من طبيعة الديكتاتوريات مع كل تظاهرة سببها استياء الشعب أن يقال إن سببها الخارج أو الإرهاب. فها هو المرشد الإيراني يتهم أعداءه بأنهم يثيرون مشكلات في إيران مثلما استخدم حليفه بشار الأسد وسائل القتل والبراميل المتفجرة لقمع استياء شعبه، بتهمة الإرهاب. المرشد الإيراني يقمع شعبه لأنه يتظاهر بسبب الاستياء من ظروف معيشية غير محمولة.
فالمرشد والحرس الثوري الإيراني يصرفون أموال إيران على «حزب الله» والميليشيات في العراق والحرب في سورية ودعم الحوثيين في اليمن وتدريبهم عبر وكيلهم في المنطقة «حزب الله». فيما الشعب الإيراني يعاني من البطالة وغلاء المعيشة نتيجة تضخم مستمر وتفاقم الفقر. فهذا البلد الكبير وعدد سكانه يفوق ٨١ مليون نسمة، يشهد تظاهرات يتم قمعها من نظام يخرب في الخارج على حساب داخل مستاء وثائر، لأن ثروته تُهدر في المنطقة لفرض هيمنة حرس ثوري منبوذ وفاسد. وهو يسيطر على عائدات البلد لحماية بشار الأسد وزعزعة استقرار الشرق الاوسط من أجل الهيمنة.
اعترف مرة مسوؤل إيراني حالي لـ «الحياة» بأن هناك جدلاً في بلده حول تدخل إيران في سورية. وتابع أنه من الصعب إيجاد شخصين متفقين في إيران حول جدوى التدخل الإيراني في سورية. والبعض يتساءل: ما الداعي إلى هذه الحرب المكلفة ودفع الأموال الباهظة لحماية ديكتاتور يقمع شعبه ويقتله. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني وعد شعبه أن ظروفه المعيشية ستتحسن تحسناً ملموساً بعد توقيع الاتفاق حول الملف النووي الإيراني مع الدول الست منها الدائمة العضوية الخمسة في مجلس الأمن زائد ألمانيا. ولكنها كانت وعوداً كلامية، فالرئيس الإيراني الذي يعتبره الغرب محاوراً مقبولاً للدول التي تتمنى عقد صفقات مع إيران، ما هو إلا واجهة غير فاعلة لنظام الحرس الثوري الذي يمسك بزمام الأمور المالية في البلد.
واعتقال مئات المتظاهرين الإيرانيين في أكثر من منطقة في ايران وسقوط ١٦ قتيلاً بين متظاهرين نزلوا إلى الشارع للتعبير عن استيائهم من غلاء المعيشة ومن نظام فاسد قد يُنهي التظاهرات ويوقفها بالقمع والإعدام والقتل، كما هي العادة في مثل هذه الأنظمة القاتلة. فمن يشارك في قتل شعوب عربية مثل الشعب السوري لا يتردد أمام قتل متظاهرين داخل بلده يصرخون باستيائهم وألمهم من حياة صعبة وفقر يتفاقم. وصحيح أن العقوبات الأوروبية رُفعت عن إيران، لكن الموقف الأميركي ما زال غامضاً. احتمال خروج دونالد ترامب من الاتفاق مع إيران حول الملف النووي واحتمال تمديد الرئيس ترامب في منتصف كانون الثاني (يناير) العقوبات على إيران جعلا المستثمرين الأوروبيين يتروون في العمل في إيران. فالاستثمارات ما زالت حذرة ولو أن شركة «توتال» للنفط الفرنسية تعمل طبيعياً في عقدها لتطوير حقل ساوس بارس الغازي للاستهلاك المحلي، لكن معظم الشركات التي لديها مصالح في الولايات المتحدة تنتظر نهاية الشهر لترى ماذا سيفعله ترامب وإذا كان سيعود وسيفرض العقوبات على إيران، كون الكونغرس ألقى القرار على عاتق الرئيس.
وأغلب الظن أن ترامب سيقرر فرض العقوبات على إيران على ضوء كل ما يقوله عن النظام الذي يصفه بالوحشي. أما الرئيس روحاني الذي يحاول مراعاة المتظاهرين بالقول إنه ينبغي إعطاء الفرصة للشعب ليعبر عن قلقه اليومي فهو يضيف إلى ذلك إدانة عنف المتظاهرين، في حين أن القتلى وقعوا بسبب عنف نظام الحرس الثوري.
وما تشهده إيران حالياً هي تظاهرات شبيهة بقوتها بما حصل عندما قمع النظام التظاهرات التي عارضت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في ٢٠٠٩. وقد تنتهي التظاهرات على الشكل الذي انتهت في تلك الفترة لأن العنف والبطش والقمع تستوحي نموذج قاسم سليماني وفريقه في الحرس الثوري. ولكن تدل التظاهرات، على الأقل، أن الشعب الإيراني لن يقبل إلى الأبد فساد نظام أفقره لحساب تدخله وتمويله حروب الآخرين. وأن على النظام الإيراني أن يفكر بذلك بعمق وأن تدخله في الخارج قد يؤدي إلى نهايته يوماً.