قبيل إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بأيام وأسابيع وربما بشهور أواخر سبعينات القرن الماضي بقيادة الإمام الخميني (قدس ) وإعلان نظام الجمهورية الإسلامية كانت جماهير الشعب الإيراني على إختلاف تنوعاته الطائفية والمذهبية والقومية وانتماءاته السياسية والحزبية والعرقية تملأ شوارع العاصمة طهران وباقي المدن الإيرانية الكبرى بالمظاهرات والإعتصامات والتي امتدت لتغطي إيران من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها. وهي تنادي بسقوط حكم أسرة آل بهلوي وترفع شعارات المطالبة برحيل الشاه محمد رضا آخر ملوك هذه الأسرة التي حكمت إيران لعقود طويلة أو محاكمته والإقتصاص منه لإرتكابه جرائم الفساد والظلم والتنكيل بحق الشعب الإيراني المقهور.
يومها لم يخطر ببال أحد لا داخل إيران ولا خارجها ولم يدر بخلد أي من المتابعين والمراقبين لمسار الثورة والمحللين السياسيين والمتعاطفين وحتى المعارضين لها أن يأتي اليوم الذي تنزل فيه شرائح شبابية من الشعب الإيراني لتجوب شوارع ذات المدن في مظاهرات إحتجاجية ومنددة بسلوك النظام الجمهوري الحالي وسياساته الجائرة بحق الشعب وإتساع رقعة الفساد في كافة مؤسسات وأجهزة الدولة وطغيان جناح الحرس الثوري الإيراني وإمساكه بمفاصل الحكم ومعبرة عن المعاناة والمأساة التي يغرق فيها الشعب وحالات الجوع والفقر والحرمان والبطالة التي يعاني منها ملايين الإيرانيين ورافعة شعارات تترحم فيه على نظام الشاه البائد حيث رفعت يافطات " غلطنا حين ثرنا في زمن الشاه.... اهنأ يا رضا بهلوي ". ويافطات أخرى استبدلت شعار الموت لأميركا بشعار " الموت للعمائم... الموت لروحاني.... الموت لخامنئي ." ويافطات جاء فيها " الشعب يستجدي والسيد يدعي الألوهية ". ورفعت يافطات أيضا تقول " لا غزة ولا لبنان... روحي فداء لإيران " و " اتركوا سوريا فكروا فينا ".
إقرأ أيضًا: خفايا العلاقة الأميركية - الإيرانية ... حب وإتفاقات بالمخفي
والمظاهرات بدأت أولا في مدينة مشهد منذ أيام قليلة احتجاجا على غلاء الأسعار وتراجع الأوضاع الاقتصادية في عهد روحاني وقد فشلت قوات مكافحة الشغب في قمع أصوات الإحتجاجات ليصل صداها إلى العاصمة طهران واتسعت رقعة الإحتجاجات فخرج المواطنون في كرمنشاه ومدن إيرانية أخرى منها ساري ورشت في الشمال ومدينة قم جنوبي طهران ومدينة همدان غربي البلاد تضامنا مع أهالي مشهد.
وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدد المتظاهرين فإن عناصر أجهزة القمع الإيرانية تنتشر بشكل مكثف لتفريق المتظاهرين وتمعن في قمعهم وإلقاء القبض عليهم حيث قامت السلطات المختصة باحتجاز العشرات ممن شاركوا في هذه المظاهرات.
وكانت مدينة أصفهان قد شهدت في وقت سابق مظاهرات احتجاجية كبيرة ضد سياسات النظام الحاكم كما أن عدة مناطق في الأحواز كانت قد ثارت قبل أيام ردا على أعمال القمع واستمرار اغتصاب أراضي الفلاحين الأحوازيين ومنحها للإيرانيين الفرس وقامت قوات الأمن باعتقال المئات من المتظاهرين من بينهم العشرات من النساء.
مرجع إيراني معارض يؤكد على أن التظاهرات أتت لتدعم مقولة أن روحاني ليس إصلاحيا ولا معتدلا وهو ينفذ أجندة القوى النافذة في الحكم والمتمثلة بجناح الحرس الثوري بقيادة المرشد الخامنئي. وذلك أن الناس خرجت هذه المرة ضد النظام السياسي الإيراني برمته ولا فرق في ذلك بين تيار وآخر. وأحرق المتظاهرون صور الخامنئي وصور قائد الثورة الإمام الخميني وهتفوا بسقوط الديكتاتور ، ما يعني أنهم يعتبرون أنفسهم يعيشون داخل ديكتاتورية وهي نفس الأسباب التي حركت الشعب الإيراني ضد ديكتاتورية شاه إيران.
والواضح أن النظام الإيراني برمته في مأزق والقمع لن يؤدي إلا إلى التصعيد وقد ينتهي بأحداث دموية كتلك التي حدثت أيام حكم الشاه ويتزامن ذلك مع تضييق الحلقة الدولية على إيران وتهدد باعادتها إلى العزلة وهو ما يرفضه الشعب الإيراني ولا بديل لذلك غير تخلي النظام عن ديكتاتوريته وعنجهيته وعقيدته وأساليبه القمعية .