طويت صفحة خلافات التعيينات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية ولبنان، بتقديم السفير السعودي الجديد وليد اليعقوب أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية جبران باسيل. ومن المفترض أن يزور اليعقوب قصر بعبدا الثلاثاء، لتقديم أوراق اعتماده لرئيس الجمهورية. أقاويل كثيرة ترددت بشأن التأخير في قبول السفيرين بين السعودية لبنان، خصوصاً أن البلدين تخطيا المهلة المعترف بها وفق الأصول الدبلوماسية والقواعد الدولية للاجراءات المماثلة، إذ إن اختيار السفيرين من قبل البلدين تخطّى مهلة الأربعة أشهر، بدون إعلان موافقة أو قبول أوراق الاعتماد. في القواعد الدبلوماسية، فإن عدم تحديد موعد للسفير الجديد خلال هذه المهلة لتقديم أوراق اعتماده، يكون ذلك رفضاً ضمنياً ودبلوماسياً لشخص السفير. لكن العكس حصل في هذه المسألة.

في البداية تريّثت السعودية في قبول السفير اللبناني، وتأخرت في إعلان موافقتها عليه. البعض اعتبر أن ذلك يعود إلى سبب العلاقة المتردية بين لبنان والمملكة، وما تخلل تلك الفترة من أحداث، لا سيما استقالة الرئيس سعد الحريري. في المقابل، تتحدث مصادر متابعة عن أن السعودية لم تعط موافقتها على السفير فوزي كبارة، ليس لأسباب سياسية أو لخلافات دبلوماسية مع لبنان، بل إن الإشكال كان محض تقني ودبلوماسي، إذ إن السعوديين تبلغوا باسم السفير المقترح للتعيين لديهم من وسائل الإعلام اللبنانية، وذلك قبل نقاش المسألة في مجلس الوزراء اللبناني والموافقة على تعيين هذا السفير لدى الرياض. وتعتبر المصادر أنه عادة ما يتم إرسال اسم السفير إلى الدولة المنوى تعيينه فيها، لإبداء الرأي في ذلك، وبعد الموافقة يتم طرح الأمر في القنوات الدبلوماسية المتّبعة. ولكن هذا لم يحصل. ما دفع السعوديين إلى الاعتراض على الطريقة.

فيما البعض الآخر يعتبر أن المسألة لها علاقة بأمور سياسية، لكن الظروف والتطورات اللاحقة التي حصلت بعد استقالة الحريري وعودته عنها وتجديد التسوية، حتّمت إعادة البحث في سبل تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتنفي المصادر أن يكون الاعتراض على الجهة السياسية التي يمثلّها كبارة، مع الإشارة إلى أنه سمّي من قبل الحريري شخصياً.

هذا التأخير السعودي، قوبل بتأخير لبنان مماثل في تحديد موعد لتقديم السفير الجديد أوراق اعتماده. وخلال فترة الانتظار هذه، كان لبنان يعتبر أن السعودية توصل إشارات معينة من خلال تأخير قبولها السفير اللبناني لديها، فاضطر لبنان إلى الرد بالمثل، بتأخير تحديد موعد تقديم أوراق اعتماد السفير الجديد، وليد اليعقوب. فيما هناك من تحدث عن مساع لمحاولة استبدال اليعقوب بسفير آخر، باعتبار أنه مقرّب من الوزير ثامر السبهان. لكن هذه المحاولات لم تنجح. وعليه طال عض الأصابع بين الطرفين، إلى أن تبلّغ لبنان قبول السعودية بتعيين كبارة سفيراً لديها، فعاجلت الخارجية اللبنانية إلى تحديد موعد لليعقوب. ما يعني أن ثمة مرحلة جديدة من العلاقات اللبنانية السعودية، سترتكز على مبدأ إعادة تطبيع العلاقة بين الطرفين، وتجاوز ما حصل سابقاً.

الرهان على ذلك سيبقى معلّقاً على أي خطوة جديدة في صدد استعادة العلاقة إلى زخمها، لا سيما أن مصادر الخارجية كانت حريصة على التأكيد أن لبنان حريص كل الحرص على العلاقات الجيدة والممتازة والأخوية مع السعودية. وهذا سيبقى مرهوناً بإمكانية توجيه دعوة سعودية إلى الرئيس الحريري في الفترة المقبلة، وربما تكون على رأس وفد وزاري، أولاً لإعادة تطبيع العلاقة، وثانياً لإعادة تفعيلها وتزخيمها وتجاوز المرحلة السابقة. وذلك استناداً إلى ضمانات لبنانية قدّمت للمملكة بشأن الالتزام بالنأي بالنفس وعدم مواجهتها من قبل اللبنانيين، مع فتح المجال أمام باب حوار في المستقبل لتطبيق القرارات الدولية وحصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية، تمهيداً لمرحلة مقبلة من العلاقات ستتحدد بعد الانتخابات النيابية، وستكون مرتكزة على أسس التوجهات الدولية إزاء لبنان، وفق ما سيكون عليه التعاطي مع نتائج الانتخابات.