبران باسيل بشأن بلوكات النفط والغاز، وكيف انه بسبب عدم قدرة الرئيس ميشال عون على الانتقال الى عين التينة وعدم قدرة الرئيس نبيه بري على الانتقال الى بعبدا اصبحت المفاوضات بين الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل، مما جعل الرئيس نبيه بري يتخذ قراراً حاسماً بجعل المفاوضات خارج نطاقه ووضع باسيل على خط التفاوض مع الوزير علي حسن خليل وابتعد الرئيس بري عن مقابلة باسيل.
ما الذي سيجرى لاحقاً؟
ان ستة الاف ضابط من الجيش اللبناني سيتأثرون بمنح اقدمية سنة لضباط رفاق لهم، واذا كانت دورة ضباط سنة 1994 هي من نخبة الدورات في الجيش اللبناني الا ان المقاييس لنتيجة منح اقدمية سنة تضرب الجيش ويصبح الضباط المرؤوسون هم بإمرة ضباط كانوا رؤساء عليهم، وستكون القوة الضاربة للعماد ميشال عون في الجيش اللبناني الذي قام بتطويع هذه الدورة عندما كان رئيساً للحكومة الاستثنائية، والرئيس نبيه بري يريد قطع الطريق على هذا الخط ويسانده حزب الله ويدعمه النائب جنبلاط، فيما القوات اللبنانية لا ترغب بنفوذ الرئيس ميشال عون القوي في الجيش، ذلك ان الضباط العونيين في الجيش لا يحبون القوات اللبنانية، لكن القوات اللبنانية ملتزمة الصمت ولا تدخل في صراع عون ـ بري.
الحل لن يكون قريباً الا اذا وافق الرئيس عون ورئيس الحكومة على سحب ترقيات لـ19 ضابطاً من رتبة عقيد الى رتبة عميد ولـ5 ضباط من رتبة مقدم الى رتبة عقيد، على ان يصدر مرسوم آخر بترقيتهم بعد 6 اشهر من الآن بدلاً من ترفيعهم الى رتبة اعلى في اول سنة 2018. ويكون بذلك ضباط 1994 الذين حصلوا على ترقية فورية الى رتبة عقيد وعميد يتم فصلهم عن بقية الضباط واصدار مرسوم بترفيعهم الى رتبة اعلى بعد 6 اشهر كي تبقى التراتبية محفوظة في الجيش ولا ينتقل ضابط كان برتبة عقيد وكان تحت امرة ضابط برتبة عقيد، لكن مرسوم ترقيته الى رتبة عميد يصبح رئيساً على من كان يرؤسه برتبة عقيد ولم يحصل على ترقية.
الحل بفصل ضباط 1994 عن الترقية الحالية واصدار ترقية لهم بمرسوم من مجلس الوزراء وموقع من كل الوزراء، اما منح سنة اقدمية لهم فهو تفصيلي في صراع الرئيسين عون وبري الذي ستكون محطته الاساسية في التحالفات الانتخابية القادمة وتشكيل الحكومة القادمة، دون ان ننسى شروط الرئيس الاميركي ترامب والادارة الاميركية التي ستقاطع اي حكومة تتشكل بعد الانتخابات وتضم وزراء من حزب الله. وعندئذ ستقوم واشنطن بمقاطعة لبنان اذا اشترك وزراء من حزب الله في الحكومة، انما على صعيد الانتخابات النيابية فواشنطن ستترك الامور بشكل ديموقراطي، لكن بالاتفاق مع السعودية واسرائيل تعمل اميركا على محاصرة حزب الله واخراجه من الشرعية اللبنانية لانه يشكل خط المواجهة المتبقي مع اسرائيل ومع خط السعودية المتحالف والمحافظ للشعب الفلسطيني منذ اغتصاب فلسطين وحتى اليوم.