كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن صراعا في الكواليس بين جناحي النظام الإيراني، أدى إلى كشف عورة الفساد أمام الشعب الذي يعاني غالبيته من الفقر، الأمر الذي فجر موجة غضب عارمة في جميع أنحاء البلاد ضد النظام بوجهيه المتشدد وما يسمى بالإصلاحي.
 


وبينما كانت الطبقة المتوسطة في المدن الحضرية تقود احتجاجات عام 2009، فإن المظاهرات الحالية مدفوعة إلى حد كبير من قبل الشباب الساخطين في المناطق الريفية والبلدات والمدن الصغيرة، حيث أرادوا التعبير عن إحباطهم من النخبة السياسية التي اختطفت اقتصاد البلاد لخدمة مصالحها الخاصة.


وبحسب نيويورك تايمز، فإن شرارة الغضب الشعبي اندلعت بعدما كشف الرئيس حسن روحاني بنودا من الميزانية الحكومية، وهي أول مرة يتم فيها عرض بنودا سرية من ميزانية البلاد أمام العامة، بما في ذلك تفاصيل الإنفاق على المعاهد الدينية والجيش.


واكتشف الإيرانيون أن مليارات الدولارات تذهب إلى المنظمات المتشددة، والجيش، وقوات الحرس الثوري، والمؤسسات الدينية التي تثري النخبة المتشددة.
وفي الوقت نفسه، اقترحت الميزانية إنهاء الإعانات المالية لملايين المواطنين، وزيادة أسعار الوقود وخصخصة المدارس الحكومية.


ويبدو أن الهدف من التسريب هو الاستفادة من الاستياء الشعبي، وقد نجح بالفعل، فقد انفجرت الرسائل الغاضبة من المواطنين على تطبيق إنستغرام للتراسل الذي يستخدمه 40 مليون إيراني.


وبحسب تقديرات غير رسمية، تصل البطالة في أوساط الشباب بإيران إلى نحو 40%، بينما ينفق النظام الحاكم مليارات الدولارات في الخارج لتوسيع نفوذه في العراق وسوريا ولبنان واليمن.


وقال مهدي من مدينة إيزه في مقاطعة خوزستان الفقيرة في إيران لنيويورك تايمز: "هذه المعلومات أغضبتني".


وأضاف الشاب الذي طلب عدم استخدام اسم عائلته خوفا من الانتقام: " كل المؤسسات الدينية حصلت على ميزانيات عالية، بينما نكافح مع البطالة المستمرة".
ويوم الخميس الماضي، حاول المتشددون استعادة زمام المبادرة وإحراج روحاني المحسوب على ما يعرف بالتيار الإصلاحي، بتأجيج مظاهرة في مدينة مشهد حيث هتف المئات الشعارات ضد الاقتصاد الضعيف وصرخوا "الموت للديكتاتور" و "الموت لروحاني".


وأكد مسؤول أمني إيراني أنه تم استدعاء خطيب صلاة الجمعة في المدينة أحمد عالمخودة من قبل مجلس الأمن القومي، للتحقيق معه في دوره بالمظاهرات. وانتشرت مقاطع فيديو في وسائل الإعلام الاجتماعية منذ أسابيع لأناس يناقشون باهتمام الميزانية الحكومية المقترحة، مما شجع الإيرانيين المحبطين في مناطق أخرى.

وردا على الاحتجاجات في مشهد، غرد المستشار الموثوق للرئيس روحاني، حسام الدين أشنا، على تويتر يوم الجمعة الماضي، مسلطا الضوء على "التوزيع غير المتوازن للميزانية".


وقال إن المؤسسة العسكرية وصلت مخصصاتها بالميزانية إلى 11 مليار دولار، أي بزيادة 20% تقريبا، كما زادت مخصصات رجال الدين ممثلي المرشد الأعلى في الجامعات.


وحصل المعهد الذي يديره رجل الدين المتشدد محمد تاغي مصباح اليزدي على ثمانية أضعاف ما كان عليه قبل عقد من الزمان.


وعلى مدى عقود، اعتبر الذين يعيشون في المدن والقرى الإقليمية في إيران العمود الفقري للنظام الديني في البلاد.


وبعدما كانوا يميلون إلى نمط حياة محافظ، أصبحوا في السنوات الأخيرة متحمسين للتغيير بعدما قارنوا حياتهم بهؤلاء الذين ينعمون بالثروة في العاصمة.


وبينما أفرغ الجفاف الذي دام 14 عاما القرى النائية من ساكنيها، وانتقل الناس إلى المدن للحصول على وظائف، أصبح الولوج إلى الإنترنت أسهل وعوضهم عن عدم امتلاك تلفاز.


وقال مهدي: "في إنستغرام، رأيت صورة لامرأة في طهران تقود سيارة رباعية وتقول إنها تنفق 3000 دولار على حيواناتها الأليفة كل شهر".


وتابع مندهشا:"يمكن للشخص أن يعيش هنا مع هذا المال لمدة عام كامل.. هذا مثير للغضب".


وقال سائق تاكسي في طهران يدعى محمد علي نجاد إنه هتف مع الاحتجاجات، وأضاف:"أريد أن يذهب هؤلاء رجال الدين. لقد دمروا حياتي ".


ولمحاولة الظهور بمظهر ديمقراطي، دائما ما يروج نظام الملالي في إيران على وجود تيارين محافظ وإصلاحي في إطار لعبة سياسية لتبادل الكراسي.


لكن الحقيقة التي كشفتها الاحتجاجات هي إدراك الشعب أن التيارين هما وجهان لعملة واحدة تحت عباءة المرشد علي خامنئي، الحاكم الفعلي للبلاد.