ماذا بعد التخريب في الليل والنهار ، وأطنان من القنابل والقذائف الغاصة بالموت ، وماذا بعد إستشهاد إبراهيم الخاشوق شاعر الإنتفاضة التي هزت الأرض والناس نيامى ، ماذا غير وقفة شجاعة وقودها الشباب والنساء والأطفال اليتامى والمدن المُدمرة ، لا أعرف لماذا تذكرت ، طيران الليل ، تلك الرواية الرائعة التي كتبها الفرنسي ، دي سانت الكزوبري ، لم تكن في الصحراء المغربية ، بل نحن في منتصف النهار حيث المذبحة الهمجية ، مذبحة سوريا العربية الحزينة الباكية . سوريا غارقة في مذبحة دموية لا توصف ، كنت وحيداً لا أشعر بالرعب المتفشي عند البعض ، كنت أشعر بفزع في أعصابي المتوترة كتلك القنابل الإنشطارية التي كانت تهبط من السماء دون سابق إنذار لتهدم المدن والعمران على رؤوس ساكنيها ، لماذا تذكرت الكزوبري ذلك الإنسان الوديع والفذ في كتاباته وهو محلقاً فوق سموات الصحراء المغربية بطائرته البريدية القديمة . كنت كلما أسمع أزيز طائرة قادمة من جحيم السماء أتذكر وأردد في نفسي دون سابق شعور ،، يا ترى لو كان الكزوببري حياً وكان يهودياً بالرغم ! ، من عدم كونه ذلك ، هل كان يحلق بطائرته في سماوات سوريا العربية الضاجة بالدخان ويشطر الأرض الى نصفين ، وهل كانت روحه تتحمل مشاهدة هذه الأشلاء البشرية المتناثرة على أرصفة الشوارع والأزقة ، وهل كان يصوب نيران مدفعه الرشاش ليمزق صدر شاعر ، ولكن ، عبر الشوارع المشطورة لنصفين عبر بحيرات الدماء الزكية عبر جحيم الليالي المتوترة بالحزن عبر المذابح البشرية ، كان الكزوبري وحيداً داخل طائرته القديمة يعبر سماواته الزرقاء النقية مثل روحه العذبة ويضع أروع ما كتبه الفكر البشري ،