تعتبر الاحتجاجات الإيرانية بين نهاية عام 2017 وبداية عام 2018 الأكبر والأهم منذ احتجاجات عام 2009 الحاشدة التي اندلعت حينها على خلفية انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وهناك عدة فروق بين الاحتجاجين.
امتلكت الثورة الخضراء قيادات واضحة كمير حسين موسوي ومهدي كروبي ومطلبها إصلاحي يدور حول الانتخابات بينما الاحتجاجات الحالية تنادي بتنحي المرشد خامنئي من السلطة وإلغاء الحكم الديني.
والملاحظ أن الاحتجاجات السابقة ركزت على العاصمة طهران وانتهت بقمع النظام لها، بينما الاحتجاجات الحالية لا حضور قويا لها بطهران وتبدو كأنها ثورة هوامش بدأت بمدينة مشهد وانتشرت إلى أكثر من ثلاثين مدينة.
يقول معارض إيراني إن 160 ألف عائلة مشهدية خسرت أموالها في مشروع شانديز السكني، وكان هذا المشروع عبارة عن أكبر عملية نصب واحتيال تورط فيها مسؤولون كبار في النظام لم تتم محاسبتهم.
وخسر أهالي مشهد أموالهم وحلمهم بالحصول على السكن، وأكثر البنوك الإيرانية التي أعلنت إفلاسها هي من مدينة مشهد الإيرانية وفقد الناس أموالهم بسبب إعلان هذه البنوك عن إفلاسها لهذا اندلعت الاحتجاجات من مشهد في يومها الأول.
ورغم أن الاحتجاجات الحالية عبرت عن هتافات سياسية كإطلاق سراح السجناء والخلاص من الحكم الإسلامي، لكن هدفها الرئيس هو الفساد والثقل الاقتصادي، إنها ثورة شباب جائع يبحث عن فرصة عمل ولقمة عيش، ومن الهتافات المثيرة التي رددها المتظاهرون “لا غزة ولا لبنان بل محبتي لإيران” وفي مدينة قم هتف بعضهم بالموت لحزب الله. الشعب الإيراني يشعر باختناق اقتصادي وعند الكثيرين منهم قناعة بأن ثرواتهم تُهدر على مشاريع سياسية خارج البلاد في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
ورغم تحذيرات مستشاريه من التدخل في الشأن الداخلي الإيراني فإن الرئيس دونالد ترامب ألهب حماس المحتجين ببعض التصريحات المؤيدة لهم، ومنها قوله “الأنظمة المستبدة لا يمكنها البقاء إلى الأبد. سيأتي ذلك اليوم الموعود حيث يكون على الشعب الإيراني أن يختار والعالم يراقب”.
أثارت تصريحات الرئيس ترامب انزعاجا لدى القيادة الإيرانية فوزير الخارجية محمد جواد ظريف وصفها بالمخادعة والانتهازية. أما الرئيس روحاني فقال إن الذي وصف الشعب الإيراني بـ”الأمة الإرهابية” لا يحق له إظهار التعاطف مع هذا الشعب الآن.
يقول أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في تسجيل “إن كل رواتب وصواريخ ومصاريف حزب الله مصدرها الجمهورية الإسلامية وطالما هناك أموال في إيران فنحن عندنا أموال”، تسجيل كهذا يثير سخطا كبيرا لدى الإيرانيين الفقراء ويشعرهم بأن أموالهم تذهب إلى الأجانب لدعم مشاريع لا تخص الحياة اليومية للمواطن الإيراني.
مستقبل هذه الاحتجاجات غير واضح لأن مشاركة القوميات فيها أكبر من مشاركة الفرس، فلا حضور قويا لها في شيراز وأصفهان وطهران بل أكثر المتحمسين لها في مناطق الأكراد والعرب، وهذا يهدد بتمزق البلاد وقد ينقلب الفرس ضدها لضمان وحدة البلاد.
رئيس تشخيص مصلحة النظام يتعالج في لندن بتكلفة 3 آلاف جنيه في اليوم الواحد بينما ينصح الملالي الفقراء بطلب الشفاء من الأضرحة المقدسة
ويقول معارض إيراني “لا علاقة لهذه الاحتجاجات بمجاهدي خلق أو أي تنظيم آخر، بل هي احتجاجات قام بها شباب عاطل عن العمل ونسبة الفقر فيه تصل إلى 40 بالمئة”، ويتساءل لماذا رئيس تشخيص مصلحة النظام يتعالج في لندن بتكلفة تصل إلى 3 آلاف جنيه في اليوم الواحد بينما ينصح الملالي فقراء إيران بطلب الشفاء من ضريح الإمام الرضا والإمام الحسين؟
كذلك المحامية الإيرانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام شيرين عبادي، وصفت المظاهرات بأنها ليست سوى “بداية حركة كبيرة” قد يفوق مداها احتجاجات 2009. ورغم مشاركة المرأة الإيرانية بكثافة في هذه الاحتجاجات إلا أن عبادي ترى أنها ثورة جياع لا علاقة لها بالحركات النسوية وحقوق المرأة.
ولكن هل النظام الإيراني في خطر؟ هل نحن أمام ربيع إيراني كبير أم هي مجرد سحابة صيف؟
خسر الإيرانيون فرحتهم برأس السنة الجديدة وهم قلقون من تطور الاحتجاجات إلى أعمال عنف، لكن هذا لم يحدث. ربما لقي عدة أشخاص مصرعهم، منهم شرطيان، غير أن الضرر الأكبر اقتصادي وهروب رؤوس الأموال من البنوك خصوصا أموال التجار العراقيين الذين يفضلون الإيداع بالمصارف الإيرانية لتقديمها تسهيلات كبيرة لهم مقابل ذلك.
لا نعتقد أن هذه الاحتجاجات ستؤدي إلى انهيار سياسي في إيران، فهذا نظام قوي عمره 40 سنة وطريقة إيران الإدارية تختلف عن الأنظمة الدكتاتورية العربية فهي ليست هرمية وتقليدية، ثم إننا لا نرى قيادات إيرانية سياسية روحية أو شعبية ذات تأثير وخبرة تقود الحراك الحالي ضد النظام.
هذا لا يمنع أن تكون الاحتجاجات الحالية صرخة إيرانية ضد الفساد والعبء الاقتصادي على المواطن وضد سياسة إيران الخارجية التي صارت تكلف البلاد المليارات من الدولارات. يقول المتخصصون إن الإيرانيين أفقر بنسبة 15 بالمئة عما كانوا عليه قبل عشر سنوات والعقوبات الأميركية الأخيرة زادت من صعوبات الحياة بإيران وأفقدتهم الأمل.