بدأ الجيش اللبناني تعزيز قواته في الجنوب، وتحديداً في مناطق نطاق عمل القرار 1701. بعد انتهاء المعارك في السلسلة الشرقية، وجعل المنطقة آمنة، وطرد المسلحين منها، ثمة قرار حاسم لدى المؤسسة العسكرية بنقل العديد من الألوية إلى الجنوب، مقابل استمرار تعزيز وضع المواقع العسكرية في البقاع، وتحديداً عبر استحداث مواقع في الجرود المتقدمة لتأمين حزام آمن ومنع حصول أي عمليات تسلل. ولكن، يبدو أن الأنظار في المرحلة المقبلة ستتركز على الوضع في الجنوب، في ضوء الإصرار الدولي والإقليمي على تطبيق القرارات الدولية ولا سيما 1701 والتشديد على ضرورة إمساك الجيش بزمام الامور في تلك المنطقة.
ستتركز الإجراءات الجديدة التي سيتخذها الجيش في الجنوب على نقطتين أساسيتين، الأولى حماية الحدود من أي عدوان إسرائيلي محتمل، والتنسيق مع قوات الطوارئ الدولية للحفاظ على الاستقرار. والثانية تعزيز المواقع العسكرية المتقدمة لجهة الأراضي السورية، وسفح جبل الشيخ، وذلك تحسباً لحصول عمليات تسلل مسلحين سوريين من تلك المناطق في اتجاه بعض البلدات اللبنانية الحدودية وأبرزها شبعا. فالخشية اللبنانية تكمن من لجوء مدنيين سوريين وتسلل مسلّحين إلى الأراضي اللبنانية عبر معابر غير شرعية، هرباً من المعارك التي من المفترض أن تندلع في بعض قرى القنيطرة.
تأتي هذه الإجراءات في ظل تنامي الحديث عن إستعداد حزب الله والجيش السوري لتحريك جبهة الجنوب السوري، وتحديداً المنطقة الاستراتيجية في القنيطرة، والتي تقع على مثلث، بين لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة. وتفيد بعض المعطيات بأن الحزب يستعد لإطلاق معركة الجنوب السوري مجدداً من بوابة بيت جن، وهي البلدة الأقرب إلى بلدة شبعا اللبنانية، ولذلك هناك خشية في لبنان من أن تنعكس هذه المعارك في المقلب السوري على الوضع في القرى اللبنانية الحدودية.
بسيطرة حزب الله على بيت جن، يكون قد أحكم السيطرة على الخط الحدودي بين لبنان وسوريا، لأن هذه البلدة لا تزال تعتبر حاضنة لبعض فصائل المعارضة السورية وجبهة النصرة. ويعتبر الحزب أن تحقيق السيطرة عليها، يعني تحقيق هدف استراتيجي يتجلى بإبعاد مقاتلي النصرة عن الحدود اللبنانية، وتأمين هذه الحدود بشكل كامل. لا شك أن حزب الله يتعاطى مع الحملة العسكرية على تلك البلدة ومحيطها بكثير من الدقّة، لأنه يعلم مدى حساسيتها، خصوصاً أن ثمة عاملاً أساسياً لا يمكن تجاهله هناك، وهو العامل الإسرائيلي الذي يرفض حتى الآن بشكل قاطع، أي وجود للحزب في المناطق الجنوبية السورية، وهو سيفعل ما بوسعه لإبعاد الحزب وإيران عن الجنوب السوري. لكن الحزب يعتمد تكتيكاً هادئاً وغير سريع، ولا يرتكز على شنّ هجوم واسع على البلدة، بل عبر تنفيذ ضربات محددة ومركزة ومتقطعة، تهدف إلى ضعضعة صفوف المسلّحين لإجبارهم على الخروج من تلك البلدة. ولا شك أن الحصار سيكون أساسياً بالنسبة إلى الحزب لتحقيق هدفه وتجنّب معركة مفتوحة أو واسعة، لا أحد يعلم نتائجها.
لا شك أن سيطرة حزب الله على بيت جنّ، تعني أنه حقق هدفاً استراتيجياً جديداً، وسيعلن حينها قدرته على دمج الجبهات ببعضها البعض، وإمكانية فتحها حين تقتضي الحاجة. وهنا، يبقى السؤال عن الردّ الإسرائيلي على هذه الخطوة، لا سيما أن إسرائيل تكرر دوماً أنها لن تسمح بوجود حزب الله على حدودها. لا أحد قادراً على تكهن ما يمكن أن يحصل، لكن هناك من يعتبر أن هذه المعركة وتأمين الحدود اللبنانية ومنع تسلل المسلحين إلى لبنان، ستكون آخر معارك الحزب في سوريا.