من الصعب مقارنة تجربة الرئيس نبيه بري في الحكم بتجربة أحد من الذين داولوا السلطة وهم أقوياء سواء من هم قبل دولة الرئيس أو من هم معه- من استمرمنهم أو من تقاعد - كونه اختصر واختزل مرحلة سياسية كاملة كان فيها معيار السلطة الحاكمة والنافذة والمُطبقة على خيارات الدولة وهذا النفوذ الاستثنائي للرئيس بري جعل منه ضرورة سياسية لا يمكن التفريط بها وقد لا نجد موقفاً متطرفاً ضدّ الرئيس بري حتى من أخصامه السياسيين بل ثمّة تمسك به من قبل المختلفين معه أكثر من الجماعة المتفاهمة معه .
الى ما قبل وصول الرئيس ميشال عون الى قصر الرئاسة كانت كلمة بري هي الفصل ولكن اصرار حزب الله على حليفه في الرئاسة في ظل تباين في وجهات النظر مع الرئيس بري قوّض من قوّة بري وفتح ثغرة في الجدار السميك الذي حمى رئيس حركة أمل طيلة توليه رئاسة المجلس النيابي ودشّن بداية مرحلة مخففة من قوّة الموقف الذي تمتع به الرئيس بري دون غيره من السياسيين سواء في السلطة أو في المعارضة .
لا شيء يمشي أو يمرّ في الحكومة وفي المؤسسات دون موافقة أو مباركة نبيه بري وخاصة في المسائل الحسّاسة والعناوين المتعلقة بضبط الايقاع في التعاون بين المواقع القائدة ومن فرض دوره كصمام أمان للوطن وكحماية للأمن في محمولاته كافة . من هنا استعصت سياسات البعض من الكافرين بمواقف الرئيس بري على خفض منسوب سيطرة بري على السياسة اللبنانية والكل يذكر محاولة بعض اللاعبين الصغار في جماعة 14 آذار بعيد الخروج السوري من لبنان لطيّ سجل الرئيس بري في الحكم و إخراجه من رئاسة المجلس النيابي طالما أن فريق 14 آذار أكثرية نيابية وذلك بالتفاهم مع أطراف من فريق 8 آذار لوضع حدّ نهائي لحلفاء سورية في لبنان .
إقرأ أيضا : القبس: بري تنازل عند اعلانه ان مرسوم الأقدمية يسري بمجرد اعادته لتوقيع خليل
آنذاك عض الصغار على أصابعهم بعد أن علموا ما جهلوا بأن الرئيس بري ليس ملكاً يمكن كشه كما في لعبة الشطرنج وتعلموا أن بري ضرورة الضرورات في السياسة والحكم وبقيّ الوضع على ما هو عليه الى أن جاءت التباينات الحادة من رئاسة الجمهورية وخسران الرئيس بري لمرشحه لتضع لاءات بري في خانة النعم وهنا بدأت مرحلة تراجع في حجم نفوذ رئيس المجلس النيابي وعندما وقع رئيسيّ الجمهورية والحكومة على مرسوم" الضباط" دون توقيع وزير المالية واعتراض الرئيس بري على ذلك دون عدول الرئيسين والأخذ باعتراض بري أسّس أيضاً لمرحلة تخفيض لمستوى سياسة بري النافذة وبالتالي قيام تيار سياسي بتحميل الرئيس بري مسؤولية فرملة اندفاعات الحكم ضمن خطة مدروسة ومبرمجة ضاعف من جرعة تحدي بري خاصة و أن هناك تصاريح مسؤولة تؤكد أن الخلاف ليس على المرسوم بقدر ما هو خلاف في السياسة أي في الفضاء العام غير المحدد في ملف من الملفات .
خط الوساطة بين بعبدا وعين التينة انتهى بدور رئيس الحكومة الذي يحاول رأب الصدع ولكن لا يمكن أن يتم ذلك على حساب الرئيسين لأن التراجع بالنسبة لهما تراجع ذو حسابات تطال البنيتين السياسية والشعبية ويفتح الشهيات على تنازلات وتراجعات وهذا ما يضر ويُفسد السياسة التي اعتمدت منطق القوي لا الضعيف . من هنا يبدو أن المتاح مقفل على عدم الإمكانية في التراجع وستأخذ العلاقة بين التيّار والحركة منعطفاً ليس خطيراً بقدر ما هو إعادة تموضع في الحسابات السياسية وفي إعادة هندسة خارطة التحالفات وستكون الانتخابات النيابية ساحة الاعلان الواضح والصريح عن الطلاق السياسي سعياً وراء تحضير مسبق للانتخابات الرئاسية التي ستقرر نتائجها وبطريقة ما طبيعة النتائج النيابية وفي مساراتها التحالفية .
إقرأ أيضا : نبيه بري بالنسبة لجمهوره.. نبيه بلا هاء وأكثر!!
من الطبيعي اعتبار أن الرئيس بري قد فقد نسبة ما من رأسماله السياسي بعد أن أحاطت به ظروف غير مساعدة على بقاء رصيده السياسي على ما كان عليه في بنك السلطة ولكن ستكشف الانتخابات النيابية عن مستقبل هذا الرصيد نفسه إمّا في زيادة ارتفاعه و إمّا في زيادة هبوطه الإضطراري نزولاً عند رغبة الحلفاء غير الأبرياء .