حين قال الأمين العام لحزب الله خلال برنامج "لعبة الأمم" على قناة "الميادين"، مع محاوره سامي كليب، إنّ راتبه 1300 دولار، لم يكن يكشف سرّاً، ولا كان يعلن "فقرَه". إذ لا يقول نصر الله أمراً أو معلومةً دون هدف واضح ومحدّد.
هذا الرجل استثنائيّ في كلّ شيء. عليه تُقاس أحجام الرجال الذين يحاولون تقليده، من سوريا إلى البحرين واليمن والعراق. هو شخصية قيادية تساهم في صناعة الرأي العام الشيعي حول العالم. وهو شخصية إشكالية حتى داخل إيران نفسها، وربما أكثر من معظم قيادات نظام الوليّ الفقيه.
ولا شكّ أنّ الرجل حين قرّر الإعلان عن أنّ راتبه لا يتعدّى 1300 دولار شهرياً، كان يرمي إلى ما يجب فكّ شيفرته:
أوّلا يأتي هذا الكلام على هواء فضائية عربية، وليس على تلفزيون محليّ. فضائية تتوجّه إلى العرب، وإلى "الخارج". ومن "الخارج" هناك الحراك الإيراني المستجدّ نهاية العام الفائت وبداية العام الحالي، أي كان يتحدّث ليسمعه الإيرانيون الذي خرجوا في "ثورة جياع" حول إيران، من عشرات المدن والبلدات، بما فيها طهران ومشهد. الإيرانيون الذين هتف عشرات الآلاف منهم: "لا غزة ولا لبنان، دمي فداء لإيران".
لهؤلاء أراد نصر الله القول: "نحن فقراء في حزب الله، والأمين العام راتبه لا يتجاوز 1300 دولار أميركي شهرياً". ولهؤلاء أراد القول إنّ حزبه ليس حزبا مبذّراً، بل هو حزب الفقراء والمُعدمين والزاهدين. يغيب عن باله أنّه بات معروفاً حجم الترف الذي تعيش بيئة قياديي حزب الله فيه.
إقرأ أيضا : بانوراما لبنان الجديد : نصرالله يعلن عن مساعي لحل أزمة المرسوم وإجتماع للحكومة اليوم
أيضاً يتوجّه نصر الله إلى مقاتليه الفقراء المُعدَمين، الذين تتراوح رواتبهم بين 600 و1000 دولار شهرياً. وهذه رواتب معظم الآلاف الذين سقطوا في سوريا على مذبح حماية قصر المهاجرين في الشام، وفي سبيل الإبقاء على سلالة الأسد على رأس السلطة في سوريا.
لهؤلاء المقاتلين، الذين سمعوا أنّ نجل النائب حسن فضل الله تمّ تعيينه في أمن الدولة براتب كبير، ومن خارج الملاك، لهؤلاء أراد التذكير بأنّ "راتبي 1300 دولار". ولكلّ مشكّك في "زهد" قيادات حزب الله، قال ما قاله. ولكلّ من سمع في أذنيه جملة مثل: "هل ستموت من أجل 1000 دولار وأبناء القيادات يعيشون بآلاف الدولارات شهرياً؟".
ولفقراء الشيعة، في ضاحية بيروت الجنوبية، وفي بعلبك والهرمل، وفي الجنوب، وفي كلّ مكان من لبنان، الفقراء المحتاجين الذين أذلّهم الفقر وأهانهم. لهم أراد القول: الفقر ليس عيباً، وأنا فقير مثلكم...
لكن هل صدّقوه؟
غنيّ عن القول إنّ راتب نصر الله لا يمكن أن يكون 1300 دولار. فهو ربّ عائلة، ومصروف الطعام والشراب لعائلة فقيرة، لا يقلّ عن مليون ليرة شهرياً، يضاف إليها فاتورة كهرباء "الدولة"، وفاتورة المولّد الكهربائي الإضافي "الإشتراك"، وفاتورة الهاتف الثابت، والهاتف النقّال، وفاتورة "الساتلايت"، دون أن ننسى فواتير الطبابة والتعليم والتنقّلات...
هل يمكن أن يكون راتب نصر الله 1300 دولار؟
السؤال ليس مهمّاً.
الأهمّ: لماذا قال ذلك؟