من السابق لأوانه ومن المبكر الحديث عن إنهيار دعائم النظام في إيران فضلا عن التوقعات بأنه بات على قاب قوسين من السقوط.
فالنظام الإيراني وعلى مدى ما يقارب الأربعة عقود استطاع أن يبني دعائم قوية تابعة له في الدولة وأن يمسك بمفاصل السلطة بكل حزم ويجذر إيديولوجيته في وجدان المواطن الإيراني معتمدا بذلك على ثلاث عوامل أساسية.
أولًا: آلة قمع بوليسية يلجأ إليها عند الضرورة لسحق أي صوت معارض مستخدما أبشع الوسائل في الإعتقال والتعذيب أثناء التحقيق والزج في السجون والزنازين والأحكام الجائرة وتوجيه الإتهامات العشوائية، عدا عن اعتماده على القوة المفرطة في قمع أي حركة مطلبية أو إحتجاجية أو تظاهرة أو حتى أي إعتصام لأي شريحة من الشعب للمطالبة بحق من حقوقها أو للتعبير عن رأيها.
ثانيًا: تحريك الماكينة الإعلامية الرسمية الواسعة التي يمتلكها بأقصى سرعة لإلصاق تهمة المؤامرة بكل من يطالب ببعض الإصلاحات التي قد تساهم بتقديم الحد الأدنى من الخدمات الملحة للمواطن الإيراني الذي يئن من الفقر والجوع والتي تتعلق بلقمة العيش والطبابة والإستشفاء والتعليم والسكن، وجدير بالإشارة وحسب آخر الإحصائيات فإن ما يقارب ثلث الشعب الإيراني يعيش في أكواخ من الصفيح، ذلك أن النظام - وللهروب من تحمل مسؤولياته والقيام بواجباته تجاه شعبه - فإنه لا يجد أمامه سوى وصف هؤلاء المطالبين بحقوقهم بالخونة والعملاء والإرتهان لدول خارجية معادية لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد.
إقرأ أيضًا: من ديكتاتورية الشاه إلى ديكتاتورية الخامنئي
ثالثًا: وهذا هو الأخطر هو زج الدين في اللعبة السياسية من خلال مسألة فقهية كانت ولا زالت موضع بحث وإختلاف بين كبار الفقهاء والمراجع الشيعة وهي ولاية الفقيه التي تتيح لرأس النظام وقادته والممسكين بأجهزته وأركانه إحاطة أنفسهم بهالة من القداسة والألوهية واعتبار القرارات التي تصدر عنهم مغلفة بشيء من العصمة ولا تحتمل الزلل والخطأ وفرض التعامل معها بكثير من الإنصياع والخضوع والقبول لدرجة أن الراد على كلام أي من هؤلاء القادة وخصوصًا الولي الفقيه كالراد على الله ورسوله واستطاع النظام الإيراني من خلال تركيزه على فكرة ولاية الفقيه أن يغزو عمق العقل للمواطن ويجمده ويخدر أفكاره باشاعة كم هائل من الأقاويل التي تتحدث عن عصر الظهور والترويج لواقع ضرورة تحضير المسرح السياسي لإستقبال مخلص البشرية الذي سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا.
لذا فلا داعي للإنشغال بمباهج الدنيا الزائلة والواجب الديني يفرض على الجميع الإستعداد لأن يكونوا جنودا مجندة في جيش الإمام الغائب عند ظهوره على الملأ.
إلا أن كل ذلك لا يعني أن النظام الإيراني في مأمن من أية أخطار خارجية وداخلية وأنه بمنأى عن الرياح التي تعصف بالمنطقة برمتها سيما وأن له اليد الطولى في إثارة الكثير من الأزمات والمشاكل في العديد من الدول العربية لدرجة التبجح بهيمنة طهران على أربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت وتدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول وذلك في الوقت الذي تعيش فيه إيران عزلة دولية بسبب العقوبات المفروضة عليها من قبل المجتمع الدولي لإمعانها في تطوير برنامجها النووي ومنظومة أسلحتها الصاروخية.
إقرأ أيضًا: خفايا العلاقة الأميركية - الإيرانية ... حب وإتفاقات بالمخفي
وفي الداخل فإن إيران تواجه تحديات صعبة عنوانها الجوع والفساد والإستغلال وهي العوامل التي حركت شرائح الشعب الإيراني على كافة المستويات وبكل أطيافه الدينية والسياسية والإجتماعية ودفعتها للنزول إلى الشارع للتعبير عن معاناتها من خلال مظاهرات عمت معظم المدن الإيرانية بحيث لم يعد ينفع مع جموع المحتجين أساليب الإستهانة تحركاتهم وتحقير مطالبهم واتهامهم بالأقلية المضللة.
وقد تفاعلت حركة الناس وتوسعت وعمت كافة أرجاء إيران، الأمر الذي دفع بكبار المسؤولين الإيرانيين للعمل على التهدئة وامتصاص الغضب الشعبي عبر إتهام جهات خارجية بأنها وراء هذه الحركة الشعبية الإحتجاجية وهو ما اعتاد عليه النظام إلا أن هذا الأسلوب سقط ولم يجد له آذانا صاغية سيما وأن الرئيس الإيراني نفسه اعترف بمشروعية مطالب المحتجين الذين أصبح بامكانهم التواصل مع الملايين من الإيرانيين ما قد يؤدي إلى إضعاف الخطاب الرسمي الإيراني المتكىء على نظرية المؤامرة وبالتالي فإن النظام سيجد نفسه مضطرًا - وحفاظًا على استمراريته - للرضوخ إلى الشارع وإلى إعادة حساباته في تدخلاته الخارجية وهدر أموال الشعب على أحزاب وميليشيات تعمل في الخارج ولا يجني الشعب الإيراني منها غير الجوع والفقر وإستعداء شعوب العالم له.