مئة وأربعٌ وعشرون جريمة قتل ارتُكبت العام المنصرم في لبنان، بحسب ما تؤكد مصادر أمنيّة لـ"ليبانون ديبايت"، وإحدى أبرز هذه الجرائم كان مقتل الشابة ريّا الشدياق على يد ناطور المنزل باسل حمزة.
جريمة هزّت ببشاعتها بلدة مزيارة الشمالية والرأي العام اللبناني. وبعد مرور أربعة أشهر على الجريمة، حملت نهاية 2017 قراراً ظنياً بالإعدام بحق قاتل ريّا، وهو القرار الذي توجّهت الأم المفجوعة إبانه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون تناشده التطبيق، وتوقيع مرسوم الاعدام بحق قاتل ابنتها.
الأمر الذي أعاد قضية الإعدام إلى الواجهة من جديد. فمع كل جريمة، ومع كل قرار ظني يحمل الإعدام شفهياً في طياته، يُعاد تسليط الضوء على عقوبة الإعدام الموجودة في القانون الصادر العام 1943 والمعلقة منذ العام 2004 لأسباب لها علاقة بحقوق الانسان، وعلاقات لبنان الدولية.
وتعود للواجهة معها الجدلية بين من احترقت قلوبهم ولا يجدون الراحة النفسية إلا بحكم إعدام يشفي غليلهم ويبرّد نيران غضبهم، وبين من ينظرون للقضية من زاوية علمية بحتة لا ترى في الإعدام عقوبة رادعة للجريمة.
يرى رئيس المركز اللبناني لحقوق الانسان وديع الأسمر أن هدف العقوبة عادة يكون لحماية المجتمع، ومعاقبة شخص على جرمٍ ارتكبه ومساعدته في الإطار العام والتعويض نوعا ما على الضحية. و"تبين أن الإعدام عقوبة غير فعالة، والظلم الذي توقعه على الجاني أكبر بكثير من مردودها، ويمكن اعتبارها نوع من التحريض، للخروج من ثقافة مجتمع وسيادة دولة القانون وسيادة العدالة إلى مجتمع ثأري".
يتفهم الأسمر ردّ فعل أهالي الضحايا، فـ"هم جزء من الضحية، ولهم الحق بمحاكمة عادلة وسريعة وبمعرفة الحقيقة، ولكن المجتمع شرّع القوانين خوفاً من أن تقرر الضحية ما يناسبها من أحكام، لأن هدف المجتمع من العقوبة هو الحفاظ على المجتمع ككل، والإشكالية في القانون اللبناني أنه يصور قضية القتل كأنها جريمة شخصية في الوقت الذي هي جريمة ضد المجتمع".
ويؤكد الأسمر في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت" أن التجارب والدراسات أثبتت أن الإعدام عقوبة غير نافعة وغير رادعة، ففي أميركا، هناك ولايات تطبق عقوبة الإعدام، وأخرى لا تطبقها، وهناك ولايات توقفت أخيراً عن تطبيقها أو العكس. وأثبتت الدراسات أن اللجوء لتطبيق عقوبة الإعدام لم يخفف من نسبة الجريمة، والعكس صحيح، أي إن التوقف عن تطبيقها لم يؤدي إلى ارتفاع نسبتها.
فما هو الرادع البديل؟
يشدد الأسمر على أن الرادع الحقيقي هو تطبيق القانون بشكل صارم، وسيادة القضاء، ووقف التدخلات السياسية بالقضاء. علما أن هناك إشكالية في القانون اللبناني تسمى الحق العام، إذ يتمكن الشخص المرتاح مادياً والذي يتمتع بعلاقات اجتماعية أو سياسية من النجاح بممارسة الضغوط على أهل الضحية للقبول بالفدية والتنازل عن الحق الشخصي. لذلك يجب تعديل القانون اللبناني وإلغاء الأسباب التخفيفية ليصبح الحق العام بين 10 و15 سنة بدلاً من 2 أو 3 سنوات، ما يحقق العدالة أكثر ويسمح بتخفيف الضغط على أهل الضحايا.
ويلفت إلى أنه من الأسباب الإضافية لإلغاء عقوبة الإعدام أنه "مع احترامنا للقضاء هناك أخطاء، وهناك عدد من الناس حُكم عليهم بالإعدام والمؤبد وتبين لاحقاً أنهم أبرياء. وبحسب دراسة أجراها المركز اللبناني لحقوق الانسان في العام 2004 أظهرت أن أغلب المحكومين بالإعدام كانوا فقراء وذوي مستوى تعليمي متدنٍ، وكانوا يأخذون معونات قضائية. وهذا لا يعني أن الفقراء أكثر إجراماً من غيرهم، لكن يدل على أن المستويين العلمي والمادي وحالة الشخص تؤثر على الحكم، كونهم لا سند لهم ولا يستطيعون تعيين محامٍ كغيرهم من الموقوفين".
لا اتفاقيات دولية تمنع لبنان من إعادة تكرار تجربة الإعدام، فلبنان وقع على البروتوكول الاختياري الأول "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" الذي يتكلم عن التناسب بالعقوبة ويحدّد عقوبة الإعدام بظروف خاصة مع إمكانية المراجعة، من دون أن يطالب بمنعها. لكنه لم يوقّع على البروتوكول الاختياري الثاني من الاتفاقية نفسها، وهو الذي تؤمن الدول الأعضاء فيه بأن إلغاء عقوبة الإعدام يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان، وتوجهت جميعها لإلغاء عقوبة الإعدام.
لكن يمكن أن تشكل العلاقات الدولية للبنان رادعاً يحول دون تكرار هذه التجربة، إذ إن هذا البلد لديه اتفاقيات تعاون مع الخارج، مثل الاتحاد الاوروبي، الذي يتوجه في المسار التفضيلي للتمويل لتخفيف التعاون مع الدول التي تطبق عقوبة الإعدام.